تتأزم العلاقة بين مجلس الأمة الكويتي والحكومة، على خلفية تقديم استجوابين منفصلين لرئيس مجلس الوزراء، الشيخ جابر المبارك الصباح، أخيراً، رداً على إفشال تمرير قانون الجنسية، ورفض قانون العفو العام في مجلس الأمة.
ورمت الحكومة بثقلها، الأسبوع الماضي، لإسقاط تعديل قانوني يبسط سلطة المحكمة الإدارية على قضايا سحب الجنسية. كما أسقطت قانون العفو العام عن المعارضين.
وتتصاعد الأزمة السياسية في البلاد، بعد أسابيع قليلة من تعهّد أطراف في المعارضة بتحصين موقف رئيس مجلس الوزراء، وإسقاط أي استجواب ضده، وإقرار عدد من قوانين التقشف الاقتصادية التي تريدها الحكومة، مقابل إعادة الحكومة الجنسيات للمواطنين التي سُحبت منهم على خلفية الاحتجاجات التي شهدتها البلاد، خلال السنوات القليلة الماضية. ويضاف إلى ذلك مطالبة المعارضة البرلمانية للحكومة برفع القيود الأمنية عن المعارضين، وإعادة المواطنين الكويتيين الذين تم إبعادهم خارج البلاد.
وكانت مجموعة من نواب المعارضة قد رفضت مبدأ تحصين رئيس مجلس الوزراء، وعدم استجوابه. كما كانت الحركة الدستورية الإسلامية (حدس)، الجناح السياسي للإخوان المسلمين في الكويت، قد توصلت إلى تسوية ما بين عضو الحركة جمعان الحربش، ورئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم، ورئيس مجلس الوزراء، تتضمن عدم التصعيد ضد الأخير، وتعديل المعارضة بنود تعديل قانون الجنسية، مقابل موافقة الحكومة على تمريره.
واقتصرت مطالبات نواب مجلس الأمة على إقرار تعديل قانون الجنسية يسمح ببسط سلطة المحكمة الإدارية على سحب الجنسيات، إذ تنظر المحكمة في صحة إسقاط وسحب الجنسيات من المواطنين.
لكن الحكومة قامت بالتصويت بشكل مفاجئ ضد القانون، ما أدى إلى تقديم ثلاثة نواب، هم وليد الطبطبائي ومحمد براك المطير ومرزوق الخليفة، لاستجواب سريع مكون من خمسة محاور، معلنين فيه أن "التهدئة مع الحكومة قد انتهت". واعتبر معارضون أن الحكومة "أخذت وقتها ولم تقم بما هو مطلوب منها".
ونص المحور الأول من الاستجواب، وهو المحور الأهم، بحسب ما يقول النواب، على محاسبة الحكومة، بما أسموه "العبث" بالجنسية الكويتية. كما تطرقت بقية المحاور إلى تفشّي الفساد في الحكومة، وتعطل المشاريع التنموية، وفشل برنامج العمل الحكومي، وزيادة أسعار الوقود والكهرباء.
وبعد أيام قليلة من تقديم الاستجواب الأول، قدم نائبان آخران، هما رياض العدساني وشعيب المويزري، استجواباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء يتكون من محور واحد يتعلق بالسياسة العامة للبلاد، والهدر المالي، وعدم الربط بين الوزارات، وعدم تنفيذ توجيهات الأجهزة الرقابية في الدولة، وعلى رأسها ديوان المحاسبة.
وقرر رئيس مجلس الأمة، مرزوق الغانم، وضع الاستجوابين على جدول الأعمال لمناقشة تحديد موعدهما في جلسة الخامس والعشرين من الشهر الحالي.
وقال النائب شعيب المويزري، وهو أحد مقدمي الاستجواب، في مؤتمر صحافي داخل مجلس الأمة، إن "صحيفة الاستجواب تتضمن السياسة العامة للدولة، وهي من اختصاص رئيس مجلس الوزراء". ولفت إلى أن "الاستجواب حق دستوري لكل نائب، وهو أمر طبيعي ولا يدعو إلى الانزعاج، لأن الاستجواب هو مجرد سؤال مغلظ، ونتمنى من الرئيس أن يصعد للمنصة، ويرد عليه بالتفنيد أو بالتبرير".
من جهته، اعتبر النائب وليد الطبطبائي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الاستجوابات "غير تأزيمية، ولا تستهدف تعطيل التنمية في البلاد، كما يزعم البعض، لأنه لا توجد تنمية أصلاً". وأضاف الطبطبائي "نرفض سعي الحكومة إلى تحويل الاستجواب إلى المحكمة الدستورية، أو اللجنة التشريعية، أو تأجيل الاستجواب، أو مناقشته في جلسة سرية، ويجب على الشعب الكويتي أن يعرف مدى التخبط في السياسات العامة للدولة". وأكد الطبطبائي رفضه "تحصين رئيس مجلس الوزراء، أو عقد هدنة معه".
وحاولت أطراف فاعلة في المعارضة وبعض العائلات التي سحبت جنسياتها، ثني النواب عن تقديم الاستجواب حتى حل أزمة سحب الجنسيات، وانتهاء أعمال اللجنة التي شكلها مجلس الوزراء لتنفيذ أمر أمير البلاد، الشيخ صباح الأحمد الصباح، بإعادة الجنسيات للمواطنين التي سُحبت منهم. إلا أن نواب في مجلس الأمة رفضوا ذلك رفضاً قاطعاً، مؤكدين أن الحكومة قد أخذت ما يكفي من وقتها لحل المشكلة ولم تقم بذلك. ومن المتوقع أن تنتهي اللجنة من أعمالها في شهر أغسطس/آب المقبل.
