خرج الكنيست الإسرائيلي، أمس الأربعاء، إلى عطلته الصيفية التي تستمر حتى منتصف شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل. وقد صاحب ذلك نشاط محموم من ائتلاف بنيامين نتنياهو الحاكم لتمرير أكبر عدد من القوانين، خلال الأيام الثلاثة الأخيرة. وأبرزها قانون الميزانية لعامي 2017-2018، بما يضمن عدم إسقاط الحكومة على هذه الخلفية، وقانون إعفاء أبناء الحريديم من تعلم المواضيع العلمية واللغات، ناهيك عن تمرير قوانين عنصرية موجهة ضد العرب، مثل قانون "إبعاد وعزل نواب من الكنيست"، وقانون إهانة العلم، وقانون فرض عقوبة على من يعارض أو يعرقل تطوع عرب في الخدمة الوطنية. بالإضافة إلى ذلك، هناك جملة قوانين ضد منفذي العمليات الفدائية، تنص على تشديد العقوبة لمن يرشق الحجارة، وخفض سن المسؤولية الجنائية، وحرمان منفذي العمليات وورثتهم من حقوقهم الاجتماعية والتقاعدية. وهي كلها قوانين تشير إلى مدى توغل الحكم في إسرائيل نحو الفاشية، حتى باعتراف قيادات أمنية وعسكرية، آخرها تصريحات نائب رئيس أركان الجيش، يئير غولان، الذي شبه الأجواء السائدة بإسرائيل، عشية ذكرى الجنود الذين سقطوا في حروبها، بتلك التي سادت في أوروبا في ثلاثينيات القرن الماضي وتحديداً في ألمانيا النازية.
وعلى الرغم من أن انجراف دولة الاحتلال نحو التطرف اليميني، ليس جديداً، إلا أن النائب الفلسطيني الدكتور باسل غطاس، من حزب التجمع الوطني الديمقراطي، اختار في حوار خاص مع "العربي الجديد"، أن يستشهد بمسألة قانون الجمعيات لتوضيح حجم ومدى "الثقة بالنفس" التي يشعر بها نتنياهو اليوم. ويشير غطاس إلى أن اليمين في إسرائيل بات يشعر بأنه ليس في الحكم فحسب، بل يحكم البلاد كلياً ومن دون منازع، وهو الأمر الذي تجلى بوضوح خلال الدورة الصيفية للكنيست، التي بدأت في 27 مايو/أيار وانتهت أمس الأربعاء.
ويوضح غطاس أن نتنياهو ضرب بكل اتصالات القادة معه عرض الحائط، من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيس الوزراء البريطاني السابق، ديفيد كاميرون، وحتى الوزير كيري. فهو فضّل تنفيذ أجندته الداخلية على مغازلة الغرب وأوروبا والولايات المتحدة. ورفض حتى "اللياقة السياسية" التي كان يوفرها له رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إيهود باراك، ووزيرة الخارجية السابقة، تسيبي ليفني. هذا يعني، في نظر غطاس، أن الأمر يتعلق بالتالي بـ"لحظة قرار وحسم لدى الليكود وعند نتنياهو واليمين، بأنه آن الأوان لكي يحكم، وأن ينفذ أجندته اليمينية الصرفة، طبعاً في قضايا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وفي علاقاته مع الفلسطينيين والعالم العربي والعلاقات مع أوروبا، والأهم الاستمرار في توطيد حكم اليمين في إسرائيل لسنوات طويلة".
في هذا السياق، يشير غطاس إلى أن نتنياهو شخصياً هو من يقود حملة التحريض على النائبة الفلسطينية، حنين زعبي، إذ يشكل ذلك ورقة رابحة يستعملها ليظهر إعلامياً أنه من يدافع عن الكرامة القومية في وجه العرب أو ضد "هذه الشيطانة التي اسمها حنين زعبي".
