وخلال زيارته إلى معهد الكيمياء والتكنولوجيا في مدينة تشيريبوفيتس، شمالي موسكو، الثلاثاء الماضي، رفض الرئيس الروسي مقترح إحدى المشاركات في اللقاء بشأن تمديد صلاحياته لست سنوات إضافية بعد الاستفتاء على التعديلات، مؤكداً أنه لم يقترح التعديلات من أجل تمديد بقائه في السلطة، ومشدداً على ضرورة تعددية الانتخابات.
وتقتضي التعديلات الدستورية المقترحة تثبيت صفة مجلس الدولة المُكون من حكام الأقاليم على مستوى الدستور، ما عزز من التكهنات بأن بوتين قد يترأسه للاستمرار في التمتع بنفوذه حتى بعد مغادرة الكرملين، على غرار تجربة رئيس جمهورية كازاخستان المستقيل، نور سلطان نزارباييف، الذي لا يزال من الشخصيات المؤثرة في الحياة السياسية لبلاده بصفته "الرئيس الأول" و"زعيم الأمة".
ومع ذلك، يستبعد رئيس مركز الدراسات السياسية في موسكو، بوريس ماكارينكو، احتمال تكرار السيناريو الكازاخي في روسيا، مرجحاً أن يظل بوتين يتمتع بالنفوذ بعد انتهاء ولايته، لكنه لن يكون صاحب سلطات مطلقة.
ويرى ماكارينكو، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "بات بديهياً أن بوتين لن يترشح لولاية رئاسية خامسة، ولكنه قد ينتقل إلى رئاسة مجلس الدولة، ليصبح شخصية مرموقة في الدولة تتمتع قدر عال من النفوذ، ولكن من دون سلطة كاملة".
ويستبعد الباحث الروسي تبلور أي أسماء محتملة لخلافة بوتين في الرئاسة في الوقت الحالي، لافتاً إلى أن "الصورة لم تتضح بعد، حتى في ما يتعلق بالانتخابات التشريعية في العام 2021، فما بال العام 2024".
وحول الأسباب التي تحول دون تكرار سيناريو كازاخستان في روسيا، يعتبر ماكارينكو أن "بوتين رجل دولة، ويدرك أنه في حال قيام مؤسسة رئاسة قوية، فلا يجوز إضعافها. أما استمرار نزارباييف في التمتع بصلاحيات واسعة، فيعود إلى حفاظه على منصب رئيس مجلس الأمن، كما أن العديد من الجمهوريات السوفييتية السابقة تتعامل مع الرئيس الأول للبلاد بعد تفكك الاتحاد السوفييتي على أنه مؤسس الدولة، وهو ما لا ينطبق على بوتين في الحالة الروسية".
من جهتها، اعتبرت صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا"، في عددها الصادر أمس الأربعاء، أن بوتين قرر بتصريحاته التدخل في العملية الدستورية، محدداً للمرة الأولى، وبشكل رسمي، المهلة لتمريرها والبالغة نحو ثلاثة أشهر، أي حتى مايو/ أيار المقبل، ومجدداً للمرة الثانية في غضون أسابيع معدودة تأكيده على عدم نيته تمديد بقائه في السلطة. ومع ذلك، اعتبرت الصحيفة أن تصريحات بوتين الأخيرة لم توضح الوضع، بل زادته إرباكاً، بعدما أقر في الواقع بأنه يتم طرح "الدستور البوتيني" للتصويت، ليصبح استفتاء على الثقة في الرئيس نفسه. وبرأيها، فإن ذلك قد يكون هو الذي دفع ببوتين إلى إعادة تأكيد عدم نيته البقاء في الرئاسة، وذلك لإبعاد شبهات "العملية الخاصة" عن التعديلات الدستورية.
ولفتت "نيزافيسيمايا غازيتا" إلى أن بوتين ركّز في حديثه حول ضرورة التعديلات الدستورية على الجزء الأكثر ضبابية منها، أي منظومة موحدة ما للسلطة العامة وتعزيز السلطات المحلية في الأقاليم.
وكان بوتين قد أعلن في رسالته السنوية إلى الجمعية الفدرالية الروسية، في 15 يناير/ كانون الثاني الماضي، عن حزمة من التعديلات الدستورية، من شأنها تعزيز صلاحيات مجلس الدوما (النواب) وتحديد الحد الأقصى للولايات الرئاسية وتثبيت دور مجلس الدولة على مستوى الدستور. تلا ذلك تقدم حكومة دميتري مدفيديف باستقالتها، وتكليف ميخائيل ميشوستين، الذي كان يشغل في ذلك الوقت منصب رئيس الهيئة الفدرالية الروسية للضرائب، برئاسة حكومة جديدة.
وفي 23 يناير/ كانون الثاني الماضي، صادق الدوما الروسي على التعديلات الدستورية في القراءة الأولى، على أن تجري القراءة الثانية في فبراير/ شباط الحالي. وبحسب أرقام مشروع "صندوق الرأي العام" الروسي، فإن نسبة ثقة الروس في بوتين ارتفعت من 56 إلى 58 في المائة على خلفية رسالته إلى البرلمان وإقالة حكومة مدفيديف التي باتت ترتبط في أذهان الروس بتراجع الأوضاع الاقتصادية وإصلاح رفع سن التقاعد.