ما أن تهدأ أصوات الرصاص وتهديدات الحرب في شبه الجزيرة الكورية، حتى تعود طبول الحرب لتقرع من جديد، عند كل إطلاق لصاروخ جديد من نظام كوريا الشمالية، وهو ما حصل اليوم الثلاثاء، حيث أطلقت صاروخاً بالستياً حلق فوق اليابان، فجاء ردّ الخصوم بالوعيد والتهديد وسط تلميحات بالتصعيد، فيما يرتقب أن يعقد مجلس الأمن الدولي جلسة طارئة مساء اليوم لبحث الأزمة، التي يزيد من خطورتها ارتباطها بمجنونين يقبعان على رأس السلطة في واشنطن، وبيونع يانغ (اقرأ هنا).
وصعّد نظام الحكم في كوريا الشمالية، خلال الفترة الماضية، من خطاب التحدي والاستفزاز، الذي اعتاد على استخدامه في مخاطبته الولايات المتحدة، حتى وصل الأمر إلى إعلان موعد وإحداثيات نقاط ستستهدفها صواريخه في محيط جزيرة غوام الأميركية في المحيط الهادئ، ويبدو أن المسؤولين في بيونغ يانغ لم يكونوا ليقدموا على مثل هذه الخطوة لولا معرفتهم أنهم بأمان إلى حد بعيد من رد فعل أميركي عنيف.
وباتت كوريا الشمالية الآن محور حديث الساسة الأميركيين ومحط أنظار وسائل الإعلام والشعب الأميركي، بعد نجاحها بتجاوز جميع الخطوط الحمراء الأميركية، واقترابها من تطوير صواريخ بالستية قادرة على ضرب البر الأميركي الرئيسي وهي محملة برؤوس نووية، وذلك بعد أن أتمت عدة تجارب صاروخية مؤخراً وصفت بالناجحة.
وأعلنت بيونغ يانغ العام الماضي عن امتلاكها قنابل نووية هيدروجينية، وقامت بالفعل بالإعلان عن تجربة ناجحة لإحداها، ورغم تشكيك البعض، باتت كوريا الشمالية تعتبر أحد مالكي تكنولوجيا الأسلحة النووية القلائل في العالم، وهو ما دفع الولايات المتحدة لحالة القلق الكبير تجاه التطور السريع لكنولوجيا الصواريخ الكورية التي قد تتمكن قريباً من حمل رؤوس نووية إلى الأراضي الأميركية.
وتشكل كوريا الشمالية الآن وبدون أي شك تهديداً كبيراً على حلفاء الولايات المتحدة الأميركية في شرق أسيا، وتحديداً كوريا الجنوبية واليابان، حيث تقع أراضي الدولتين بالكامل في المرمى المجدي للصواريخ الكورية، كما تقع أيضا القواعد الأميركية الموجودة في الدولتين في مرمى صواريخ بيونغ يانغ أيضاً.
واستفادت كوريا الشمالية في إطار سعيها لتطوير التكنولوجيا النووية والصاروخية من الصين كحديقة خلفية لها، بحيث تعتمد عليها في وارداتها من المواد الأولية والصناعية والأغذية، كما تعتمد عليها بتأمين غطاء سياسي وربما عسكري عندما ترفع الولايات المتحدة من نبرة التهديد ضد بيونغ يانغ ونشاطاتها.
وتتموضع كوريا الشمالية في النصف الشمالي من شبة الجزيرة الكورية ويبلغ عدد سكانها نحو 25 مليون نسمة، وتملك حدوداً برية مع روسيا والصين شمالاً وجارتها الجنوبية جنوباً.
تأسست كوريا الشمالية بعد انسحاب الاتحاد السوفييتي من النصف الشمالي من شبه الجزيرة الكورية عام 1948، لتصبح بيونغ يانغ حينها، عاصمة البلد الجديد الذي احتفظ بعلاقات ممتازة مع حكومة ستالين في الاتحاد السوفييتي وحكومة ماوتسي تونغ في الصين.
وبالفعل تذرعت كوريا الشمالية بمشاكل حدودية مع جارتها الجنوبية لتبدأ في صيف عام 1950 هجوما شاملاً على جارتها الجنوبية بهدف ضمها، ليبدأ بعد ذلك ما بات يعرف لاحقاً بالحرب الكورية التي استمرت ثلاث سنوات، وانتهت بوقف إطلاق نار أعاد الحدود لما كانت عليه قبل الحرب رغم سقوط نحو ثلاثة ملايين قتيل خلالها.
