وحول هذه التفاصيل، كتبت صحيفة "واشنطن بوست"، الجمعة، أنه "في ساعات الصباح الأولى من يوم الثلاثاء الماضي، شعرت المعارضة الفنزويلية أن هدفها بخلع مادورو أصبح بمتناول اليد: لقد كانوا أكيدين أن الأخير على وشك إعلان تخليه عن الحكم. ولكن عند الظهر، طغت خشية من عدم تحقق هذا الحلم، وتبخرت آمال بأن تنجح خطة مليئة بالخيانة والدسيسة، بحسب تعبير الصحيفة".
وساعد ليوبولدو لوبيز، أشهر سجين سياسي في فنزويلا، و"المرشد الروحي" لغوايدو، في محاولة تأمين صفقة. فبينما كان لا يزال يخضع للإقامة الجبرية، التقى سراً مع كبار الداعمين والموالين لمادورو، بمن فيهم وزير دفاعه، داخل مجمعه في كاراكاس، وهو أحد أماكن عدة جرت فيها لقاءات سرية. الصفقة تمحورت حول تخلي "الموالين" عن الرئيس الفنزويلي، مقابل احتفاظهم بمراكزهم ضمن حكومة انتقالية يرأسها غوايدو.
وفي هذا الإطار، قال فريدي سوبرلانو، وهو رجل قانون معارض ومهندس "عملية الحرية" التي أطلقها غوايدو لـ"تحرير" البلد، إن "التحرك جاء بناء على ثقة تامة بأن كبار القادة داخل حكومة مادورو سوف يصدرون إعلانات ضده".
وتابع أن "مادورو كان سيرد بإعلان مغادرته (الحكم)، ونحن وافقنا لأنه يعتمد على دعمهم. لا أحد ولا شيء غيرهم يبقيه في الحكم". وقال مسؤولون معارضون إنه "تمّ تسريع تنفيذ الخطة في اليوم الذي سبق (الإثنين)، بعدما سرت أخبار أن غوايدو قد يواجه الاعتقال". ولكن قبل ساعات من دعوة زعيم المعارضة لـ"انقلاب عسكري"، شعر المعارضون بأن أمراً ما سيئاً حصل.
ويقدم هذا الكشف، بحسب الصحيفة الأميركية، تفاصيل جديدة حول الخطة لخلع مادورو، وهو مبني على مقابلات مع عدد من المسؤولين في المعارضة على اطلاع مباشر على التطورات، وجميعهم تحدثوا شرط عدم الكشف عن أسمائهم.
ولم تتحقق أبداً الوعود التي قدمها أعضاء من الدائرة المغلقة لمادورو، للمعارضة. عوضاً عن ذلك، ظهر فلاديمير بادرينو لوبيز، وزير الدفاع الفنزويلي وأحد أهم الداعمين له الذي التقى بالمعارضة، على التلفزيون الرسمي، ليدين "الانقلاب".
وفجأة، أجبر ليوبولدو لوبيز، الذي كان تمكن من الإفلات من الإقامة الجبرية بمساعدة أفراد من الشرطة الاستخبارية لمادورو، على طلب الحماية من السفارة الإسبانية في كاراكاس. ولساعات، اختفى غوايدو، أما رئيس فريق التجسس التابع لمادورو، وهو أحد "المتآمرين" الكبار، فغادر البلاد.
وقال مسؤولون أميركيون إن مادورو كان في طريقه إلى كوبا، قبل أن يثنيه الروس عن القيام بذلك. لكن مسؤولين كبارا بالمعارضة أكدوا أنهم لم يتلقوا أبداً هكذا معلومة.
هكذا، انهارت خطة كانت تهدف لإنهاء عقدين من الحكم الشيوعي في فنزويلا، ما يشكل انعطافة محورية في الحملة للإطاحة بمادورو. وبحسب "واشنطن بوست"، يسلط ذلك في الوقت نفسه الضوء على نقطة ضعف الرئيس الفنزويلي الأساسية. فبينما يقول مادورو إن غوايدو خارج عن القانون، يبقى على قواته أن تدعم كلامه باعتقال زعيم المعارضة، وهو ما لم يحصل.
واليوم السبت، تعمل المعارضة على المضي قدماً، بالدعوة إلى تظاهرة ضخمة تتوجه إلى المنشآت العسكرية، حتى في الوقت الذي تلملم فيه تداعيات أسبوع محوري باء بالفشل لخلع الرئيس.
وقال سوبرلانو للصحيفة: "لا يعني ذلك أننا ساذجون. نحن نسعى فقط لإيجاد حل سلمي للخروج من الأزمة. نحن لا نملك سلاحاً، كان لدينا فرصة للحصول على السلاح. ولكن إذا كانت هناك فرصة للخروج من الأزمة من دون إراقة الدماء لمصلحة الشعب، فليس من المجدي اغتنامها؟ خاصة إذا كنت لا تملك خطة ملموسة أخرى؟ إذا كان ذلك يعتبر سذاجة، فليصلبنا منتقدونا".