الثقة بالنفس التي يشخصها غطاس لدى نتنياهو وحكومته، تنبع أيضاً من قراءته للتطورات والوضع الجيوسياسي في المنطقة، ومغازلة الدول العربية له. ومن الواضح أنه "بعلاقات مع عدد من الدول العربية المحورية في العالم العربي التي ترى في إسرائيل الآن حليفة لها ضد الحركات الإسلامية، وفي وجه ما يسميه بالإرهاب، لذلك هو أكثر ثقة بنفسه"، بحسب غطاس.
ورداً على سؤال حول معرفة ما الذي يريده نتنياهو من كل تحركاته الأخيرة، يجيب غطاس بوضوح وبدون تردد: "إن نتنياهو يريد الآن فقط إدارة الصراع ومواصلة هذه العملية بزخم، وقد نجح في ذلك، خلال السنوات الأخيرة". ويضيف أن المقصود بإدارة الصراع، يتمثل في أن غاية نتنياهو ليست "ضبط الأوضاع العسكرية والأمنية حسب هواه"، لأنه "يدرك أنه لا يستطيع ذلك"، لكنه يسعى إلى ضمان ما يسميه غطاس بالقدرة "على التحكم بلهيب الصراع، أي يسمح في هذا الإطار، بأن تكون هناك كل عامين حرب على غزة، مثلاً، أو الدخول في عملية عسكرية محدودة، أو في مواجهة أو توجيه ضربات مثلاً لحزب الله في سورية، وهو يرى أن إدارة الصراع تعطيه هامش مناورة لتحسين وضع إسرائيل الاستراتيجي، وليس المحافظة على الوضع القائم فقط".
في هذا الإطار، يرى غطاس أن "الظروف مؤاتية أكثر مما كانت عليه قبل تسع سنوات، لا سيما بعد موجة الانقلابات المضادة، في مصر، وما يحدث في سورية والعراق، وظهور تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وهو يرى أن العالم العربي لا يضغط عليه فعلاً باتجاه حل عادل للقضية الفلسطينية، بل كل ما يطلبه منه هو القيام بمبادرة ما". ويتابع أن "نتنياهو وكجزء من إدارة الصراع هو مستعد للدخول في مفاوضات وللعودة إلى طاولة المفاوضات، ولو حتى ضمن المبادرة الفرنسية إذا رأى أنها تندرج في مفهوم إدارة الصراع وليس حله". ويؤكد غطاس أنه يمكن لنتنياهو أن يفعل ذلك كونه يثق بقدرته على الالتفاف على هذه المبادرة، أو استجابةً مثلاً لمطالب عربية بإطالة أمد العملية السلمية.
وتعقيباً على سؤال حول تداعيات سياسة وأسلوب نتنياهو على الفلسطينيين في الداخل، يقر غطاس بتراجع وتدهور الأوضاع لجهة وجود إجماع كامل تقريباً في البرلمان الإسرائيلي على كل مخطط ومشروع ومقترح يضرب المجتمع الفلسطيني، ولا سيما مع تصعيد لهجة تصريحات ومخططات استفزازية موجهة للفلسطينيين في الداخل لتكريس مقولة أساسية: "نحن حكام هذه البلاد ونحن سادتها". وهذا يتجلى، بحسب غطاس، في كل ما يتعلق بمسألة التطهير العرقي الذي تحاول حكومة نتنياهو تنفيذه في النقب.
في المقابل، يؤكد غطاس أن هناك خط مواجهة كبيراً، لكن البعد الجغرافي من جهة، وعدم وجود حالة تعبئة فلسطينية لمناهضة هذه المشاريع، تجعل العمل البرلماني يتحمل أكثر مما يستطيع في هذه المواجهة مع حكومة نتنياهو. ويقول في هذا الشأن: "نحن نتحدث عن عودة إلى أيام النكبة وعقلية الصهيونية، ممارسات دولة تحمل عقلية اقتلاعية، لإحداث نكبة ثانية لأهالي النقب بعدما اقتُلعوا في النكبة الأولى ونُقلوا إلى مواقع أخرى داخل النقب".
