لم يستمر وقْع معركة الموصل كما كان في بدايتها. فمع انتهاء الأسبوع الرابع للحملة، وبعد التقدّم السريع الذي أحرزته القوات العراقية والمليشيات المساندة لها، بدعم من "التحالف الدولي"، ضدّ تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، على مدى 27 يوماً من المعركة، يبدو الوضع الميداني اليوم أكثر صعوبة. ويواجه المهاجمون عثرات لا يمكن التقليل من شأنها، مما أدى إلى تأخر التقدم العسكري في أغلب محاور القتال. فضلاً عن ذلك، تعجز القوات المهاجمة عن تأمين أغلب المناطق التي أعلنت السيطرة عليها منذ الأسبوع الماضي، لا سيما في المحور الشرقي. وهو ما يعني أن وضع معركة الموصل يراوح مكانه.
ومع هذا التعثر غير المتوقع، يبدو أن معادلة معركة الموصل بدأت تتغيّر. فبعد إقدامه على انسحابات سريعة، استطاع تنظيم "داعش" أن يجرّد القوات المهاجمة من غطائها الجوي، الذي يوفره طيران التحالف الدولي. كما أجبرها على تحييد أسلحتها الثقلية عن المعركة، بسبب انتقال المعارك إلى مناطق سكنية تعيش فيها أعداد كبيرة من المدنيين. وهو الأمر الذي فرض معطيات عسكرية جديدة يجب على العملية العسكرية أن تأخذها بعين الاعتبار. ويرى مراقبون أن المعركة الحقيقية بدأت الآن، وأنّه خلال الأيام الماضية، لم تواجه القوات التي تشارك في معركة تحرير الموصل سوى عناصر إعاقة، وضعهم "داعش" لتأخير سير الهجوم لا لصدّه. وتنتظر هذه القوات صعوبات كبيرة خصوصاً إذا ما انتقلت إلى الضفة اليمنى من الموصل (غرب نهر دجلة). وبانتظار مفاجآت "داعش" قد تأخذ المعركة مدى أطول مما كان في الحسبان، الأمر الذي يستدعي إعادة النظر بخطط المعركة.
من جهته، رأى الخبير الأمني، باسل العامري، أن "القطعات العراقية وطيلة الفترة التي قضتها في محاور قتال الموصل، لم تواجه سوى مفارز وعناصر بسيطة من قبل تنظيم داعش، وأن المعركة ستكون صعبة للغاية كلما اقتربت القطعات من أسوار المدينة". وقال في حديثه لـ"العربي الجديد" إن "تنظيم داعش لم يترك قواته في العراء عند محاور القتال المكشوفة، فهو لا يضحي بها، ويعرف أن بانتظارها معارك كبيرة عند أسوار المدينة وداخلها، لذلك فقد ترك عناصر قليلة لإعاقة تقدّم القطعات وتأخيرها فقط، ليهيئ نفسه لحرب طويلة الأمد داخل المناطق السكنية". وأضاف أن "التنظيم استطاع جر القطعات إلى تلك المناطق خصوصاً في المحور الشرقي الذي دخلته قوات مكافحة الإرهاب، وفرض عليها قواعد اشتباك جديدة بعدما جردها من غطائها الجوي من قبل التحالف الدولي الذي تجنب قصف المناطق السكنية لعدم إيقاع خسائر في صفوف المدنيين، كما جردها من الأسلحة الثقيلة".
بدوره، أكد قائد عمليات نينوى، اللواء نجم الجبوري، أن "وجود المدنيين هو الأمر الذي تسبب بتباطؤ عمليات تحرير (الموصل)، وأن توجيهات رئيس الحكومة، حيدر العبادي، صارمة للقطعات العراقية بأن لا تطاول نيرانها أي مدني". وقال في تصريح صحافي إن "القوات العراقية تعمل جاهدة على الحفاظ على حياة المدنيين، الأمر الذي فرض علينا التعامل بدقة بحيث لا تؤثر نيران الأسلحة على المدنيين". وأشار المسؤول العسكري العراقي إلى أنه "لو كان داعش في أرض مفتوحة ولا يوجد فيها مدنيون لما استغرقت المعركة وقتاً طويلاً". وأكد أنه "لا يوجد عمل متكامل مائة بالمائة، لكن جميع القطعات تعمل على توفير مستلزمات نجاح المعركة وتحقيق النصر فيها".