تساؤلات عدة تطرح حول توقيت استقالة فتحي المجبري من عضوية المجلس الرئاسي لـ"حكومة الوفاق" الليبية، والمغزى منها، هو المعروف بتقلبات ولاءاته، وآخرها انحيازه للواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي وصف المؤيدون له الاستقالة بـ"الانسحاب من سفينة غارقة". كما يرتبط توقيت إعلان الاستقالة، بحراكٍ سياسي يجري في طرابلس، التي اتهم المجبري "مليشياتها" بشلّ الحياة السياسية فيها، والتأثير المطلق على قرارات رئيس حكومة الوفاق، فايز السراج.
وشنّ عضو المجلس الرئاسي في حكومة الوفاق الليبية، فتحي المجبري، أمس الأربعاء، هجوماً قوياً على هذه الحكومة ورئيسها وأعضائها، منتقداً الأوضاع في طرابلس، بعد إعلان انسحابه من عضوية المجلس.
وروى المجبري، خلال ندوة صحافية جمعته بنائب المجلس "المقاطع" علي القطراني وعدد من نواب إقليم برقة في مجلس النواب، أن بيته تعرض للهجوم بغية اختطافه على يد قوة مسلحة مؤلفة من 50 شخصاً، بعدما كلف بملف الإصلاحات الاقتصادية بالبلاد من قبل المجلس الرئاسي.
واتهم المجبري المهاجمين بالتربح من الاعتمادات المصرفية التي يتحصلون عليها من خلال التجاوز على حق حكومة الوفاق، كما اتهم رئيس المجلس فايز السراج، بالخضوع لسلطة المليشيات التي تسيطر على طرابلس، معتبراً أن العاصمة الليبية باتت غير صالحة لممارسة الحياة السياسية.
وقال المجبري إن "مليشيات محددة ومعدودة هي من باتت تسيطر على المشهد الأمني والعسكري والاقتصادي في طرابلس، وقد قضت هذه المجموعات على أي أمل بحماية حكومة الوفاق"، لافتاً إلى أنه "في ليلة واحدة، تم تجريد الحرس الرئاسي من سلاحه، حتى حراسات منزل السرّاج نفسه".
وجاءت استقالة المجبري، بعد أكثر من ثلاثة أسابيع على محاولة اقتحام منزله واختطافه في طرابلس، وفي ظلّ حصول دينامية معينة في المشهد السياسي الليبي، تمثلت بنشاط لافت لأطراف دولية قوية تحت مظلّة الأمم المتحدة، والتحرك من أجل تثبيت ضرورة إجراء الانتخابات وتحديد موعدها.
ويعتبر الصحافي الليبي، الجيلاني أزهيمة، أن "قرار المجبري الصادر تحديداً من بنغازي، إنما يحمل دلالة ورسالة، فهو يؤشر على استمرار عرقلة الموالين لـ(اللواء المتقاعد خليفة) حفتر في الشرق، لأي تقارب قد يؤدي إلى إنهاء الأزمة، بعيداً عن سلاح قواته ومعسكراته، حتى من خلال انتخابات"، لافتاً الى أن المجبري أراد أيضاً إيصال رسالة إلى العالم، تظهر ضعف وهشاشة "حكومة الوفاق"، لاسيما أنه عضو فيها، وأن المناخ غير ملائم لاجراء انتخابات.
وتابع أزهيمة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن المجبري "يشتهر بتقلبات ولاءاته، فالمعروف هو أن وجوده في المجلس الرئاسي أساساً كان كممثل عن إبراهيم الجضران الذي كان يسيطر على منشآت النفط، وهو من جلب المهدي البرغثي، خصم حفتر العسكري في بنغازي، لشغل منصب وزير الدفاع في حكومة الوفاق، وها هو اليوم يعود إلى أحضان حفتر".
ووصف الصحافي الليبي توقيت استقالة المجبري بـ"المريب جداً"، والذي "ربما يشير إلى ارتفاع أصوات الانفصاليين مجدداً، أو على الأقل عودة المطلب الفدرالي إلى الواجهة، كون المجبري عضوا مؤسسسا للتيار الفدرالي"، مشيراً إلى أن تصاعد هذا الصوت مجدداً، ربما لمسعى إلى فرض خيار الفدرالية، كشكلٍ من أشكال الحكم، قبل الذهاب الى الانتخابات.
