بذلت المتحدثة الرسمية في وزارة الخارجية الأميركية، هاذر نيوارت، أمس الخميس، جهدها لإزالة الشكوك التي أثارتها تسريبات منسوبة إلى مصادر داخل البيت الأبيض، بأن الوزير ريكس تيلرسون بات في طريقه لمغادرة منصبه قريباً؛ لأن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب "ينوي استبداله بعد أسابيع قليلة بمدير الـ"سي أي إيه" مايك بومبيو".
لكن بالرغم من زعمها بأن الشائعات في هذا الخصوص "غير صحيحة"، وجدت نيوارت صعوبة في دحضها، فتركتها مفتوحة للتأويل، متعاملة معها بطريقة ملتبسة بحيث لم تقطع في نفيها وفي الوقت ذاته لم تعترف ولو مواربة بصحتها. تركت الباب مفتوحاً، بعدما اكتفت بالقول إن ما تردد في هذا المجال "غير صحيح، والوزير ملتزم بالاستمرار في عمله".
وفي ردها على الأسئلة التي دارت حول هذا الموضوع الذي نال الحصة الأكبر من لقائها مع الصحافة، نأت نيوارت عن استخدام عبارة "لا أساس لهذا من الصحة"، بل اعترفت بوجود "خلافات بين تيلرسون وترامب في بعض القضايا" لكنها أضافت "الرئيس يحترم تيلرسون". ثم أعقبت ذلك بتلميح إلى احتمال المغادرة بقولها إن "الوزير يزمع مواصلة مهمته، ولغاية أن يقرر الرئيس خلاف ذلك".
ومع ذلك، يبقى الاحتمال وارداً منذ أشهر، فهي ليست المرة الأولى التي يزداد فيها اللغط في واشنطن عن قرب استقالة وزير الخارجية تيلرسون، أو دفعه إلى الاستقالة. من البداية كان التنافر بينه وبين الرئيس واضحاً. لا الكيمياء تجمع بينهما ولا المقاربة للدبلوماسية والشؤون الخارجية. وكانت بوادر التناقض قد بدأت تظهر مبكراً، سواء في ملف النووي الإيراني أم اتفاقية المناخ أم حصار قطر وحتى كوريا الشمالية والملف الروسي. للرئيس حساباته المحلية والذاتية ونظرته التعاقدية الثنائية في العلاقات الدولية، وللوزير توجهه التحالفي المخالف ولو الفقير في الحقل الخارجي، وكلاهما قادمٌ من عالم القرار التنفيذي الفردي. المعادلة مختلة من الأساس، ولا تحتمل تنفيذيَّيْن متناقضين في موقع القرار. لكن اعتبارات كثيرة حملت الجانبين على ضرورة تجاوز التنافر.
غير أن تيلرسون بدأ يطفح كيله في الآونة الأخيرة، كما أن البيت الأبيض في المقابل ازداد نفوره من وزير الخارجية، خاصة بعد أن نُسب إلى هذا الأخير نعْتُ ترامب بـ"الأبله" في أعقاب أحد اجتماعات مجلس الأمن القومي في البنتاغون، ومن ذلك الحين أخذ التباعد يتوسع بينهما.
في خطاب له قبل يومين حول العلاقات الأوروبية – الأميركية، تحدث تيلرسون بلغة جامدة عن السلوك الروسي تجاه أميركا، وبما يتضارب مع موقف ترامب المعروف من موسكو. صرّح بأن تنامي الدور الروسي الدولي يشكل تهديداً لمصالح أميركا وبما يجعل التوجه الأميركي "لتحسين العلاقات مع روسيا ضرباً من الخيال". كلام يتصادم مع قول الرئيس ترامب بعد لقائه مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، في قمة فيتنام قبل أسبوعين إن "بوتين صادق في نفيه بأن روسيا لم تتدخل في انتخابات الرئاسة الأميركية وأنه يمكن العمل معه".
تلت ذلك معلومات تحدثت عن أن تيلرسون أعرب عن "غضبه من البيت الأبيض لأنه حجب عنه ما كان على علم به بخصوص الخطة السعودية تجاه لبنان". وقيل إن جاريد كوشنر، مستشار وصهر الرئيس الأميركي، أعطى الضوء الأخضر للرياض في هذا الخصوص "من دون استشارة وزارة الخارجية". رد البيت الأبيض بالنفي مشدداً على أن أي تواصل يجريه كوشنر مع السعودية "يتم وضع كافة الدوائر المعنية في إطاره".
على هذه الخلفية سرت أنباء عن قرب مغادرة تيلرسون لمنصبه، وهي تأتي في لحظة مواتية كثرت فيها الاعتراضات على الوزير وخطته لتفريغ وزارة الخارجية من الكفاءات والخبرات الدبلوماسية. ومع أن كبير موظفي البيت الأبيض الجنرال المتقاعد، جون كيلي "أجرى اتصالاً برئيس جهاز وزارة الخارجية ليبلغه بأن الإشاعة ليست صحيحة"، حسب ما قالت المتحدثة نيورات في ردها على سؤال "العربي الجديد"، إلا أنه لم يكن هناك لزومٌ لمثل هذا التطمين لو لم يكن وراء الدخان نار.
وكثرت التكهنات منذ فترة عن البديل المرجح لتيلرسون، والذي رسا الخيار بشأنه على بومبيو وليس على سفيرة الولايات المتحدة الأميركية بالأمم المتحدة، نيكي هيلي، وفق مصادر صحيفة "نيويورك تايمز". فالمرشح لهذا المنصب "مقرب من الرئيس ومتشدد مع إيران" ولو أن خلفيته في الشؤون الخارجية، أقل من خلفية تيلرسون الذي لا يتوقع العارفون أن يستمر في موقعه لما بعد مطلع العام المقبل.