تفاصيل ثلاثاء مصيري
عند الساعة الخامسة بعد منتصف الليل، أي فجر الثلاثاء، استيقظ مشرع كبير في الجمعية الوطنية (البرلمان) التي يسيطر عليها غوايدو، باكراً، وتوجه بسيارته إلى منشأة عسكرية كان قد سبقه إليها غوايدو ولوبيز. في ذلك اليوم، وقف غوايدو إلى جانب أفراد من العناصر المسلحة ولوبيز.
وروى سوبرلانو: "في ذلك الصباح، كان غوايدو هادئاً كالعادة. ليوبولودو، الذي يميل بالعادة إلى إظهار مشاعره، كان بدوره هادئاً في ذلك الصباح. الجو كان متوتراً. لكن عند تلك المرحلة، أعتقد أن كليهما كانا يتوقعان نجاح الخطة".
وأكد لوبيز الخميس من أمام مقر السفير الإسباني في كاراكاس، أنه التقى بمسؤولين كبار بفريق مادورو لوضع الخطة، لكن سوبرلانو أكد لـ"واشنطن بوست" أن المعارض الشهير التقى أيضاً بوزير الدفاع بادرينو لوبيز، ورئيس المحكمة العليا مايكل مورينو.
وأضاف سوبرلانو "في البداية، كانت المحادثات استكشافية. لكن المعارضة بدأت تلمس إشارات جديرة بالثقة بأن الموالين لمادورو مستعدون للتحول. في الوقت، هم كانوا يظهرون دعماً سلبياً (للرئيس)".
وحول هذا الدعم "السلبي"، شرحت الصحيفة الأميركية أنه كان متاحاً لغوايدو التنقل في جميع أنحاء فنزويلا بحرية، ولم يحصل أي مجهود لتوقيفه، رغم انتهاكه حظراً للسفر من خلال ذهابه إلى كولومبيا للمساعدة في إيصال مساعدات إنسانية لبلده.
ولإتمام تفاصيل الصفقة مع المسؤولين الكبار الموالين لمادورو، عرض ليوبولدو أن يبقوا في مناصبهم كجزء من حكومة انتقالية، وتعهد بألا تجري محاكمتهم.
Twitter Post
|
لكن لغزاً لا يزال يفتقد لإجابة واضحة هو لماذا تراجع بادرينو ومسؤولان كبيران اثنان آخران في اللحظة الأخيرة. ورأى البعض أن ظهور ليوبولدو (إلى جانب غوايدو في القاعدة العسكرية) قد أثار قلقهم، واصفين ظهوره أمام الكاميرات بعد وقت قليل من إطلاق سراحه، بأنه تصرف ينم عن رغبة بالاستعراض، بينما يؤكد آخرون أن هؤلاء المسؤولين هم ليسوا إلا عملاء مزدوجين، باقين على ولائهم لمادورو. ويصر سوبرلانو على أن المسؤولين لم يتراجعوا لأن الخطة نفذت قبل يوم من الموعدد المحدد لها، "فقد كان بادرينو يعلم جيداً أنها ستحصل في الثلاثين من أبريل".
وبحسب الصحيفة، فلقد كانت هناك "عناصر إشكالية" في الخطة. ففي بلد استخدم فيها الأمن القوة لقمع الاحتجاجات، لن يكون الإبقاء على رجال مادورو في الحكم داخل حكومة انتقالية أمراً يستسيغه الشغب، لكن المعارضة ترى أنه من الضروري التركيز على أمر واحد: طرد مادورو.
في هذا السياق، قال كارلوس فيكيو، "سفير" غوايدو إلى الولايات المتحدة، إنه "كان علينا أن نقدم لهم دوراً، وأن نمنحهم أكثر من ضمانات أو عفو"، مضيفاً أن المباحثات "ركزت على طرد مادورو، والدعوة إلى انتخابات لتحقيق تقدم".
ولكن بعد ساعات فقط على وصولهم إلى قاعدة لا كارلوتا الجوية، انخفظت توقعات قياديي المعارضة، لا سيما بعد عدم ظهور بادرينو ومسؤولين فنزويليين كبار آخرين.
في ذلك الوقت، غادر معارضون أساسيون القاعدة، وانتقلوا إلى بلازا ألتاميرا شرقي المدينة. وتكلم غوايدو من على سطح سيارة قبل قيادة تظاهرات غرباً، تصادم فيها المتظاهرون مع رجال الشرطة.
وأضاف سوبرلانو "عند الظهر، اتخذنا قراراً بأن على ليوبولدو طلب الحماية من السفارة التشيلية". مانويل فيجيرا، مدير جهاز الاستخبارات الفنزويلي، الذي ساعد بتحرير ليوبولدو لوبيز، تمكن من الهرب، على الأرجح إلى الولايات المتحدة، بحسب تقدير سوبرلانو.
رغم ذلك، لا يزال المعارضون يعتقدون أن ما كان يؤمل بتحقيقه في يوم واحد، لا يزال ممكناً. ويؤكد سوبرلانو أن اتصالات مع المحيط الضيق لمادورو لا تزال تجري، مؤكداً أن النظام ينهار من الداخل.
أما بالنسبة لسفير غوايدو في الولايات المتحدة، فإن مادورو "لن ينام ليلة واحدة بهناء. هو يعلم أنه لا يستطيع الوثوق بأحد".