لم تكن الحرب الكورية صراعاً محلياً بين الكوريتين أو حربا أهلية كما يصفها البعض، بل كانت أول حرب بالوكالة في التاريخ الحديث، حيث حاربت كوريا الشمالية نيابة عن الاتحاد السوفييتي والصين، فيما حاربت جارتها الجنوبية نيابة عن الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، لتنشأ مع هذه الحرب حالة الصراع التي استمرت عقودا بين المعسكرين والتي عرفت بالحرب الباردة.
وفي غياب اتفاق سلام حقيقي، بقيت الكوريتان في حالة حرب عملياً إلى اليوم، حيث تكررت المناوشات بينهما، حيث حفرت كوريا الشمالية أنفاقا على طول الحدود، كما وقعت عدة أحداث في الجزر المتنازع عليها غرباً، كما قامت كوريا الشمالية عام 2010 بإغراق قارب يقل 73 كوريا جنوبيا ما أدى لمقتلهم.
ومنذ مطلع السبعينيات تسيطر عائلة كيم على الحكم تحت راية الشيوعية، حيث يحكم كوريا الشمالية اليوم كيم جونغ أون الذي وصل إلى السلطة عام 2011 خلفا لوالده، كيم جونغ إل، الذي بدوره حكم منذ 1994 خلفا لوالده، كيم إل سونغ الذي حكم منذ عام 1972 وحتى وفاته عام 1994.
اقــرأ أيضاً
كوريا الشمالية تعد أكثر بلاد العالم انغلاقاً، حيث لا يعرف الكوريون الشماليون ما يجري خارج بلادهم بسبب حرمانهم من الولوج إلى الإنترنت وإلى وسائل الإعلام غير المملوكة للحكومة، وتتحدث المصادر الغربية عن عمليات قمع واسعة النطاق يمارسها النظام الحاكم على السكان، من قبيل إدارة معتقلات جماعية تضم عشرات آلاف المعارضين السياسيين، وبدوره ينكر نظام كيم وجود مثل هذه المعتقلات.
لكن كوريا عادت إلى مركز الحدث الدولي حالياً بسبب دخول سلاحها النووي ضمن حسابات الصراع، حيث انسحبت كوريا الشمالية عام 2003 من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، لتقوم بعد ثلاث سنوات بأول تجربة نووية لها تحت الأرض.
رد مجلس الأمن الدولي على التجربة الكورية الشمالية بعقوبات اقتصادية أسفرت عن عزل البلاد سياسيا واقتصادياً، لتبدأ بعد ذلك محادثات ضمن الكوريتين والولايات المتحدة وروسيا والصين واليابان للوصول لاتفاق يفضي لرفع العقوبات عن كوريا الشمالية. غير أن هذه المحادثات كانت دائما تراوح مكانها دون أي تقدم في الوقت الذي تعكف فيه كوريا الشمالية على تطوير برامجها النووية والصاروخية.
وفي عام 2009، أجرت كوريا الشمالية تجربة لصاروخ كان الأول الذي يمكن له نظريا أن يصيب ولاية آلاسكا الأميركية، لتتبع هذه التجربة بتجربة نووية أخرى في نفس العام أدت لتشديد العقوبات عليها.
وأجرت كوريا الشمالية منذ عام 2012 إلى اليوم عدة تجارب نووية وعشرات التجارب الصاروخية التي أدت أخيراً إلى إعلان كوريا عن نجاح تجربة صاروخ يمكن أن يضرب البر الأميركي الرئيسي وإعلانها العزم على إطلاق صورايخ تجاه جزيرة غوام الأميركية المليئة بالقواعد العسكرية والمسكونة بنحو 150 ألف نسمة.
باتت كوريا الشمالية اليوم أقوى من أي وقت سبق، فهي تملك ما يمكن أن يطلق عليه "أسلحة ردع"، ولو أن كثيرين يشككون في قدرة فعلية لبيونغ يانغ لضرب الأراضي الأميركية الرئيسية في حال حصول حرب بين البلدين، إلا أن الأكيد أن الأراضي الكورية الجنوبية واليابانية والقواعد الأميركية هناك ستكون جميعاً في مرمى نيران بيونغ يانغ، وهذا ما سيجعل الأميركيين يفكرون مطولاً قبل اتخاذ قرار مهاجمة كيم جونغ أون، الذي يواصل التحدي ويرفع سقفه باستمرار، معتمدا على تكنولوجيا الصواريخ التي تتطور بسرعة وعلى بضعة رؤوس نووية يملكها.
