مفاوضات أفغانستان: الأثمان المتوقعة من الاستعجال الأميركي للانسحاب

30 يناير 2019
عجزت القوات الأميركية عن القضاء على "طالبان" (بولا برونستين/Getty)
+ الخط -
يطرح الحديث الأميركي عن تقدّم مهم في المحادثات مع حركة "طالبان"، بعد لقاءات على مدى ستة أيام في العاصمة القطرية الدوحة، تساؤلات كبيرة عن أسباب الاستعجال الأميركي للانسحاب من أفغانستان، بعد أكثر من 17 عاماً من الحرب المستمرة، وشكوكاً حول مستقبل البلاد والحكومة الأفغانية، المستبعدة من المباحثات القائمة، في ظل إصرار "طالبان" على رفض التفاوض معها. كذلك سيكون لأي اتفاق تداعيات على الحركة، خصوصاً لجهة علاقاتها مع روسيا وإيران، فيما ستكون باكستان الحاضر الأقوى على الساحة الأفغانية بعد الانسحاب الأميركي إذا تم.

وبعد إعلان المبعوث الأميركي الخاص إلى أفغانستان زلماي خليل زاد أن واشنطن و"طالبان" توصلتا لمسودة إطار عمل يجب إتمام العمل على تفاصيلها قبل أن تصبح اتفاقاً، تصاعدت التساؤلات عما إذا كانت الجهود الأميركية الحالية تدخل في سياق السعي لحل حقيقي في أفغانستان، أم أنها محاولة للخروج من المأزق، خصوصاً في ظل إطار استراتيجية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، المبنية على لمّ شمل قواته المسلحة، وإخراجها من جبهات القتال المتناثرة والحروب كما في أفغانستان. علاوة على محاولة لتطبيع علاقات واشنطن مع "طالبان"، بعدما عجزت القوات الأميركية والقوات الدولية عن القضاء على الحركة عسكرياً، مع أن تكلفة الحرب الأفغانية أصبحت باهظة.

وأكد خليل زاد في تصريحات أخيراً أن هناك تقدّماً كبيراً بشأن العديد من القضايا، وحصل توافق بين ممثلي "طالبان" والمسؤولين الأميركيين بشأن مادتين، لم يفصح عنهما، لكن بات معروفاً أنهما حول خروج القوات الأميركية والأجنبية من أفغانستان، وقطع "طالبان" علاقاتها مع كل التنظيمات المسلحة، لا سيما "داعش" و"القاعدة"، وعدم السماح باستخدام الأراضي الأفغانية ضد الولايات المتحدة وأي دولة أخرى.
وفي السياق نفسه، قال وزير الدفاع الأميركي الجديد باتريك شاناهان، إن "الاستنتاجات التي تم استخلاصها هي أنها (المحادثات مع طالبان) مشجعة". لكنه امتنع عن الرد على سؤال حول احتمال انسحاب نصف القوات الأميركية البالغ عديدها 14 ألف جندي في أفغانستان، وهو ما يريده ترامب، وفقاً لمسؤولين أميركيين. كلام شاناهان مساء الإثنين جاء قبل لقائه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، في واشنطن، فيما قال ستولتنبرغ إنه "من السابق لأوانه" الحديث عن انسحاب قوات الحلف الأطلسي من أفغانستان.

وفي السياق، علمت "العربي الجديد" من مصادر في الحكومة الأفغانية، أن واشنطن و"طالبان" وافقتا على تشكيل لجنتين للمضي قدماً في بحث ما توصلتا إليه من توافق في القضيتين، وهذا يشكل خيبة أمل للحكومة الأفغانية، إذ إن الرئيس الأفغاني أشرف غني أكد الإثنين، أن الشعب الأفغاني لا يرغب في بقاء القوات الأجنبية إلى الأبد ولكن يريد ذلك وفق آلية شاملة، وبالتدرج. وأضاف "علينا ألا ننسى أن ضحايا هذه الحرب هم أفغان، وعملية السلام يجب أن تكون بقيادة أفغانية. ليس هناك أي أفغاني يريد بقاء قوات أجنبية في بلده إلى ما لا نهاية".

وعلى الرغم من إصرار الجانب الأميركي على أن الحكومة الأفغانية على علم بما يجري بينه وبين "طالبان"، إلا أن مصادر رفيعة في الحكومة أكدت لـ"العربي الجديد" أن الأخيرة بقيت بعيدة عما يجري، معربة عن استغرابها الشديد حيال التقارب بين الولايات المتحدة و"طالبان"، وهو أمر مفاجئ للكثير من الأفغان.
لكن يبدو أن أميركا في عجلة من أمرها وأنها قررت الانسحاب فعلاً، وهو ما أوحت به تصريحات خليل زاد وكبار المسؤولين في البيت الأبيض. ويطرح هذا القرار أسئلة كثيرة، في ظل إصرار "طالبان" على عدم التفاوض مع الحكومة الأفغانية. إذ إن قيادياً في الحركة قال لـ"العربي الجديد" رافضاً ذكر اسمه، إن الجانب الحقيقي للمعضلة الأفغانية هو الولايات المتحدة و"طالبان" وليست الحكومة الأفغانية، واصفاً إياها بـ"العميلة، التي لا يمكن لها البقاء، بالتالي لا اعتراف بها ولا تفاوض، ما دامت الحركة وصلت إلى توافق مع أميركا".


