يبدو أن المخاوف الغربية، والأوروبية تحديداً، من نوايا قائد قوات برلمان طبرق، اللواء المتقاعد خليفة حفتر، في ليبيا، تتخطى السيطرة على منطقة المنشآت النفطية وعدم تسليمها إلى حكومة الوفاق المعترف بها دولياً، بل تصل إلى وجود نية لدى الأخير بالتقدم عسكرياً في اتجاه العاصمة الليبية طرابلس، بعد السيطرة على درنة، وقبلها بنغازي، مقر حكومة الوفاق، وهو ما يزيد الأوضاع سوءاً في ليبيا.
وتسيطر على حفتر فكرة الحسم العسكري للأوضاع في ليبيا، وهو ما كان مثار خلافات مع المسؤولين في القاهرة، في ظل رفض دولي وإقليمي لأي عمل عسكري لحسم الخلافات السياسية. وكشفت مصادر مصرية، قريبة من الملف الليبي، عن تحذيرات صادرة من القاهرة إلى حفتر من تحركاته باتجاه الحسم العسكري للأزمة في ليبيا، وضرورة عدم التصعيد خلال الفترة المقبلة.
وقالت المصادر، لـ"العربي الجديد"، إن المسؤولين في القاهرة تلقوا اتصالات من مسؤولين غربيين لإبلاغهم بوجود مخاوف من إمكانية تقدم حفتر وقواته باتجاه العاصمة الليبية، مضيفة أن المسؤولين الغربيين حذروا من مغبة تأثير قرار حفتر بمحاولة فرض الحسم العسكري، باعتبارها خطوة تعيد ليبيا إلى الوراء بضع سنوات. وتابعت المصادر أن النظام المصري أبلغ المسؤولين تفهم القاهرة للمخاوف الغربية، وسعيها نحو "فرملة" حفتر عن أي مساعٍ لتوسيع نطاق عملياته العسكرية، مؤكدة دعم مصر لمواجهة الإرهاب في ليبيا وغيرها من دول المنطقة، حتى يعود الاستقرار إلى ليبيا، شرط أن يتم حسم الخلافات من خلال السبل السياسية وليس العسكرية. وأشارت إلى أن المسؤولين الغربيين طالبوا القاهرة بوقف دعم حفتر، حتى لا يستغل ذلك ويقدم على أفعال قد تؤثر سلباً على الأوضاع في ليبيا، وتصل إلى درجة تصعب السيطرة عليها، خصوصاً إذا حدثت مواجهات بين قوات اللواء المتقاعد وقوات تابعة لحكومة الوفاق، ما يستدعي تدخل أطراف غربية، رفضاً لتقدم حفتر العسكري. وأوضحت كذلك أن المسؤولين أبدوا تخوفهم من قرارات حفتر، مشددين على ضرورة خروجه من المشهد، لكن القاهرة رفضت هذا الطرح لعدم وجود بديل له في المعسكر الشرقي.
جولة شكري
ويجري وزير الخارجية المصري سامح شكري، حالياً، جولة أوروبية، تشمل كلاً من ألمانيا والنمسا وفرنسا، هي الأولى له في فترة ولاية الرئيس عبد الفتاح السيسي الثانية، لبحث بعض الأوضاع الإقليمية، وفي مقدمتها إيجاد حلول للوضع في ليبيا الذي يتجه نحو التباعد، في ضوء استمرار العمليات العسكرية بقيادة حفتر لتأكيد سيطرته على منطقة الهلال النفطي. والتقى وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، مع السيسي في القاهرة، نهاية الأسبوع الماضي، لبحث التنسيق على المستوى الدبلوماسي بين البلدين حول الملف الليبي، في الوقت الذي قالت فيه الخارجية الفرنسية إن الزيارة تستهدف التشديد على أهمية الإسراع بتنفيذ البيان السياسي، الذي اعتمد إبان المؤتمر الدولي في باريس حول ليبيا.
وتعزز باريس من جهودها الدبلوماسية لخلق حل سياسي للحرب الليبية، غير أن القاهرة عبرت عن عدم ارتياحها، بذريعة أنها تشمل شخصيات ومجموعات إسلامية بعينها، في ظل دعم مصر لحفتر ميدانياً، وشن القوات الجوية المصرية غارات على مدينة درنة، وهي المدينة التي كانت الجماعات الإسلامية تتخذها قاعدة لها. وقال شكري، على هامش جلسة مشاورات ثنائية مع وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، أمس الأربعاء، إن المعيار الأساسي في الموقف المصري تجاه الأزمة الليبية "يظل المطالبة بالتنفيذ الكامل لكافة عناصر مبادرة المبعوث الأممي إلى ليبيا، غسان سلامة، التي تبنتها الأمم المتحدة في سبتمبر/ أيلول 2017".
توتر العلاقة
وتقدم القاهرة دعماً كبيراً لقوات حفتر عسكرياً، وتحديداً على مستوى الدعم الجوي للعمليات على الأرض، بحسب ما كشفته مصادر سابقة لـ"العربي الجديد"، قبيل انطلاق معركة السيطرة على درنة، غير أن العلاقة بين حفتر والقاهرة توترت بشكل ملحوظ، العام الماضي، إثر خروجه عن جوهر التفاهمات مع المسؤولين في مصر، فضلاً عن تجاوزات قواته حيال المدنيين ونبش القبور، ما جعل الأمر مثار استياء دولي كبير. والمخاوف الغربية من تحركات حفتر جاءت بعد قراره عدم تسليم المنشآت النفطية لمؤسسة النفط الوطنية، التابعة لحكومة الوفاق الليبية، برئاسة فائز السراج، وهي الجهة الوحيدة المعترف بها لإدارة المنشآت. وليست هذه المرة الأولى التي يثار فيها الحديث عن مخاوف من تقدم حفتر عسكرياً باتجاه مقر حكومة الوفاق في طرابلس. وتزايدت نبرة الحديث عن التقدم عسكرياً باتجاه طرابلس، من قبل حفتر، والتابعين له، تحت زعم تحريرها من المجموعات المسلحة، عقب السيطرة على مدينة بنغازي، وهو ما يتجدد خلال الأيام القليلة الماضية في وسائل إعلام ليبية.
أزمة النفط
واستضافت القاهرة، خلال اليومين الماضيين، اجتماعاً يتصل بمشاورات حل الأزمة الليبية، ضم ممثلين عن المجلس الأعلى الدولة، الذي يترأسه خالد المشري، والمجلس الرئاسي الذي يترأسه فائز السراج، بحضور رئيس مجلس النواب في طبرق، عقيلة صالح، من دون حضور حفتر. وفي وقت سابق، كشفت مصادر لـ"العربي الجديد"، عن وساطة مصرية لإنهاء أزمة تشغيل وإنتاج النفط، في ظل توقف النشاط بعد سيطرة قوات حفتر على المنشآت النفطية، خصوصاً عقب إصرار عدد من الشركات العالمية على رفض التعامل مع المؤسسة التابعة لحكومة عبد الله الثني، نظراً لمخالفة ذلك للقرار الأممي بتبعية المؤسسات النفطية لحكومة الوفاق. وحسب المصادر، فإن خطوة حفتر "لم تكن موفقة تماماً، خصوصاً أنها لم تأتِ ضمن تفاهمات بينه وبين شركائه في الشرق الليبي"، مشيرة إلى "وجود اعتراضات من جانب عقيلة صالح على تلك الخطوة، التي اعتبرها تصادماً مع القوى الدولية ليس له جدوى".