أطلقت كوريا الشمالية برنامجها النووي منذ منتصف الخمسينيات، وفي عام 2005، أقرّت بأنّها باتت تملك أسلحة نووية؛ في التقرير التالي، المعزّز بالرسومات البيانية، نستعرض أبرز مراحل البرنامج النووي لكوريا الشمالية، وكيف تحوّلت إلى قوّة نووية:
إعداد: هشام حدانة ومعتصم الناصر
تقديم: معتصم الناصر
وباتت كوريا الشمالية الآن محور حديث الساسة الأميركيين ومحط أنظار وسائل الإعلام والشعب الأميركي، بعد نجاحها بتجاوز جميع الخطوط الحمراء الأميركية، واقترابها من تطوير صواريخ بالستية قادرة على ضرب البر الأميركي الرئيسي وهي محملة برؤوس نووية، وذلك بعد أن أتمت عدة تجارب صاروخية مؤخراً وصفت بالناجحة.
وأعلنت بيونغ يانغ العام الماضي عن امتلاكها قنابل نووية هيدروجينية، وقامت بالفعل بالإعلان عن تجربة ناجحة لإحداها، ورغم تشكيك البعض، باتت كوريا الشمالية تعتبر أحد مالكي تكنولوجيا الأسلحة النووية القلائل في العالم، وهو ما دفع الولايات المتحدة لحالة القلق الكبير تجاه التطور السريع لكنولوجيا الصواريخ الكورية التي قد تتمكن قريباً من حمل رؤوس نووية إلى الأراضي الأميركية.
وتشكل كوريا الشمالية الآن وبدون أي شك تهديداً كبيراً على حلفاء الولايات المتحدة الأميركية في شرق أسيا، وتحديداً كوريا الجنوبية واليابان، حيث تقع أراضي الدولتين بالكامل في المرمى المجدي للصواريخ الكورية، كما تقع أيضا القواعد الأميركية الموجودة في الدولتين في مرمى صواريخ بيونغ يانغ أيضاً.
واستفادت كوريا الشمالية في إطار سعيها لتطوير التكنولوجيا النووية والصاروخية من الصين كحديقة خلفية لها، بحيث تعتمد عليها في وارداتها من المواد الأولية والصناعية والأغذية، كما تعتمد عليها بتأمين غطاء سياسي وربما عسكري عندما ترفع الولايات المتحدة من نبرة التهديد ضد بيونغ يانغ ونشاطاتها.
تأسست كوريا الشمالية بعد انسحاب الاتحاد السوفييتي من النصف الشمالي من شبه الجزيرة الكورية عام 1948، لتصبح بيونغ يانغ حينها، عاصمة البلد الجديد الذي احتفظ بعلاقات ممتازة مع حكومة ستالين في الاتحاد السوفييتي وحكومة ماوتسي تونغ في الصين.
وبالفعل تذرعت كوريا الشمالية بمشاكل حدودية مع جارتها الجنوبية لتبدأ في صيف عام 1950 هجوما شاملاً على جارتها الجنوبية بهدف ضمها، ليبدأ بعد ذلك ما بات يعرف لاحقاً بالحرب الكورية التي استمرت ثلاث سنوات، وانتهت بوقف إطلاق نار أعاد الحدود لما كانت عليه قبل الحرب رغم سقوط نحو ثلاثة ملايين قتيل خلالها.
لم تكن الحرب الكورية صراعاً محلياً بين الكوريتين أو حربا أهلية كما يصفها البعض، بل كانت أول حرب بالوكالة في التاريخ الحديث، حيث حاربت كوريا الشمالية نيابة عن الاتحاد السوفييتي والصين، فيما حاربت جارتها الجنوبية نيابة عن الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، لتنشأ مع هذه الحرب حالة الصراع التي استمرت عقودا بين المعسكرين والتي عرفت بالحرب الباردة.
