على الرغم من مرور أكثر من ثلاثة أشهر على استعادة القوات العراقية النظامية ومليشيات "الحشد الشعبي" والحرس الثوري الإيراني، مدينة تكريت من قبضة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، إلا أنّ المدينة لا تزال خالية من أهلها ومن أشكال الحياة الأخرى، باستثناء عناصر المليشيات التي تجوب المدينة وتتخذ من منازلها ثكنات عسكرية ومحطات مبيت واستراحة.
اقرأ أيضاً الأمم المتحدة: ثمانية ملايين عراقي يحتاجون المساعدة
وتتهم جهات سياسية عراقية مختلفة التوجهات مليشيات "الحشد الشعبي" بمنع أهالي تكريت من العودة إلى مدينتهم بعد عمليات السرقة والنهب والحرق التي قامت بها تلك المليشيات في تكريت لدى دخولهم إليها أواخر شهر مارس/ آذار الماضي، غير أنّ سكان المدينة أنفسهم يجمعون على أنّ المدينة باتت غير صالحة للعيش، إذ طاول الدمار كل شيء. لا ماء ولا كهرباء ولا اتصالات ولا أسواق وتنتشر القوارض والحشرات والنفايات، ورائحة العفن تغلب على أزقة المدينة، فضلاً عن أمراض جلدية انتشرت بالمدينة لكن في صفوف أعضاء المليشيات أنفسهم.
اقرأ أيضاً: "داعش" يهاجم بلدة العلم.. والمليشيات تنهب مولدات الكهرباء بتكريت
يقول رئيس مجلس أعيان تكريت محمد التكريتي لـ"العربي الجديد" إن "تكريت التي كانت تعدّ من أجمل مدن العراق وأعذبها باتت خراباً لا شيء فيها؛ فالمنازل نُهبت وفُجرت والأسواق سرقت وأُحرقت وكل ما فيها طاولته يد الخراب، إن لم يكن من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، فمن المليشيات، وحتى القبور فجرت ولم يسلم الأموات من ذلك".
ويضيف أن "الأهالي لن يعودوا إلى المدينة حتى لو سمحت المليشيات لهم بذلك، كونها هي صاحبة القرار وليس (رئيس الحكومة حيدر) العبادي، لأنهم سيكونون تحت رحمة "الحشد الشعبي"، وسيتعرضون لأعمال انتقامية بطابع طائفي، فضلاً عن أن المدينة معرضة لهجوم محتمل من "داعش" لاستعادتها؛ فهو يحيط بها من ثلاثة اتجاهات وهذا يعزز المخاوف أكثر"، مبيناً أن "الأهالي يفضلون الأمن في خيام النزوح على العودة الى المدينة التي تتحكم فيها المليشيات".
وفي ظل الظروف الصعبة التي ترزح تحتها تكريت، زار رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري المدينة يوم الإثنين، وتعدّ الزيارة الأولى من نوعها للجبوري منذ تحريرها، وجاءت برفقة وزير الدفاع وعدد من المسؤولين الحكوميين للاطلاع على وضع المدينة الحالي، بحسب بيان أصدره مكتب رئيس البرلمان.
وقال الجبوري إن "الفترة المقبلة ستشهد عودة نحو ثمانية آلاف مواطن للمدينة بعد تهيئة المدينة خدمياً"، مبيناً أن "تحرير تكريت وعودة الأهالي إليها يعززان الثقة بنفوس بقية السكان في مدن تسيطر عليها داعش".
بدوره، قال عضو مجلس محافظة صلاح الدين خزعل حماد، لـ"العربي الجديد"، إن الجبوري يسعى من خلال هذه الزيارة إلى تحسين صورة الحكومة العراقية أمام نازحي تكريت الذين يعيشون أسوة ببقية الأسر النازحة حياة تعيسة وبائسة بسبب عجز الحكومة عن توفير الخدمات الضرورية والغذاء والدواء، مشيراً إلى أن غالبية نازحي تكريت الموجودين سواء في مدن إقليم كردستان العراق أو بقية المدن الأخرى يخشون العودة إلى مدينتهم؛ بسبب وجود مليشيا "الحشد الشعبي" هناك، فضلاً عن استمرار حالات النهب والسرقة لبعض المنازل وتفجير أخرى تحت ذريعة أن أصحابها كانوا يساندون مسلّحي تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، لذا يفضل النازحون البقاء في العراء ومواجهة قسوة الحر على أن يعرضوا أنفسهم وأهلهم للخطر، خصوصاً أن مليشيا "الحشد" تفرض على الشباب العائدين التطوع في صفوفها، على حدّ تعبيره.
وأكد حماد أن "تكريت تعاني نقصاً كبيراً في توفير المياه الكهرباء والمواد الغذائية والكوادر الطبية، كما أن شوارعها ومنازلها ما زالت مدمرة بسبب العمليات العسكرية وتحتاج لأشهر حتى يتم ترميها وإعادتها كما كانت في السابق".
وفي سياق متصل، طالبت لجنة المهجرين والمرحلين النيابية الرئيس العراقي فؤاد معصوم بالتدخل شخصياً لإبقاء العوائل النازحة في محافظة كركوك إلى حين تحرير جميع المناطق في محافظتي صلاح الدين والأنبار. وقال نائب رئيس اللجنة، حنين قدو، لـ"العربي الجديد" إن رئيس اللجنة رعد الدهلكي بحث مع معصوم بحضور وزير الهجرة والمهجرين، السبل الكفيلة لحل مشاكلهم ومناقشة أسباب عدم عودة العوائل النازحة إلى مناطق شمالي محافظة ديالى وبعض المناطق المحررة في صلاح الدين، مشيراً إلى وجود تقصير واضح من قبل وزارة المالية في توفر السيولة النقدية لوزارة الهجرة لإطلاق المبالغ المالية المخصصة للنازحين والبالغة قيمتها مائة وثلاثة وتسعين مليار دينار، مضيفاً أن هناك عدم جدية من قبل الحكومة المركزية في رفع المعاناة عن كاهل النازحين وعدم مساعدة المحافظات التي قامت باستقبالهم.