وبرغم أن الامتحانات الجدية لم تطرح بعد؛ بالشكل الذي عرفه حزب النداء، مثل تجربة الحكم والصراع على المناصب والمكاسب؛ فإن (مشروع تونس) شهد في الأيام الأخيرة أزمة كبيرة، لا تختلف عما يشهده الحزب الأصلي بالتوازي، من استقالات وتجميد عضويات ونوايا تأسيس حزب جديد.
وبرغم أن الموضوع، ظاهريّاً، هو مجرد اختلاف حول تسمية الكتلة النيابية، من "كتلة الحرة" إلى "كتلة حركة مشروع تونس الحرة " (ما يؤكد أنها كتلة تعبر عن حزب)؛ إلا أن التطور السريع والخطير الذي شهده الحزب في الأيام الأخيرة، يقود إلى الاستنتاج أن الحقيقة أكبر من مجرد تسمية الكتلة، وأن ما يخفيه المتصارعون أكبر مما يعلنون.
وبالعودة إلى أصل الخلاف؛ فقد قرّرت الكتلة في اجتماع لها، الثلاثاء، طرد النائب وليد جلاد، لمجرد إعلان رفضه التسمية والخروج بالخلاف إلى وسائل الإعلام، ما اعتبره مسؤولو الحزب عدم انضباط يقود إلى الطرد.
وردّ النائب وليد جلاد بنص مطول على صفحته الرسمية، كشف فيه عن جزء من الخلاف، وأخفى بدوره جزءاً مهماً منه.
وقال جلاد، إن القطيعة مع "كتلة حركة مشروع تونس الحرة، تعود إلى تقييم مفاده أنه تم الانزلاق بالمشروع عن مساره الذي أردناه له، بعد خروجنا من حزب نداء تونس، والمتمثل في بناء حزب عصري وديمقراطي يكون أميناً لروح مشروع لم يكتمل في نداء تونس، ونجد أنه الأصلح لإنقاذ تونس".
وأضاف: "دون الخوض في التفاصيل، نشير إلى أنه، وبعد أشهر قليلة، وبرغم تأسيس نواة هياكل وإنجاز مؤتمر تأسيسي، فان كل المؤشرات والسياسات، وكذلك الممارسات، نجد أنها على طريق إعادة إنتاج السلبيات التي أدت إلى تفكك وتشتت حركة نداء تونس".
وفي هذا السياق، كشف الجلاد عن أنّ "الهدف الذي برز للعيان، وبطريقة "فجة" و"صادمة"، تمثل في تحويل وجهة الفكرة من مشروع لإنقاذ تونس واستكمال البناء العصري إلى مشروع شخصي، يلخَّص في إنتاج الزعيم الأوحد والملهم، الذي تكون طموحاته الشخصية قبل الحزب ومؤسساته، وهذا ما يفسّر مركزة كل الصلاحيات بيد الأمين العام (محسن مرزوق)، ليصبح الحاكم بأمره، وبالتالي تفريغ المؤسسات والهياكل من كل دور، وجعلها صورية وللاستهلاك الإعلامي لا غير.
وأعلن جلاد عن "الشروع في خطة لإعادة الحزب إلى مساره الصحيح، وهو ما سيتم الإعلان عنه للعموم خلال قادم الأيام".
وانضم لجلاد نائبان، هما مصطفى بن أحمد، ومنذر بلحاج علي، حيث عبّرا عن مفاجأتهما من قرار إقالة النائب جلاد من عضوية "كتلة حركة مشروع تونس الحرة"، واعتباره "مفتقداً للأسس الأخلاقية والقانونية، باتخاذه بصفة مستعجلة دون دعوة النائب المعني، وعدم احترام أبسط القواعد الإجرائية بإعلام الزميل كتابياً ومسبقاً بالمؤاخذات الموجهة ضده، وتمكينه من وسائل الدفاع عن نفسه".
واعتبرا أن ما حدث "يؤكد صوابية اعتراضهما على تغيير اسم الكتلة وصبغتها، لكي لا تكون أداة في يد الأمين العام لـ"حركة مشروع تونس" لخدمة أجندته الخاصة، وتصفية المخالفين له في الرأي، والمعارضين لنهجه الإقصائي، كما يبرز ذلك في أول قرار لها بعد تغيير الاسم".
وتكشف هذه البيانات أن الخلاف هو، في الحقيقة، صراع مع الأمين العام للحزب ضد ما تم وصفه بـ"الاستئثار بالرأي" و"الهيمنة على الحزب".
وتدلّل الدعوة إلى إطلاق خطة لتصحيح المسار على أنّ المصطلحات ذاتها التي تم استعمالها في النداء؛ تستعمل في المشروع، وبحذافيرها تقريباً، ما يؤكد صحة الرأي القائل بأن المشروع حمل معه تناقضات النداء.
ولكن ما أخفاه وسكت عنه الجميع، إلى حد الآن، هو ما يجري في الكواليس الخلفية، فقد جاءت إشارات الخلاف الأولى مباشرة بعد لقاء جلاد وبن أحمد مع الرئيس التونسي، الباجي قايد السبسي، وتزامنت مع تسريبات حول نيته تأسيس جبهة حزبية جديدة تضم مكونات من تيارات مختلفة حول نواة ما تبقى من النداء، استعداداً للاستحقاق الانتخابي القادم، ومحاولة لاستعادة توازن مفقود، بحسب رأيه، في الساحة السياسية، أمام ثبات المنافس الأكبر، حركة "النهضة".
وبقطع النظر عما إذا كانت هذه الأخبار صحيحة أم لا؛ فإن الأيام القادمة قد تكشف مزيداً من الصراعات في المشروع، برغم أن بعض قياداته كانت قد نبّهت بطريقة غير مباشرة، منذ فترة، إلى أن بعض العناصر قد تعمل في المستقبل على محاولة ضرب الحزب من الداخل. وهو ما يحصل بالفعل.