وفي غياب اتفاق سلام حقيقي، بقيت الكوريتان في حالة حرب عملياً إلى اليوم، حيث تكررت المناوشات بينهما، حيث حفرت كوريا الشمالية أنفاقا على طول الحدود، كما وقعت عدة أحداث في الجزر المتنازع عليها غرباً، كما قامت كوريا الشمالية عام 2010 بإغراق قارب يقل 73 كوريا جنوبيا ما أدى لمقتلهم.
ومنذ مطلع السبعينيات تسيطر عائلة كيم على الحكم تحت راية الشيوعية، حيث يحكم كوريا الشمالية اليوم كيم جونغ أون الذي وصل إلى السلطة عام 2011 خلفا لوالده، كيم جونغ إل، الذي بدوره حكم منذ 1994 خلفا لوالده، كيم إل سونغ الذي حكم منذ عام 1972 وحتى وفاته عام 1994.
كوريا الشمالية تعد أكثر بلاد العالم انغلاقاً، حيث لا يعرف الكوريون الشماليون ما يجري خارج بلادهم بسبب حرمانهم من الولوج إلى الإنترنت وإلى وسائل الإعلام غير المملوكة للحكومة، وتتحدث المصادر الغربية عن عمليات قمع واسعة النطاق يمارسها النظام الحاكم على السكان، من قبيل إدارة معتقلات جماعية تضم عشرات آلاف المعارضين السياسيين، وبدوره ينكر نظام كيم وجود مثل هذه المعتقلات.
لكن كوريا عادت إلى مركز الحدث الدولي حالياً بسبب دخول سلاحها النووي ضمن حسابات الصراع، حيث انسحبت كوريا الشمالية عام 2003 من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، لتقوم بعد ثلاث سنوات بأول تجربة نووية لها تحت الأرض.
رد مجلس الأمن الدولي على التجربة الكورية الشمالية بعقوبات اقتصادية أسفرت عن عزل البلاد سياسيا واقتصادياً، لتبدأ بعد ذلك محادثات ضمن الكوريتين والولايات المتحدة وروسيا والصين واليابان للوصول لاتفاق يفضي لرفع العقوبات عن كوريا الشمالية. غير أن هذه المحادثات كانت دائما تراوح مكانها دون أي تقدم في الوقت الذي تعكف فيه كوريا الشمالية على تطوير برامجها النووية والصاروخية.
وفي عام 2009، أجرت كوريا الشمالية تجربة لصاروخ كان الأول الذي يمكن له نظريا أن يصيب ولاية آلاسكا الأميركية، لتتبع هذه التجربة بتجربة نووية أخرى في نفس العام أدت لتشديد العقوبات عليها.
وأجرت كوريا الشمالية منذ عام 2012 إلى اليوم عدة تجارب نووية وعشرات التجارب الصاروخية التي أدت أخيراً إلى إعلان كوريا عن نجاح تجربة صاروخ يمكن أن يضرب البر الأميركي الرئيسي وإعلانها العزم على إطلاق صورايخ تجاه جزيرة غوام الأميركية المليئة بالقواعد العسكرية والمسكونة بنحو 150 ألف نسمة.
باتت كوريا الشمالية اليوم أقوى من أي وقت سبق، فهي تملك ما يمكن أن يطلق عليه "أسلحة ردع"، ولو أن كثيرين يشككون في قدرة فعلية لبيونغ يانغ لضرب الأراضي الأميركية الرئيسية في حال حصول حرب بين البلدين، إلا أن الأكيد أن الأراضي الكورية الجنوبية واليابانية والقواعد الأميركية هناك ستكون جميعاً في مرمى نيران بيونغ يانغ، وهذا ما سيجعل الأميركيين يفكرون مطولاً قبل اتخاذ قرار مهاجمة كيم جونغ أون، الذي يواصل التحدي ويرفع سقفه باستمرار، معتمدا على تكنولوجيا الصواريخ التي تتطور بسرعة وعلى بضعة رؤوس نووية يملكها.
أطلقت كوريا الشمالية برنامجها النووي منذ منتصف الخمسينيات، وفي عام 2005، أقرّت بأنّها باتت تملك أسلحة نووية؛ في التقرير التالي، المعزّز بالرسومات البيانية، نستعرض أبرز مراحل البرنامج النووي لكوريا الشمالية، وكيف تحوّلت إلى قوّة نووية:
إعداد: هشام حدانة ومعتصم الناصر
تقديم: معتصم الناصر