غضبٌ عربي كبير فجّره عدم انسحاب مصر من القمة العربية الإفريقية التي استضافتها العاصمة الغينية مالابو، بعدما أصرّ الوفد المصري برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي على استكمال المؤتمر، في حين انسحبت كلّ من السعودية والمغرب والأردن والبحرين وعمان، والإمارات وقطر والصومال، بسبب تمثيل وفد من الجمهورية الصحراوية التي تقودها جبهة البوليساريو المنشقة عن المملكة المغربية.
وأكدت القاهرة على لسان المتحدث باسم رئاسة الجمهورية السفير علاء يوسف أن مصر لا تعترف بـ"البوليساريو"، لكنها أصرت على الحضور من منطلق المسؤولية الخاصة التي تطلع بها كدولة إفريقية عربية، موضحاً أن السيسي حاول تدارك الموقف قبل انعقاد القمة لمحاولة إيجاد مخرج لأزمة مشاركة الجبهة.
مصدر دبلوماسي مصري مطلع أوضح في تصريحات خاصة أن القاهرة كانت قد أوشكت على اتخاذ قرار الانسحاب من اجتماعات القمة، لولا استمرار الكويت في المشاركة وعدم الانسحاب مثل باقي الدول الخليجية. وأكد في الوقت ذاته "يجب ألا نتغافل أن القاهرة عائدة للتو للاتحاد الإفريقي بعد تعليق مشاركتها من جانب الاتحاد في أعقاب 30 يونيو/حزيران 2013"، مستطرداً "بالتالي هي ترغب في استثمار أي محفل دولي أو إفريقي للمشاركة وتأكيد شرعية النظام الحالي".
وكشف المصدر ذاته عن أن "الأزمة منذ البداية سببها الجامعة العربية وأمينها العام أحمد أبو الغيط"، موضحاً "قبل القمتين السابقتين كانت الجامعة العربية تخاطب الاتحاد الإفريقي للتأكيد على مشاركة الدول العربية والإفريقية الأعضاء فقط في الأمم المتحدة، لتجاوز هذه الأزمة على اعتبار أن الأمم المتحدة لا تعترف بجمهورية الصحراء".
وأضاف أن "الدليل على عدم علم مصر المسبق والدول العربية الأخرى بحضور البوليساريو، أنه لو كان هناك علم مسبق بذلك، لكانت الدولة أعلنت قراراً بالمقاطعة ولم تنسحب بعدما فوجئت بتمثيل البوليساريو باعتبارها عضواً في الاتحاد الإفريقي".
فيما كشف مصدر سياسي بارز بُعداً آخر للموقف المصري بعدم الانسحاب، قائلاً إن "النظام المصري أراد ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، أولهم؛ مجاملة للكويت التي لم تنسحب كباقي الدول الخليجية. وجاء ذلك على ضوء العرض السخي الذي أنقذت به الكويت مصر باتفاق يقضي بتزويد القاهرة بـ2 مليون برميل من النفط الخام شهرياً على أن يكون الدفع بعد 9 أشهر من التسليم بعدما قررت شركة أرامكو السعودية وقف حصة مصر الشهرية من المشتقات البترولية".
والأمر الثاني، وفقاً للمصدر، هو أنه "لا يمكن فصل الإصرار المصري عن المشاركة بعيداً عن التقارب المصري الجزائري في بعض الملفات، أخيراً، إضافة لمحاولة استرضاء القاهرة للجزائر، التي تعد نِدّاً أساسياً للمغرب، خصوصاً في ظل وضع القاهرة عينها على البترول والغاز الجزائري بعدما أوقفت السعودية بترولها عن مصر بعد تصاعد الخلاف بينهما في أن تعد الجزائر المصدر الأساسي لتزويد مصر بالغاز وهناك اتفاقيات عدة بينهما".
فيما أشار إلى أن "الأمر الثالث والأهم وكان العنصر الفارق بالنسبة للقاهرة، أن موقفها جاء رداً على الزيارة الأخيرة التي قام بها ملك المغرب محمد السادس، لإثيوبيا الأسبوع الماضي، والتي استمرت لثلاثة أيام، مؤكداً من هناك فتح علاقات موسعة مع أديس أبابا في وقت تشهد فيه العلاقة بين مصر وإثيوبيا توتراً ملحوظاً بسبب قضية سد النهضة، في أعقاب اتهام أديس أبابا للقاهرة بإثارة الأزمات الداخلية ودعم تظاهرات الأورومو أخيراً".
وأضاف أن "القاهرة أبلغت دوائر عربية في وقت سابق للقمة العربية - الإفريقية بغضبها من الموقف المغربي، الذي جاء في توقيت حساس"، على حد تعبيره.
وشن الإعلام المغربي هجوماً عنيفاً على القاهرة بسبب استقبالها وفد جمهورية الصحراء ورفع علم جبهة البوليساريو خلال احتفال البرلمان المصري بمرور 150 عاماً على تأسيسه، واستقبال اجتماع البرلمان الإفريقي في مدينة شرم الشيخ على هامش الاحتفالية.
وانسحب المغرب من منظمة الوحدة الإفريقية في سبتمبر/أيلول 1984 قبل أن يتحول اسمها بعد ذلك إلى الاتحاد الإفريقي احتجاجاً على قبول المنظمة عضوية "الجمهورية الصحراوية" التي شكلتها جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب "بوليساريو".
وبقيت عضوية الرباط معلقة في المنظمة ثم في الاتحاد الإفريقي الذي تأسس في يوليو/تموز 2001 ويضم حالياً 54 دولة، حتى أعلن العاهل المغربي في رسالة إلى قمة الاتحاد الإفريقي التي انعقدت في 18 يوليو في رواندا قرار عودة المغرب إلى الاتحاد. وشدد في خطاب بمناسبة الذكرى السابعة عشرة لتوليه العرش على أن "قرار المغرب بالعودة إلى أسرته المؤسسية الإفريقية لا يعني أبداً تخلي المغرب عن حقوقه المشروعة أو الاعتراف بكيان وهمي يفتقد لأبسط مقومات السيادة تم إقحامه في منظمة الوحدة الإفريقية، في خرق سافر لميثاقها" في إشارة إلى جبهة البوليساريو.
وتعد قضية الصحراء هي الملف المركزي في السياسة الخارجية للمغرب حيث يعتبرها جزءاً لا يتجزأ من أراضيه. ويسيطر المغرب على معظم مناطق الصحراء منذ نوفمبر/تشرين الثاني 1975، بعد خروج الاستعمار الإسباني ما أدى إلى اندلاع نزاع مسلح مع بوليساريو استمر حتى سبتمبر/أيلول 1991 حين أعلنت الجبهة وقفاً لإطلاق النار تشرف على تطبيقه بعثة الأمم المتحدة. وتقترح الرباط منح حكم ذاتي للصحراء تحت سيادتها، إلا أن البوليساريو تطالب باستفتاء يحدد عبره سكان المنطقة مصيرهم.