كلام النائب غطاس يقود إلى طرح سؤال مشروع حول مدى قدرة القائمة المشتركة العربية على المناورة والتأثير في ظل القيود القائمة وتقليص هامش الديمقراطية. في هذا الإطار، يقر غطاس بأن القائمة كانت قد شكلت إنجازاً في ضمان بقاء التمثيل العربي بعد رفع نسبة الحسم، وفي كونها تحولت إلى عنوان واحد ومعلن لا يستهان به أمام الحكومة ووزاراتها، ولكن أيضاً أمام الهيئات الدولية، فهي أوجدت وزناً نوعياً. لكنه يشير إلى أن هذا الدور، على أهميته، لا ينفي حقيقة الفارق بين كون المعارضة العربية في الكنيست تختلف عن أحزاب المعارضة الإسرائيلية، بأنها لا تسعى مثلاً للوصول إلى الحكم، ومحكوم عليها بأن تبقى معارضة وطنية، تحاول أن تمنع ما يمكن من ظلم على الفلسطينيين في الداخل، وأن تشكل عنواناً لطرح قضاياهم.
ويشير غطاس إلى تجاوب منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية مع توجهات "القائمة المشتركة" في كل ما يتعلق بسياسات التمييز العنصري، ويرى، في هذا السياق، أنه لا يمكن محاسبة "القائمة المشتركة" على توقعات سادت بين الناس، مشيراً إلى أنها تحولت إلى مشروع مشترك جعل الفلسطينيين في الداخل يشعرون أنه بات لهم مشروع موحّد، لأنه لم يكن بمقدور أي من الأحزاب العربية أن يعلن منفرداً أنه يمثل عرب الداخل. ويتابع أنه بوجود "القائمة المشتركة"، بات يمكن القول إن "هناك جسماً برلمانياً يمثل مجمل الفلسطينيين في الداخل، أو على الأقل الذين شاركوا في الانتخابات منهم وصوتوا لها".
لكن لا يغيب عن بال النائب غطاس أن أكبر خطر يواجهه الفلسطينيون في الداخل اليوم، يتمثل بخطر "الأسرلة" الداخلية المستترة، التي يسميها هو بـ"الأسرلة الخبيثة التي تتسلل لشخصية الشاب الفلسطيني والمواطن الفلسطيني، من دون أن يخدم في الجيش الإسرائيلي أو أن ينضم لحزب إسرائيلي، كما حصل في مسار الأسرلة التي سادت بعد أوسلو في عهد إسحق رابين".
ويشرح ذلك قائلاً إن عقلية "الأسرلة" تعني إمكانية "الحصول على كل مكسب بأي وسيلة، والتركيز على الذات وتحقيقها بعيداً عن أي وازع وطني، وبالانفصال عن كل ما هو فلسطيني، أو جمعي عربي، بل بتبني نفسيات تعتبر سر النجاح في عقيدة انتهاز الفرص بالأسلوب الإسرائيلي، وهو نموذج قائم في السياسة الحزبية العربية اليوم، ونجد له امتداداً حتى داخل القائمة المشتركة، إذ إن هناك من يريد تبني هذا النموذج وهذه النفسيات"، حسب تعبيره.
ويعترف غطاس بأن هذا النوع من "الأسرلة" أشد خطراً من مسارات "الأسرلة" السابقة، لأن "القائمة المشتركة" في هذا السياق، "لا تعطي الحل الوطني، وتجعل الأمور رمادية، فهي ليست مشروع صدّ للأسرلة". لذلك، يختم حديثه بالقول إنه يتوجب على الأحزاب التي تملك مشروعاً قومياً، أن تحدد خطابها، في الفترة المقبلة، "في سياق الربط بين الحق المدني والحق القومي والحق الوطني، والتشديد على أننا أصحاب هذا الوطن".