تبدأ اليوم الإثنين، أعمال مؤتمر الحوار الوطني السوري في مدينة سوتشي الروسية بمشاركة 1600 شخص، تقول روسيا إنهم يمثلون القوى السياسية والعشائرية في سورية، إضافة إلى مشاركة ممثلين عن العديد من الدول والمنظمات الدولية، بينها الأمم المتحدة، بينما قاطعت المؤتمر الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة السورية، و"الإدارة الذاتية" الكردية، وسط رفض للمشاركة أو تحفظات من جانب الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية، والتي استبقت المؤتمر بتقديم ورقة غير رسمية تشدد على مرجعية القرارات الدولية، والإشراف الصارم من جانب الأمم المتحدة على كل مراحل الانتقال السياسي المنشود في سورية.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا في مؤتمر صحافي، إن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف سيشارك في أعمال المؤتمر، الذي يستمر لمدة يومين، بينما لن يحضره الرئيس فلاديمير بوتين، في ظل تلميحات روسية سابقة بخفض مستوى التوقعات من المؤتمر، الذي تقول موسكو اليوم إنه قد يكون محطة على طريق الحل السياسي في سورية، وليس نهاية المطاف. وأوضحت زاخاروفا أن هدف المؤتمر هو الإسراع في تحقيق السلام والاستقرار في سورية، وإعادة بناء الاقتصاد وضمان عودة اللاجئين إلى ديارهم. من جهته، قال المتحدث باسم الرئاسة الروسية، ديميتري بيسكوف، إن المؤتمر يمثل "نقلة نوعية" لتحقيق التسوية في سورية، لكنه أوضح أنه لن يكون "الخطوة النهائية الضرورية" لتحقيق التسوية.
وقالت مصادر إعلامية إن اليوم الإثنين سيشهد جلسات مغلقة لتوضيح مواقف الأطراف السورية، مشيرة إلى أن بعض أعضاء الهيئة العليا للمفاوضات، التي أعلن رئيسها نصر الحريري مقاطعة المؤتمر، سيحضرون بصفة شخصية، مشيرة إلى أن أغلبهم ينتمون إلى منصة موسكو. وحسب هذه المصادر، فإن الجلسات العامة ستكون غداً الثلاثاء، بمشاركة المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا وممثلي عدد من الأطراف الإقليمية المعنية بالأزمة السورية. وتفيد تسريبات مختلفة أن مسودة البيان الختامي للمؤتمر تتضمن 12 بنداً تمثل المبادئ نفسها التي قدمها دي ميستورا إلى الجولة الثامنة من المفاوضات السورية في جنيف في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. وتقضي بتشكيل لجنة دستورية بمشاركة وفد النظام السوري ووفد آخر يمثل طيفاً واسعاً من المعارضة من أجل التحضير لتعديل الدستور برعاية الأمم المتحدة، ووفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، إضافة إلى الالتزام الكامل بسيادة سورية واستقلالها، وأن الشعب السوري وحده من يقرر مستقبل البلاد، ويختار نظامه السياسي بالوسائل الديمقراطية من دون أي ضغوط. كما تنص على الالتزام الكامل بسيادة سورية ووحدتها، أرضاً وشعباً، وأن تلتزم الدولة السورية بالوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي والتنمية العادلة. كما نصت المسودة على أن سورية دولة ديمقراطية غير طائفية تقوم على المواطنة المتساوية. وأكدت حماية حقوق الإنسان والحريات في أوقات الأزمات وعدم التمييز في الحقوق، والرفض القاطع لكل أشكال الإرهاب والتطرف والطائفية والالتزام بمكافحتها، فضلاً عن ضمان سلامة النازحين واللاجئين والمهجرين وحقهم في العودة إلى ديارهم. وتدعو مسودة البيان الختامي الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، إلى توجيه مبعوثه الخاص إلى سورية للمساعدة في ترتيب عمليات اللجنة الدستورية في جنيف.
وكان غوتيريس قد وضع مجموعة من "المعايير" طالب روسيا بالتزامها مقابل مشاركة الأمم المتحدة في مؤتمر سوتشي، تتعلق خصوصاً بالضغط على النظام السوري من أجل "الانخراط البنّاء" في مناقشات اجتماع فيينا الخاص بالمسائل الدستورية، لكن ذلك لم يحصل، ورغم ذلك خضع غوتيريس لبعض الضغوط، وقرر مشاركة الأمم المتحدة في المؤتمر. وتسعى الأمم المتحدة، من خلال هذه المشاركة في مؤتمر سوتشي، لأن تكون هي المظلة التي تتشكل تحتها اللجان المنبثقة عن المؤتمر، خصوصاً اللجنة الدستورية ولجنة الانتخابات، في ضوء رفض الدول الغربية لأية ولاية على هذه اللجان غير الأمم المتحدة. وتريد الأمم المتحدة وفريق دي ميستورا ألا يقتصر دور المبعوث الأممي على استضافة جولات تفاوضية بين أعضاء اللجنة الدستورية، بحسب اقتراح موسكو، بل أن تكون أعمال هذه اللجنة بالكامل تحت إشراف الأمم المتحدة ومرجعية جنيف وفق القرار 2254، وذلك تحاشياً للأجواء التي سادت خلال جولات التفاوض السابقة في جنيف، والتي تميزت بمماطلة النظام السوري وعدم انخراطه في أية مفاوضات جدية بشأن جميع النقاط المطروحة، خصوصاً ما يتصل بعملية الانتقال السياسي.