ومع تشكيل لجنتين للعمل على ما اتفقت عليه أميركا و"طالبان"، لا سيما خروج القوات الأجنبية، وفي ظل رفض الحركة الحوار مع الحكومة الأفغانية، تبرز تساؤلات حول مستقبل الحكومة الأفغانية. وإذا كان صحيحاً أن الولايات المتحدة و"طالبان" توصلتا فعلاً إلى اتفاق، وأن القوات الأميركية ستخرج حتى إذا رفضت الحركة الحوار مع الحكومة، فهناك تساؤلات حول دوافع واشنطن لقبول ذلك، في حين يقول الرئيس الأفغاني إن ما قام به خليل زاد كان ضمن خطة لعملية السلام، وإن دور أميركا فيها فقط إتاحة الفرصة للحوار الأفغاني الشامل، معتبراً قضية خروج القوات الأجنبية شأناً يعني الحكومة الأفغانية والولايات المتحدة وليس "طالبان".

ويبدو أن سياسة ترامب بجمع قواته من مناطق الحرب المختلفة ساهمت في ذلك إلى حد كبير. كما يبدو أن باكستان أدت دوراً في ذلك بعدما كانت على أهبة الاستعداد الكامل لاستغلال هذه الفرصة. ولا شك أن "طالبان" استغلت أيضاً هذه الفرصة، إذ إنها بعد أن كانت لها اليد العليا في الحرب، سيمنحها قرار واشنطن بسحب قواتها من أفغانستان قوة إضافية في الساحة السياسية. وفي هذا السياق، قال رئيس الاستخبارات الأفغانية السابق، والذي شغل أيضاً منصب وزير الداخلية، أمر الله صالح، إن ما يجري حالياً بوساطة خليل زاد ليس للمصالحة الأفغانية الشاملة، بل محاولة لاستسلام الحكومة الأفغانية أمام "طالبان" والاستخبارات الباكستانية، مضيفاً أن ما قدّمته "طالبان" للجانب الأميركي هي مسودة كتبها بعض مسؤولي الاستخبارات الباكستانية في مدينة راولبندي، بالتالي ما يجري حالياً ليست مساعٍي للمصالحة، بل محاولة لاستسلام الحكومة الأفغانية أمام "طالبان" وباكستان، ومحاولة أميركية للخروج من حرب أفغانستان، داعياً جميع الأطراف الأفغانية إلى أخذ ما يجري في عين الاعتبار، حتى لا يتكرر في البلاد ما جرى في تسعينيات القرن الماضي.

ولا شك أن الاتفاق بين "طالبان" والولايات المتحدة، والذي يُشكّل محط قلق للأطراف الأفغانية وبعض دول الجوار، لا سيما إيران وروسيا، سيجعل أيضاً كلاً من "طالبان" وواشنطن أمام خيارات صعبة. ففي حال قررت الولايات المتحدة سحب قواتها، يصبح السؤال هل هي مستعدة للتضحية بالحكومة الأفغانية وجميع شركائها الأفغان؟ وهل بإمكان "طالبان" وباكستان أن تنوبا عنها في المنطقة، وفي القضاء على كل التنظيمات المحظورة، ومنها "القاعدة" و"داعش" وحركة "طالبان باكستان"، وحتى الأحزاب البلوشية التي تتخذ من المناطق الأفغانية مقراً لها وتنشط ضد الحكومة الباكستانية، كما ذكر بعض الناشطين، والقضاء عليها رغبة باكستانية، على حد قولهم.

كما أن هذا القرار يضع "طالبان" أمام خيارات صعبة، فإذا استطاعت إنهاء ما تصفه بـ"الاحتلال الأميركي"، هل ستكون قادرة على الحفاظ على وحدة صفها في حين أن بعض دول المنطقة غير راضية عن الاتفاق، خصوصاً أن في الحركة موالين لإيران وروسيا، وتحديداً في إقليمي نيمروز وفراه وفي غرب أفغانستان عموماً، وبالتالي قد يكون على "طالبان" أن تضحي بعلاقاتها مع روسيا وإيران في حال توصلت لاتفاق مع أميركا. وبرز أمس حراك سريع لموسكو، التي أرسلت مندوبها الخاص للشأن الأفغاني، زامير كابولوف، إلى العاصمة الباكستانية إسلام آباد لبحث ملف المصالحة الأفغانية، واجتمع أمس مع وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قرشي، وناقش معه قضية المصالحة الأفغانية، ودور باكستان فيها.

وفي هذا السياق، قال إعلامي في حركة "طالبان" لـ"العربي الجديد"، إن الحركة ليست لديها استراتيجية لمواجهة كل تلك التحديات، ولم تكن تتوقع موافقة الولايات المتحدة على الخروج من أفغانستان بهذه البساطة والسرعة، بالتالي لم تكن منتبهة إلى الارتدادات الكثيرة لذلك، وليست لديها استراتيجية واضحة حيال هذا التطور. وأكد الإعلامي، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن "طالبان" لا تعلم حتى الآن إذا كانت الولايات المتحدة ستسلمها الحكومة في أفغانستان بعد خروج قواتها، مضيفاً "لكن الأهم بالنسبة لها في الوقت الراهن هو خروج القوات الأميركية وإنهاء الاحتلال الأميركي". أما الحديث المباشر مع الحكومة الأفغانية، فأكد أن الحركة ستتفاوض معها إذا أصرت واشنطن على ذلك ولكن في نهاية المطاف وبعد أن تتأكد من خروج القوات الأميركية، عندها ستكون اليد العليا لـ"طالبان" لأنها تمكّنت من إخراج القوات الأميركية والأجنبية.