بينما تستبعد طهران "نهائياً" أن تقدم واشنطن على الحرب معها، وتصرّ على لاءاتها الثلاث "لا للحرب ولا للتفاوض ولا للوساطات"، أقلّه حتى هذه اللحظة، إلا أنها تكرر دوماً الحديث عن استعدادها لأي مواجهة، وأنها تمتلك أوراق قوة تردع الجانب الأميركي من القيام بها، الأمر الذي يوحي بوجود قلق إيراني من وجهة التوتر الحالي و"الأهداف الأميركية الحقيقية".
في هذا السياق، قال المستشار العسكري الأعلى للمرشد الإيراني، يحيى صفوي، اليوم الأحد، في سياق حديثه عن عدم إمكانية نشوب حرب مع بلاده، إن جميع القوات العسكرية الأميركية في المنطقة، التي يبلغ عددها، بحسب قوله، 20 ألف جندي في 25 موقعاً عسكرياً، في مرمى الصواريخ الإيرانية، "وهو يمنع الأميركيين من إشعال الحرب".
ونقلت وكالة "فارس" الإيرانية للأنباء عن صفوي قوله إن "جميع السفن الحربية الأميركية والأجنبية في مرمى صواريخ ساحل ـ بحر للقوات البحرية للحرس الثوري، التي يبلغ مداها 300 كيلومتر من سواحل إيران إلى محل استقرار هذه القطعات".
إلا أنه أكد أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب "يختصر الأمن في الاقتصاد، ولن يدخل حرباً لا تنفعه اقتصادياً"، موضحاً أن "أي حرب مع إيران ستكلف أميركا اقتصادياً بشكل كبير، فضلاً عن الهزيمة التي ستلحق بها".
وتابع صفوي أن "الرصاصة الأولى التي تطلق في الخليج ترفع سعر النفط إلى أكثر من 100 دولار، وهذا السعر لن تتحمله أوروبا وأميركا وحلفاؤها، مثل اليابان وكوريا الجنوبية"، قائلاً إن واشنطن "بدأت بالتراجع منذ أسبوعين، إلا أننا كعسكريين دائماً نضع في الحسبان أسوأ السيناريوهات، ولكي لا تقع حرب علينا أن نكون على أهبة الاستعداد".
وأشار إلى أن بلاده اليوم تواجه "حرباً اقتصادية ونفسية"، مشدداً على أن "الانسحاب من الاتفاق النووي والعقوبات النفطية هي بحد ذاتها حرب، ونأمل أن ننتصر فيها من خلال اتباع استراتيجية المقاومة والاقتصاد المقاوم والحرب الناعمة والانسجام الداخلي".
واستطرد قائلاً إن "قوة أميركا والكيان الصهيوني ودول عربية في طريقها نحو الزوال"، داعياً حلفاء واشنطن في المنطقة إلى عدم الاعتماد عليها، بقوله إن "الولايات المتحدة ليست وفية لحلفائها، وتتخلى عنهم كما تخلت عن الشاه (الإيراني) وزين العابدين بن علي وحسني مبارك ومعمر القذافي".
في السياق، قال صفوي إن استراتيجية بلاده تجاه جيرانها تعتمد على "عدم الاعتداء، وإيران مستعدة للتوقيع على اتفاقية بهذا الشأن مع الدول الجارة، وهو ما طرحه أخيراً وزير الخارجية (محمد جواد ظريف) أيضاً".
واقترح المسؤول العسكري على السلطات الإيرانية "توقيع عدم الاعتداء مع بعض الدول وتشكيل تحالف مع الدول الأخرى".
لا حل من دون إيران
في موازاة ذلك، أعلن رئيس الهيئة العامة للأركان الإيرانية، اللواء محمد باقري، اليوم الأحد، أن "اتساع العمق الاستراتيجي والقوة الإقليمية لإيران قد أفرز ظروفاً جديدة تجعل من المستحيل حل أي قضية في غرب آسيا من دون مشاركة إيران".
وقلّل باقري، وفقاً لما أوردته وكالة "تسنيم" الإيرانية، من قوة من وصفهم بـ"أعداء إيران اللدودين"، قائلاً "إنهم بحاجة لتشكيل تحالف كبير من عشرات الدول المعادية أو المرعوبة لمواجهة الجمهورية الإسلامية سياسياً وأمنياً، لكنهم وإن شكلوا هذا التحالف فنهايتهم الهزيمة والهوان".
وأكد المسؤول الإيراني أن بلاده "لن تتخلى عن قدراتها الدفاعية، وستحول تهديدات العدو إلى فرص ذهبية، وستوسع اقتدارها الدفاعي والصاروخي".
ترامب يريد تحقير إيران
من جهته، اتهم رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، حشمت الله فلاحت بيشه، اليوم الأحد، الرئيس الأميركي وفريق عمله بـ"السعي لتحقير الشعب الإيراني"، قائلاً إن "العلاقات الإيرانية الأميركية لا تقبل الوساطات، والظروف الحالية ليست مناسبة للتفاوض".
وفي السياق ذاته، قال وزير الخارجية الإيراني، الخميس الماضي، في مقابلة مع قناة "العالم" الإيرانية، إنه "لا حاجة للوساطة مع الولايات المتحدة التي بدأت حرباً اقتصادية على الشعب الإيراني.. عليها أن تغير سياساتها، أي سياسة الغطرسة والإملاءات والإرهاب الاقتصادي، وحينما تفعل ذلك فالأجواء ستتغير تماماً".
وقال فلاحت بيشه، في تصريحات لوكالة "إيسنا" الطلابية الإيرانية، إن رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي نصح وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، خلال زيارته الأخيرة إلى بغداد، بـ"عدم توجيه الأوضاع نحو الحرب".
وأضاف أن عبد المهدي أكد لضيفه الأميركي أن "الإيرانيين مستعدون تماما للدفاع عن أنفسهم، وإذا وصلت الأوضاع إلى هذه المرحلة فلن تنتصر واشنطن".
وأوضح المشرّع الإيراني أن إيران "تأقلمت مع الظروف الجديدة وحققت مكتسبات"، قائلاً إن "الدليل على ذلك هي مضاعفة الصادرات غير النفطية وازدهار الإنتاج بالرغم من اختلالات وضعف".
وأشار إلى زيارات وفود أجنبية إلى إيران، قائلاً إنها "تهدف إلى الوساطة بين إيران وأميركا، لأنهم قلقون على المنطقة وبلدانهم".
إلا أن فلاحت بيشه أكد أن "العلاقات بين إيران وأميركا لا تقبل الوساطات، فالمواضيع شفافة والتفاوض ليس "تابو"، لكن الظروف ليست ملائمة للمفاوضات"، مضيفاً أن واشنطن "خلقت ظروفاً غير واقعية، وطهران لا تكشف عن قرارها الحقيقي في هذه الظروف".
وأوضح أنه "في حال تركت الإدارة الأميركية هذه الظروف النفسية ودخلت في فضاء حقيقي، حينئذ تتخذ إيران قرارات أخرى".