خيارات المعارضة
رحبت المعارضة بالاستجواب، وقالت إنها تؤيده من حيث المبدأ، وإنه يتحتم على رئيس الوزراء إذا كان جاداً في الإصلاح أن يصعد إلى المنصة، ويفند حجج المستجوبين، وحينها ستقوم بالتصويت بالرفض أو التأييد.
إلا أن احتمالات سعي المعارضة إلى التصعيد مع الحكومة مستبعدة. ووفقاً لمراقبين، فإن خيارات المعارضة أمام الحكومة محدودة، إذ إن أعضاء المعارضة لا يريدون إغضاب الحكومة، ما قد ينعكس سلباً على القضايا العالقة التي تمت حلحلتها أخيراً، مثل قضايا سحب الجنسية وإلغاء القيود الأمنية. ويمكن أن يرتد تصعيد المعارضة سلباً عليها، ويؤدي إلى خسارتها قواعدها الشعبية.
وتنحصر خيارات المعارضة في الامتناع عن التصويت حال صعود رئيس مجلس الوزراء لمنصة الاستجواب، أو الموافقة على تأجيل الاستجواب حتى الفصل التشريعي المقبل، وهما الخياران الأقرب والأكثر واقعية اليوم.
ومن المستبعد بالنسبة للمعارضة تأييد تحويل الاستجواب للمحكمة الدستورية أو أن تصوت لصالح شطبه، كما حدث في مجلس عام 2013، ما أدى إلى استقالة أحد مقدمي الاستجواب الحاليين، رياض العدساني، من المجلس. كما يستبعد أن تقوم المعارضة بتحويل الاستجواب للجنة التشريعية، أو تحويل الجلسة إلى جلسة سرية.
وقال نائب بارز في الأغلبية المعارضة، فضل عدم الكشف عن اسمه، لـ "العربي الجديد"، إن الأمور ضبابية بشكل كبير داخل مجلس الأمة، وإن التحالفات بين نواب البرلمان لا تستمر أكثر من 24 ساعة بسبب التدخلات الكبيرة في عمل البرلمان. وأضاف "هناك أطراف تحاول حل المجلس الحالي لأنها مستفيدة من هذا الحل، وهناك أطراف، ومن بينها رئيس المجلس الحالي مرزوق الغانم، تريد العمل بكل قوة على استمرار المجلس لأطول فترة ممكنة، والحصول على ثقة أمير البلاد في إنهاء الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد منذ سنوات، خصوصاً في ملف سحب الجنسيات".
وأكد النائب المعارض أن "الحكومة تحاول استخدام ملف سحب الجنسيات لتكسب المعارضة بجانبها، لكننا فوجئنا أن هناك بعض الأطراف التي كانت تطالب بإعادة الجنسيات في حملاتها الانتخابية تصعّد وتيرة التأزيم مع رئيس الوزراء، وتحاول إنهاء الهدنة وتسجيل مواقف بطولية صوتية غير عابئة بالعائلات التي سحبت منها جنسياتها".
رد الحكومة المتوقع
ولا تبدو الحكومة الكويتية قلقة من نتائج الاستجواب، كونها تملك أوراقاً عدة لتلعب بها، إلا أن المعارضة تتخوف من أن تدفع أطراف داخل الحكومة باتجاه التصعيد، وحل مجلس الأمة، لقطع الطريق أمام إعادة الجنسيات المسحوبة، والعفو العام، وإزالة القيود الأمنية ضد المعارضين وعائلاتهم. وتعتمد الحكومة على استراتيجية وأد الاستجوابات المقدمة لرئيس مجلس الوزراء في مهدها، وذلك رفضاً لصعود الرئيس إلى المنصة للحفاظ على "هيبة" منصب رئاسة الوزراء.
وتعمد الحكومة إلى خيارات عدة لتجنب صعود رئيس مجلس الوزراء إلى منصة الاستجوابات. أولها تحويل الاستجواب إلى المحكمة الدستورية لبحث مدى ارتباط رئيس مجلس الوزراء بالمحاور المقدمة، وهل محاور الاستجواب من اختصاصه أو من اختصاص وزراء آخرين.
أما الخيار الثاني، فهو التنسيق مع رئيس مجلس الأمة والنواب لشطب الاستجواب، وهو ما حدث عام 2013 للاستجواب المقدم من النائب رياض العدساني وعبدالكريم الكندري وحسين قويعان، لكن هذا الخيار قد يحرج النواب المعارضين وحلفاء الحكومة أمام قواعدهم الشعبية.
أما الخيار الثالث، فيتمثل في دمج وتأجيل الاستجوابات حتى الفصل التشريعي المقبل، وهو احتمال من المستبعد أن تخاطر الحكومة وتقوم به، لأن ورقة الضغط التي تستخدمها الحكومة ضد المعارضة (ورقة سحب الجنسيات) تكون قد أبطلت بانتهاء أعمال لجنة الجنسيات قبل بداية الفصل التشريعي المقبل.
بالنظر في تاريخ الاستجوابات المقدمة، خلال السنوات الأخيرة، لرئيس مجلس الوزراء، فإن الحكومة تتجه إلى إحالة الاستجواب للمحكمة الدستورية التي تقف أحكامها مع رئيس الوزراء على الأغلب، خصوصاً في الاستجواب الأول الذي لا يختص رئيس الوزراء بالكثير من محاوره وفق أحكام قضائية سابقة صدرت عن المحكمة في ما يتعلق باستجوابات قدمت في أوقات سابقة.