وكانت مصادر لـ"العربي الجديد" قد أشارت منذ أسابيع إلى استقبال السبسي للصيد في أكثر من مناسبة، دون الإعلان عن اللقاءات. ورجحت المصادر الخاصة وقتها إمكانية تعيين الصيد في خطة مستشار.
ويطرح تعيين الصيد أكثر من سؤال حول التوقيت والأهداف، خصوصاً أن الصيد خرج تقريباً مقالاً من منصبه السابق، بعد صراع مع الرئاسة التي اعتبرت نتائجه الاقتصادية سيئة، مما أثار احتجاجات شعبية.
ولم يتقدم الصيد باستقالته رغم ذلك، وذهب إلى البرلمان لعرض نيل الثقة من جديد، وهو ما لم يحصل، بعد رضوخ حركة "النهضة" لرغبة حليفها "نداء تونس"، وقبلت بسحب الثقة بعدما كانت معارضة لإقالة الصيد.
ويستعيد سيناريو الحبيب الصيد وضعية اليوم مع رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد، الذي يخوض صراعاً قوياً مع الرئاسة، وخلافاً معلناً مع السبسي ونجله حافظ، غير أن الظروف تختلف كثيراً اليوم بسبب معارضة "النهضة" القوية والمستمرة لإقالته، ورفض عدد من نواب "نداء تونس" أيضاً لهذا التوجه، وهو ما وفر الى حد الآن على الأقل، أغلبية مريحة للشاهد تجلت بوضوح في اختبار تعيين وزير الداخلية الجديد ونيله 148 صوتاً.
ويتساءل مراقبون ما إذا كان تعيين الصيد في هذا المنصب الهام يستهدف ترتيب القصر الرئاسي بعد التضارب في المواقف التي اتضحت خلال الأشهر الماضية بين مستشاري الرئيس، أم أنه يأتي في إطار التكفير عن أخطاء ارتكبها السبسي بإبعاد الصيد، أو يكون تمهيدًا لمرحلة جديدة وإعادة توزيع الأوراق مع الأزمة السياسية الحادة التي تعرفها البلاد منذ أشهر.
ويرى مراقبون أن صمت الصيد بعد إقالته طيلة هذه الفترة، أثبت أنه رجل دولة بالفعل، وبيّن أنه أهل للثقة، ونجح في إدارة مرحلة ما بعد إقالته.
وأكد الدغاري أنّه رغم الاعتقاد أن الحبيب الصيد انتهى سياسيًا مباشرة بعد إقالته، إلا أنّ استعمال السبسي لورقة الصيد مجددًا لا تزال تخفي وراءها عديد الأسرار، وملامحها لم تتضح بعد، معتبرًا أن هناك "لعبة" بين رئاسة الحكومة ومستشاري قصر قرطاج، ويبدو أن هذا التعيين جاء في إطار "معركة بين الرئاستين"، وفق رأيه.
وأفاد المحلل السياسي بأن المعركة بين السبسي والشاهد لم تعد خفية؛ خاصة بعد خطاب رئيس الجمهورية الأخير، والرسائل التي لمح بها إلى رئيس الحكومة للعمل كرئيس حكومة أو التخلي عن طموحات 2019، وكذلك حضور الشاهد في البرلمان للحصول على منح الثقة لوزير الداخلية، ومعاركه مع "نداء تونس"، ثم الحديث عن ضغوطات تلقاها النواب للتصويت لفائدة وزير الداخلية.
وبين أن هناك شعورًا أن رئيس الجمهورية معزول ولم يعد قادرًا على السيطرة على أغلب مستشاريه في القصر، وأغلب كواليس حواره الأخير الذي أثار جدلًا واسعًا في تونس كشف أن الوضع كان خارج السيطرة، مضيفًا أن تعيين الصيد في خطة مستشار سياسي وراءها "لعبة مدروسة" من قبل رئيس الجمهورية، وقد تتضح معالمها في الأيام القادمة؛ لأن الصيد لم ينجح سياسيًا ليستنجد به السبسي، بل كان أداؤه ضعيفًا وضحية من ضحايا اللعبة السياسية في تونس الأمر الذي عجل بإقالته من منصب رئيس الحكومة.
وقال المحلّل السياسي، محمد بوعود في تصريح لـ"العربي الجديد" إنّ المواجهة بين قرطاج والقصبة ستشهد فصلًا تصعيديًا جديدًا، إذ إن "نداء تونس" يجمع شتاته ويستعد لمعركة سحب الثقة من جديد، وقصر قرطاج يستنجد بالصيد الذي لا يخفى على أحد أنّ واحدًا من أبرز خصومه الذين أخرجوه من الباب الصغير هو يوسف الشاهد، وأنه لا شك يحمل أجندات "ثأرية" سيعتمد عليها السبسي في لملمة الصفوف بعد جولة فاشلة من الصراع مع القصبة، فقد خلالها الثقة في كثير من مستشاريه المحيطين به.
ورأى بوعود أن عودة الحبيب الصيد ستكون لها تبعات مباشرة على الصراع مع القصبة، وقد يكون رأس حربة في المعسكر الرئاسي بمواجهة الخصوم.