كشف موقع "غلوبال ريسيرش"، في تقرير له أمس الثلاثاء، أن مشروع القانون الذي قدّمه مجموعة من أعضاء الحزبين الجمهوري والديمقراطي، الأسبوع الماضي، إلى مجلس النواب بالكونغرس، لإنهاء الدور العسكري الأميركي المباشر في حرب التحالف الذي تقوده السعوديّة في اليمن، يكفل في طيّاته أن يصوّت المجلس، للمرة الأولى، على العنصر الأكثر أهمّية في مشاركة الولايات المتّحدة في الحرب؛ وهو وقف إعادة تزويد الطائرات السعودية التي تقصف، بشكل منهجي، أهدافًا مدنيّة في اليمن، بالوقود عبر الجو.
وعلاوة على ذلك، فإن مشروع القانون سيشكّل اختبارًا رئيسيًّا لإرادة الكونغرس في احترام قانون صلاحيات الحرب الذي تمّ إقراره عام 1973، والذي جدّد التأكيد، في أعقاب انتكاسة الحرب الفيتنامية، على دور الكونغرس في تقييد السلطة الرئاسية حيال دخول الحروب من دون موافقته.
ومذ أن أعطت إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما، الضوء الأخضر للحرب السعودية المدمرة في اليمن في مارس/آذار 2015، كان معروفًا لدى الكونغرس ووسائل الإعلام أن أفراد الجيش الأميركي كانوا يدعمون طائرات التحالف السعودية بالقنابل. لكن نادرًا ما نوقشت علنًا مسألة توفير القوات الجوية الأميركية عمليّات التزويد بالوقود في الجوّ خلال كلّ طلعة كانت تنفّذها الطائرات السعودية في اليمن، والتي من دونها، بحسب الموقع، يمكن أن تصل الحرب في اليمن إلى نهايتها.
ويضيف التقرير أن إدارة أوباما، وبالأخص وزارة الدفاع (البنتاغون) والجيش الأميركي، شعروا بالقلق إزاء التصريحات العلنية حول الدور السعودي المباشر في الحرب اليمنية، بعد أن بدأ بعض الخبراء القانونيين يطرحون داخلياً قضايا مسؤولية الولايات المتّحدة القانونيّة المحتملة عن جرائم الحرب الدامغة في اليمن.
وتعليقًا على ذلك، تقول كريستين بيكرل، الباحثة في شؤون اليمن والإمارات لدى منظمة "هيومن رايتس ووتش"، إن إعادة تزويد الطلعات الجويّة للطائرات السعودية بالوقود "لا يجعل الولايات المتحدة طرفًا في النزاع اليمني فحسب؛ بل قد يقود أيضًا إلى أن يجد أفراد أميركيون أنفسهم متواطئين في جرائم الحرب التي يقترفها التحالف".
ويبدو أن الحساسية الشديدة لذلك الدور العسكري الأميركي المباشر والحيوي في الغارات السعودية باتت كبيرة جدًّا في العام الأخير من إدارة أوباما، كما يلاحظ معدّ التقرير، وهو ما بدا من حديث السفيرة الأميركية السابقة لدى الأمم المتحدة، سامنثا باور، في مقابلة مع صحافي نيوزلندي، حين صرّحت مرّتين، وبشكل موارب: "نحن لسنا منخرطين في شنّ ضربات جويّة في اليمن".
ويدعو مشروع القانون، الكونغرس، إلى "توجيه" الرئيس، دونالد ترامب، لـ"إزاحة" العسكريين الأميركيين عن دورهم في الحرب الجوية السعودية ضد قوات تحالف جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) وعلي عبد الله صالح في اليمن. ومن شأن القانون أن يمهل الرئيس 30 يومًا لإنهاء الدور العسكري الأميركي في دعم حرب التحالف في اليمن، إلا إذا أصدر الكونغرس إعلان حرب أو تفويضًا لتلك الأنشطة.
ويعتقد المشاركون في تقديم مشروع القانون بأن الأعضاء الآخرين في المجلس سيدعمونه، لأن الانخراط الأميركي المباشر في الحرب ورّط الولايات المتّحدة في أسوأ أزمة إنسانيّة من صنع البشر منذ عدّة سنوات، كما يصفها التقرير.
ويبرز التقرير، في استعراضه لأسباب تلك الأزمة، أن المجاعة والكوليرا في اليمن هما نتيجتان لاستراتيجية متعددة الجوانب هدفت إلى خلق معاناة كتلك بين المدنيين، بهدف كسر مقاومة قوات الحوثيين وصالح، وتضمّنت الاستراتيجيّة السعوديّة الانتهاكات التالية:
- استهداف المستشفيات والأسواق والبنية التحتية الزراعية.
- تدمير شاحنات الرفع اللازمة لتفريغ أية مساعدات إنسانية واسعة النطاق في ميناء الحديدة الرئيسي، ورفض استبدالها برافعات جديدة.
- فرض حصار بحري قلّص بشدّة شحن الغذاء والوقود والاحتياجات الأخرى إلى ميناء الحديدة.
- إغلاق المطار المدني لمنع إيصال المساعدات الإنسانية.
- تدمير الطرق والجسور اللازمة لإيصال المساعدات الإنسانية.
- إغلاق البنك المركزي في اليمن، وهي المؤسسة الوحيدة التي توفر السيولة لملايين اليمنيين.
ومن نقاط القوة الأخرى التي يتضمّنها مشروع القانون، كما يشرح التقرير، أنّه يستند بشكل صريح إلى مفردات قانون صلاحيات الحرب لعام 1973، والذي أقرته أغلبية الثلثين في مجلس النواب، متجاوزة قرار الفيتو للرئيس الأميركي الأسبق، ريتشارد نيكسون.
ويتضمن القانون ذاك حكمًا ينصّ على أنه "في أي وقت تشترك فيه القوات المسلحة الأميركية في أعمال قتالية خارج أراضي الولايات المتحدة، وممتلكاتها وأقاليمها، من دون إعلان حرب أو إذن قانوني محدد، فينبغي حينئذ أن تتمّ إخراج تلك القوات من قبل الرئيس إذا وجّه الكونغرس بقرار مضاد".
تبعًا لذلك، يطرح مشروع القانون أن التدخّل العسكري الأميركي المباشر في حرب السعودية باليمن لم يأذن به الكونغرس أبدًا، وعليه فإن الحكم السابق في قانون صلاحيات الحرب يصبح قابلًا للتطبيق.
وزيادة على ما سبق، فإن المشاركين في مشروع القانون سيشيرون إلى أن الدور الأميركي في الحرب يجعل الشعب الأميركي أقلّ أمنًا، وفقًا لما ذكره سابقًا مساعدون في الكونغرس؛ إذ إن أحد الآثار التي خلّفتها الحرب أنّها عزّزت موقف "القاعدة في شبه الجزيرة العربية"، المصنّفة باعتبارها أكبر تهديد خارجي فرديّ بشنّ هجمات إرهابية على الولايات المتّحدة.
عطفًا على ذلك، يبين التقرير أن القوات اليمنية المدعومة من السعودية كانت تقاتل إلى جانب "القاعدة" ضد مليشيات الحوثيين وصالح، وأن الحرب منحت "القاعدة" سيطرة إقليمية أكبر، وشرعية سياسية، ومصادر وصول إلى الأموال والسلاح أكثر مما امتلكه سابقًا.