تجدّد الحديث عن مستقبل مخيم الركبان، الذي يؤوي أكثر من 46 ألف نازح سوري، وهو الواقع في الجنوب الشرقي من البادية السورية، على الحدود السورية الأردنية، والذي يكاد يكون من أسوأ المخيمات الخاصة بالنازحين والمهجرين السوريين، مع تداول أخبار عن مباحثات أميركية روسية حول نقل القاطنين فيه إلى مناطق النظام، خصوصاً أنه يقع ضمن منطقة الـ55 كيلومتراً التابعة لقاعدة التنف الأميركية، التي لم تكن بعيدة عن فكرة التفكيك والتسليم للروس.
وتناقلت وسائل الإعلام تصريحاً لممثل وزارة الخارجية الروسية، نيكولاي بورتسيف، لوكالة "تاس" الروسية، أول من أمس، بيّن فيه أن الجانب الأميركي اقترح على الروس تسوية مشكلة الركبان من خلال إجلاء اللاجئين إلى الأراضي التي تخضع لسيطرة النظام السوري، لكن لم تتم مناقشة العملية المحتملة حتى الآن. وأضاف "سنواصل العمل بشكل وثيق مع الولايات المتحدة لحل تلك القضية". واعتبر أن الجهود المبذولة لتسوية قضية معسكر الركبان تسير في اتجاهين، فيما تتواصل الاستعدادات لنقل مساعدات إنسانية من الأراضي الخاضعة لسيطرة النظام، الذي أبلغ السفارة الروسية في دمشق موافقته على إصدار إذن للقافلة.
وليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها الحديث عن تفكيك مخيم الركبان، الذي تحوّل القاطنون فيه، ومعظمهم من الأطفال والنساء، منذ أشهر، إلى ورقة ضغط تستخدمها مختلف أطراف الصراع، فتارة يقطع النظام الطريق إليه ويمنع وصول المساعدات، وتارة يغلق الأردن حدوده، في حين يغيب الأميركيون عن المشهد في المخيم بمختلف الأشكال، خصوصاً الملف الإنساني، الذي تتقاذفه مختلف الأطراف. ويزداد وضع المخيم سوءا يوماً بعد آخر، خصوصاً بعد أن أوقفت "اليونيسف" قبل أيام، دعمها للنقطة الطبية الوحيدة، التي كانت لديها إمكانيات بشرية ومعدات وأدوية لإجراء العمليات الجراحية، خصوصاً عمليات الولادة القيصرية، إذ إنه يمكن أن يموت أي شخص اليوم لعدم وجود إمكانية لعلاجه.
من جانبه، قال إعلامي "الإدارة المدنية" في مخيم الركبان، عمر الحمصي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "لا معلومات لدينا عن وجود بحث لتفكيك المخيم. كل ما في الأمر أن هناك اتفاقا بين لواء شهداء القريتين وقوات النظام، على نقلهم إلى الشمال السوري، يرافقهم عدد من المدنيين"، لافتاً إلى أن الأمر يعود "إلى التقاء رغبة لواء شهداء القريتين في الخروج من المنطقة، ومصلحة النظام في إفراغ منطقة سيطرة التحالف الدولي من المدنيين والعسكريين، ولكن هذا الاتفاق لم يتم حتى اليوم". وبيّن أن "الأوضاع المأساوية في المخيم قد تدفع أي شخص إلى التفكير في الخروج إلى منطقة تؤمّن له الأمان والغذاء والطبابة، خصوصاً أنه يوجد حالياً عشرات الأطفال المهددين بفقدان الحياة بسبب سوء التغذية". وأوضح الحمصي أن "موقف الأميركيين غير واضح حيال المخيم، إذ لم يصدر عنهم أي تصريحات أو مواقف حيال إخراج المدنيين من المخيم أو بقائهم، بالرغم من أنهم لو أرادوا يمكنهم، باتفاق مع الروس، إفراغ المخيم في يوم واحد". واستبعد كذلك وجود نية لدى الأميركيين للخروج من قاعدة التنف، متسائلاً "هل الراغب في المغادرة يقيم معسكرات تدريب ويستقبل دورات مقاتلين جدد لصالح جيش مغاوير الثورة المدعومين من قبلهم؟ إن ما يجري على الأرض ينافي ذلك". وتابع "أهل غالبية العناصر المقاتلة في المخيم، فهل يمكن أن يتم نقل العائلات وترك العناصر؟". بدوره، نفى قائد "جيش مغاوير الثورة"، العقيد مهند الطلاع، في حديث مع "العربي الجديد"، أن يكون هناك "أي تفكيك لمخيم الركبان أو قاعد التنف". ولفت إلى أنهم في المقابل لا يمنعون أي أحد يريد مغادرة المنطقة، فالأمر يعود لمن يريد الخروج.
