أعرب المسؤولون الإيرانيون عن رفضهم القاطع لما اعتبروه "تقسيماً للعراق بما يخدم الأعداء"، غداة دعوة رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود بارزاني، أوائل الشهر الجاري إلى تحديد موعد للاستفتاء خلال الأشهر المقبلة على استقلال الإقليم.
وجاء تصريح بارزاني في الذكرى 66 لإعلان قيام جمهورية مهاباد، والتي تأسست شمال غربي إيران في المناطق التي يقطنها الأكراد هناك، بقيادة رجل الدين الكردي القاضي محمد، ومصطفى البرزاني وبدعم سوفييتي صريح ومباشر آنذاك، إلا أن إيران استطاعت إسقاطها قبل أن ترى النور فعلياً، وخلال 11 شهراً فقط كانت إيران والولايات المتحدة الأميركية قد شكلتا تحالف مصلحة مشتركة أسقط مشروع الدولة الحلم.
وتعود قصة كهذه إلى الأذهان مع تسارع مجريات الأحداث في العراق وانتعاش الأكراد هناك وهم الذين حمّلوا بدورهم مسؤولية التوتر وتقدم قوات الدولة الإسلامية (داعش)، إلى السياسات الفاشلة، لرئيس الحكومة العراقية المنتهية ولايته، نوري المالكي.
وتبدو السيناريوهات المطروحة لانفصال الأكراد عن العراق مقلقة للطرفين الإيراني والتركي على حد سواء، فأمام بارزاني ثلاثة خيارات، أولاً، إبقاء الوضع على حاله مع فتح باب أزمة بين الإقليم والحكومة المركزية حول كركوك والمناطق التي سيطر عليها الأكراد.
ثانياً، يتلخص بتحويل كردستان العراق إلى فيدرالية، وهذا هو الخيار الأسلم بالنسبة للبارزاني وللإقليم خلال هذه المرحلة، فعلى الرغم من أن هذا الخيار لن ينهي التوتر بين الإقليم وبغداد، لكن على الأقل لن يكون له تبعات إقليمية، لأن خياراً كهذا لن يتعارض مع إيران أو تركيا القطبين اللذين سيقفان بوجه الاستقلال.
أما الخيار الأخير، المتمثل بالتوجه نحو الاستقلال فسيكون له تبعات هجومية شرسة قد تتبناها تركيا علناً، وستقف من خلفها إيران، لكن طهران سيكون أمامها بعض المحددات التي ستقيد حركتها نوعا ماً.
وجاء الترحيب الإسرائيلي بتصريحات بارزاني، على لسان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، الذي أيد التطلعات الكردية من أجل الاستقلال، ليعزز الموقف الإيراني الرافض لانفصال الأكراد عن العراق.
فقد قال مساعد وزير الخارجية الإيراني، أمير عبد اللهيان، إن "الرغبة الكردية تعبر عن مشروع صهيوني يريد تقسيم منطقة غرب آسيا"، داعياً زعماء كردستان العراق إلى ضبط النفس، مشيراً إلى أن "إيران لن تسمح بتمرير مشروع كهذا".
وتبدو طهران على أهبة الاستعداد لبناء سلسلة تحالفات إقليمية للوقوف في وجه مشروع الأكرد بالانفصال، إذ تدرك إيران بأن الدعم الأميركي والإسرائيلي لخطوة كهذه، يعود بشكل جوهري إلى أنه سيشكل مانعاً يحاول الحد من القدرة الإيرانية في المنطقة.
لكن طهران تدرك أيضاً أن أي تدخل علني ضد الأكراد سيحسب على أنه تدخل ضد السنة لمصلحة شيعة العراق، فالدعوة للاستقلال في ظروف التأزم التي يعيشها العراق وسورية، ستجعل الأطراف المعارضة للانفصال تحسب حسابات كثيرة قبل القيام بأي خطوة.
وانطلاقاً من ذلك، يبدو الإيرانيون في حالة لا يحسدون عليها، وهو ما تعكسه حالة القلق الإيراني الكبير والذي تلخصت أسبابه بعاملين أساسيين:
أولا: إن هذا الإقليم متموضع جغرافياً بالقرب من أكراد إيران الذين يتركزون في مناطق غرب البلاد، وصحيح أن إيران تعترف بولاية أو محافظة للأكراد، وتسميها كردستان إيران كما كردستان العراق، ولكنها غير منفصلة عنها وتشكل جزءاً من الوحدة المركزية للجمهورية الإسلامية.
وفي حال استقلال إقليم كردستان العراق، المحاذي للمناطق الكردية غربي إيران، فقد يشكل هذا قلقاً من حركات شبيهة داخل إيران أو حتى تحركات من الإقليم العراقي، داخل الأراضي الإيرانية لتلبية الطموحات الكردية بتحقيق حلم الدولة الكردية.
ثانيا: الدولة الكردية الكبرى أو كردستان التي يتحدث عنها الأكراد المتواجدون في العراق وإيران وتركيا وسورية، تمتد حدودها بين هذه الدول لتصبح مساحتها تضاهي مساحة العراق الحديث حالياً.
ومن هنا يبدو التحالف الإيراني ـ التركي لمواجهة الحلم الكردي أمراً متوقعاً، ولكن الموقف التركي يبقى الأقوى، إذ من المتوقع أن تكون أنقرة في الواجهة ومن خلفها إيران التي لا تريد أن تجر نفسها إلى ساحة العراق.
ويتمحور الدور الإيراني في المرحلة المقبلة، بتأييد الموقف التركي الذي سيعمل جاهداً وبشراسة على إحباط الاستقلال، وربما تتطور الأمور باتجاه استمرار المواجهة العسكرية بين الحرس الثوري وقوات من الشرطة الإيرانية مع فصائل كردية مسلحة غربي أراضيها وهو ما يحدث بين الفينة والأخرى ما يؤدي لقتل أفراد من الطرفين.
وقد يصل الأمر إلى قصف مواقع لحزب العمال الكردستاني داخل الإقليم، لكن طهران لن تقدم على مثل هذه الخطوة إلا في حال تطورت الأحداث بشكل دراماتيكي، إذ ستنتظر طهران لترى هجوماً تركياً على الإقليم قبيل البدء بمثل تلك الخطوة من جانبها.
وتكمن المفارقة بأن إيران تحاول جاهدة الاحتفاظ بعلاقات جيدة مع الإقليم الكردستاني، فالعلاقات الاقتصادية والتجارية والزيارات المتبادلة كلها قائمة ومستمرة، لذا سيكون الخيار الأفضل بالنسبة لطهران التصويت على أن يصبح الحكم فيدرالياً، لأن طهران بغنى عن التورط في ملف إقليمي جديد إن لم تكن مضطرة لهذا، ولكن إن اضطرت قد تقرر تجاوز المحددات والانضمام إلى المواجهة العلنية.