وعن محاولة اعتقال المجبري في طرابلس، قال أزهيمة إن الأخير "يتولى لجنة الإصلاحات الاقتصادية منذ أكثر من عام، وتقرير ديوان المحاسبة اتهمه صراحة بالفساد المالي، مع وزير المالية، لذا فإن السبب الحقيقي للغضب منه، ومحاولة اعتقاله، كان تأييده لقرار حفتر بنقل تبعية منشآت النفط إلى مؤسسة بنغازي".
في المقابل، رأى عماد بوسيف، الناشط السياسي من مدينة البيضاء شرق البلاد، أن قرار المجبري "صائب، وإن جاء متأخراً"، معرباً في حديث لـ"العربي الجديد"، عن اعتقاده بأن "هناك جهوداً لتشكيل حكومة جديدة، قد تكون بعض الوجوه مستمرة في التواجد فيها، كفايز السرّاج، لذا فإن فضحه مهم في هذا التوقيت".
ورأى بوسيف أن "تتابع انسحابات أعضاء المجلس الرئاسي تسقطه قانونياً من الداخل، وتلغي أي دور سياسي له، وتكشف أن تأييد دول بعينها له إذا استمر، يعني أن المجلس يرعى مصالح هذه الدول، ولم يأت للوفاق".
وأكد الناشط السياسي من البيضاء أن خطوة المجبري تأخرت كثيراً، "إذ كان يجب أن تأتي في وقت أبكر، لكشف مخطط دول تسعى للتواجد في البلاد من خلال الاتفاق السياسي وما انبثق عنه من أجسام سياسية"، لافتاً إلى أن انسحابات أخرى ستشهدها "حكومة الوفاق"، على رأسها يبرز اسم وزير المالية المنحدر من الشرق، والمقرب من المجبري.
من هو المجبري؟
وشغل فتحي المجبري (48 عاماً)، والمتحدر من منطقة جالو شرق البلاد، عدداً من المناصب الأكاديمية في بنغازي خلال عقد ما قبل "ثورة فبراير"، قبل أن يحصل على دكتوراه في الاقتصاد عام 2010 من جامعة غلاسكو في إسكتلندا، لينخرط مجدداً في سلك التدريس في قسم الاقتصاد في جامعة بنغازي، ويعين مديراً لمركز البحوث والاستشارات.
وبرز المجبري في العام 2013، كأحد أبرز مؤيدي إبراهيم الجضران، قائد حرس المنشآت النفطية آنذاك، حين ظهر إلى جانبه في الوقت الذي تزامن مع إغلاق الأخير موانئ النفط أمام حركة التصدير.
وفي سبتمبر/أيلول من العام ذاته، كان المجبري من بين عدد من قادة التيار الفدرالي الذين أعلنوا عن تأسيس مكتب تنفيذي ومكتب سياسي بقيادة الجضران، يطالب بالحكم الذاتي لبرقة، قبل أن يعلن ذلك التيار في شهر أكتوبر/تشرين الأول الذي تلاه، تشكيل حكومة من 24 وزيراً، ومؤسسة نفط لتصدير النفط.
وإثر تدشين البعثة الأممية لعملية الحوار السياسي بين الأطراف الليبية، والتي انتهت بتوقيع "اتفاق الصخيرات عام 2015، برز المجبري في تلك الحوارات كممثل لطيف سياسي فدرالي.
وحين تشكّل المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق مطلع 2016، كان المجبري يشغل منصب وزير للتعليم في حكومة مجلس النواب، برئاسة عبد الله الثني، والتي اتخذت من البيضاء مقراً لها، فصدر قرار مفاجئ من الثني بإقالة المجبري من منصبه، ليظهر الأخير بشكل مفاجئ أيضاً ضمن أعضاء المجلس الرئاسي الجديد، ممثلاً للجضران، الذي كان يتحكم في موارد النفط.
وعرف عن المجبري طيلة عامي 2016 و2017، أنه من الشخصيات التي تتحفظ على مواقف ومساعي حفتر العسكرية، فقد ساعد المنشقين عنه في الوصول إلى مناصب عليا، من بينهم المهدي البرغث، وفرج أقعيم، حين عين وكيلاً لوزارة داخلية حكومة الوفاق.
ويعتبر إعلانه عن تأييد قرار حفتر بنقل تبعية موانئ وحقول النفط إلى مؤسسة نفط موازية في بنغازي نهاية شهر يونيو/حزيران الماضي، من أوائل مواقفه المنحازة للواء المتقاعد.