ومن المتوقع أن يكون تفسير بعض فقرات مبادئ التسوية التي ستصدر عن سوتشي، محل خلاف بين وفدي النظام وروسيا من جهة، وممثلي المعارضة من جهة أخرى، خصوصاً تلك المتعلقة بالجيش وأجهزة الأمن. وتنص "وثيقة سوتشي" على تأسيس "جيش وطني يقوم بتأدية واجباته وفق الالتزام الصارم بالدستور، وأن تكون مهمته حماية الحدود الوطنية والشعب من الأخطار الخارجية والإرهاب"، بينما ترى المعارضة ضرورة أن يكون الجيش محايداً عن العمل السياسي وتقترح دمج بعض الفصائل المسلحة ضمن "الجيش الجديد"، في حين يريد النظام دعم الجيش بشكله الحالي وتحديد مهمته في محاربة "الإرهاب". والنقطة الأهم التي تجمع طرفي النظام والمعارضة هي رفض المطالب الكردية، والتلميحات الدولية بشأن قيام نظام فيدرالي في البلاد، مع توافق على توسيع صلاحيات "الإدارات المحلية" لكن دون المساس بسلطة المركز في القضايا السيادية.
وتفيد مصادر أن روسيا أعدت وثيقة ثانية ستصدر إلى جانب البيان الختامي تدعو إلى رفع العقوبات المفروضة على النظام السوري وتبني إجراءات لبدء إعادة الإعمار، وعودة اللاجئين، من دون ربط ذلك بعملية الانتقال السياسي، وفق ما تشترط بعض الأطراف الدولية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة. وتناشد الوثيقة الأمم المتحدة والمؤسسات الإنسانية العالمية والمجتمع الدولي "المساهمة في تجاوز آثار الحرب وإعادة إعمار سورية من طريق تبني إجراءات إضافية في تقديم المواد الغذائية والطبية والمواد الأخرى ذات الاحتياجات الأساسية ومواد البناء والمعدات الصناعية والطبية وتنظيم علميات كبيرة لنزع الألغام". وترى ضرورة "رفع العقوبات المفروضة من جانب واحد بحق سورية، ما يؤدي إلى حل المشكلة الإنسانية والمشكلات الاقتصادية بما يصب في إعادة بناء البلاد". وكانت واشنطن صاغت، مع حلفائها الأوروبيين والإقليميين، وثيقة تضمنت ربط المساهمة في إعادة الإعمار بتحقيق الانتقال السياسي "الجدي والجوهري والشامل عبر التفاوض بين الأطراف المعنية برعاية الأمم المتحدة لتنفيذ القرار 2254 وبيان جنيف، وعندما تتأسس بيئة حيادية تسمح بالانتقال السياسي".
من جهة أخرى، ذكرت وكالة الإعلام الروسية أن البيان الختامي للمؤتمر سيدعو الشعب السوري لتقرير مستقبله في تصويت شعبي من دون أي ضغوط خارجية، غير أن مصدراً في المعارضة السورية قال لـ"العربي الجديد"، إن مثل هذا الاستفتاء الشعبي "غير عملي"، ولن يكون متاحاً من الناحية الواقعية بسبب ظروف التشتت التي يعيشها المواطنون السوريون اليوم في أنحاء المعمورة. ورأى أن وظيفته ستكون، كما مؤتمر سوتشي نفسه، مجرد إضفاء شرعية زائفة، وتزوير إرادة السوريين، حسب تعبيره. ورأى أن روسيا تسعى من خلال هذا التجمع إلى تمرير رؤيتها للحل من دون أن يكون هناك نقاش حقيقي لمضمون البيان الختامي المعد سلفاً، لافتاً إلى أن تسع جولات من التفاوض عقدت حتى الآن من دون تحقيق أي تقدم، بسبب غياب الإرادة السياسية لدى النظام وروسيا، وليس هناك ما يدعو للاعتقاد بأن مؤتمر سوتشي يحمل جديداً، باستثناء سعي موسكو لتجاوز المرجعيات الدولية.