وشنت القوات العراقية، بأوامر من المالكي، حملات اعتقال عشوائية طاولت كافة مناطق بغداد، وتمت على أسس طائفية، وشملت آلاف الشبان قبيل بدء أعمال القمة العربية في بغداد في 27 مارس/آذار 2012، والتي استمرت ليومين في المنطقة الخضراء، وسط بغداد، بتمثيل عربي ضعيف.
وأخيرًا، نفذ مجلس القضاء الأعلى برنامجًا لتسريع وتيرة حسم ملفات ودعاوى المتهمين المودعين بسجون وزارات الداخلية والدفاع والعدل، والذين لم يعرضوا على القضاء العراقي أو يتم التحقيق معهم رسميًا، ويبلغ عددهم عشرات الآلاف.
ويقول مسؤولون في الحكومة العراقية ببغداد إن أكثر من 80% من المتهمين في حقبة حكومتي المالكي الأولى والثانية لم يحصلوا على محاكمات أصولية، إذ عرف في حينها مصطلح "القاضي المنتدب" الذي يزور الوحدات العسكرية ومقرات الاحتجاز، ويوقع على أوراق المتهمين، ويصدر الأحكام بلا محامي دفاع، أو حتى التحقق من صحة إفادة المتهم.
وبحسب مسؤول في وزارة العدل العراقية، تحدّث عبر الهاتف مع "العربي الجديد"، فقد تم إطلاق سراح نحو 90 معتقلًا عراقيًا من السجن بعد عرضهم على القضاء، ولانتفاء التهم الموجهة إليهم، وعدم وجود أي أدلة حولهم، وبسبب ظروف اعتقالهم، تقرر إطلاق سراحهم فورًا.
وبحسب المسؤول، فإن غالبية من تم إطلاق سراحهم هم ممن تم اعتقالهم في بغداد قبيل انعقاد القمة العربية 2012، بناء على أوامر من المالكي، وضمن ما يعرف بخطة تأمين القمة العربية التي أشرف عليها شخصيًا.
وأضاف أنه لم يتم الإعلان عن ذلك رسميًا، "كون الحديث عن إطلاق سراح أبرياء قضوا نحو ست سنوات في السجون بلا تهمة فقط بسبب انتمائهم الديني، أمر مقزز بحد ذاته"، وفقًا لقوله، مشيرًا إلى أن غالبية نزلاء السجون العراقية، البالغ عددهم أكثر من ربع مليون سجين، يعودون لحقبة المالكي، ونسبة الأبرياء فيهم أكثر من المجرمين بعدة أضعاف، لكن حسابات سياسية تمنع فتح هذا الملف.
أحد هؤلاء هو أحمد عبدالله، الطالب في كلية طب الكندي في جامعة بغداد بالمرحلة الرابعة، والذي اعتقل مع زوج شقيقته وهما على باب منزلهما في حي الجهاد، غربي بغداد، قبيل انعقاد القمة.
ويقول لـ"العربي الجديد"، بعد أيام من خروجه من السجن: "اعتقلت مع زوج أختي، وكنا قد فتحنا غطاء محرك السيارة لتغيير البطارية عندما طوقتنا قوة من الشرطة الاتحادية واعتقلتنا من أمام الدار، من دون أن نعلم ما السبب، واكتفى الشرطي حينها بالتأكد من أسمائنا ومن اسم العشيرة وقاموا باعتقالنا".
وأضاف "نقلنا إلى ثلاثة سجون، ولم نستجوب ولم نتعرض للضرب إلا بضع مرات، والفضل بذلك لوالدي، كونه توصل إلى الضابط المسؤول عن السجن، وأهداه سيارة فقط حتى لا نتعرض للتعذيب". رغم ذلك، قضى أحمد ثلاث سنوات في سجن التاجي، وسنة واحدة في سجن تسفيرات بغداد، والمدة الباقية بين مراكز الشرطة ومعتقلات مؤقتة، كما يقول. ويكشف كذلك أن رفع أوراقه للقاضي الموجود ضمن اللجنة كان أيضًا مقابل مال دفعه والده عنه وعن زوج أخته.
خسارة الشاب أحمد عبدالله لم تتوقف على السجن لعدة سنوات، بل على ضياع مستقبله، فكلية الطب ترفض عودته لاستكمال دراسته، والوزارة أو المسؤولون فيها لا يستقبلون أي طلب منه،
ويقول "قررت أن أبدأ من جديد، لكن ليس هنا، بل المغادرة إلى دولة تحترم الإنسان ولا تنتقم منه بسبب لونه أو دينه أو عرقه".
وفي السياق، يوضح عضو منظمة حقوق الإنسان العراقية، الدكتور إبراهيم حمادي، لـ"العربي الجديد"، أن "موضوع سجن إنسان بريء بلا ذنب أو تهمة وإيداعه السجن، ثم ابتزاز أهله هو سمة حكومة نوري المالكي الطائفية، لكن حاليًا الموضوع تغير للأفضل بالتأكيد".
ويضيف "لدينا أكثر من نصف مليون حالة انتهاك لحقوق الإنسان في حكومة المالكي الثانية فقط، لكن التجاذبات السياسية الحالية تمنع من تقديم المالكي أو استدعائه حتى للقضاء، ولو كانت هناك نية فعلًا، لتم اعتقاله بملف سقوط الموصل على يد داعش الإرهابي".