وكان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قال، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع وزير خارجية النظام، وليد المعلم، في موسكو، نهاية الشهر الماضي، "في سياق اتصالاتنا الأخيرة مع الأميركيين، يبدو أن هناك تفاهماً حول ضرورة فتح مخيم الركبان في أقرب وقت ممكن، وبرعاية الأمم المتحدة، لسحب اللاجئين من هناك، حتى يتمكنوا من العودة إلى منازلهم". وتتهم روسيا أميركا بأنها تحمي المخيم الذي يؤوي مقاتلين من مختلف المناطق. وأعلن المركز الروسي للمصالحة، في بيان، في يونيو/حزيران الماضي، أن "مخيم الركبان السوري للاجئين، الواقع بالقرب من القاعدة العسكرية الأميركية في التنف، وبسبب عدم وجود إمكانية لوصول السلطات السورية إلى هناك، أصبح ملجأ للمسلحين من كل أنحاء سورية، بما في ذلك إرهابيو داعش، ومصدراً لتعبئة التشكيلات الإرهابية في الجزء المركزي من البلاد".
من جانبها، قالت مصادر معارضة من دمشق، طلبت عدم كشف هويتها، في حديث مع "العربي الجديد"، "لا نعتقد أن الأميركيين بوارد الانسحاب من سورية خلال المدى المنظور، خصوصاً من قاعدة التنف، التي تتمتع بموقع جغرافي وعسكري في غاية الأهمية، فالقاعدة تقع في نقطة التقاء الحدود السورية الأردنية العراقية، وتشرف على مساحات مهمة من طرق البادية، والأهم من كل ذلك أن هذه القاعدة تمثل القفل للبادية القادر على قطع الطرق الإيرانية القادمة من العراق". ورأت أن "الأميركيين لا يدخلون دولة للخروج منها بإرادتهم، وما إعلان الانسحابات المتتالية سوى عملية ابتزاز للمتخوفين من إيران أولاً. لقد ربطوا خروجهم سابقاً بقضايا بعيدة الحل كالقضاء على عناصر داعش، فيما يبدو أنه لا توجد إرادة حقيقية للقضاء عليهم، إضافة إلى النفوذ الإيراني الذي لن يتم إنهاؤه في سورية بالسهولة المتوقعة، وذلك مرتبط جذرياً بالحل السياسي ومسألة مصير النظام، الشريك الاستراتيجي لإيران". وأضافت "من يريد الخروج ويعتبر أن بقاءه مؤقت، لا يوسّع قواعده العسكرية، خصوصاً المطارات، ولا يزيد من عتاده وعديده. والسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا ستنسحب أميركا؟ إذا كان وجودها ممولاً بل ومربحاً عبر مواجهة إيران، وجنودها وقواعدها آمنة، فلا أحد يهاجمها ولا خسائر تتكبدها، بل هناك توافق على حمايتها". وأعربت المصادر عن اعتقادها أن "مطالبة النظام والروس للأميركيين بالانسحاب ما هو إلا خطاب إعلامي جماهيري وليس جدياً، إذ إن هذا الانسحاب سيحمّلهما أعباء كبيرة، إن كانت أمنية أو خدمية للمناطق وسكانها، وهذا يحتاج إلى إمكانيات كبيرة إن كان من حيث عدد القوات العسكرية المطلوب لتأمين مثل هذه المناطق، أو تمويل لإعادة الخدمات والحياة لها، وهذا غير متوفر حالياً بحسب ما شاهدناه في المنطقة الجنوبية التي سيطروا عليها أخيراً".