مع انطلاق الحملة الدعائية للانتخابات البرلمانية في العراق، وبداية العد التنازلي لإجرائها في 12 مايو/أيار المقبل، عاودت إيران اختراقها للمشهد السياسي العراقي، محاولة التمهيد لوصول جهات سياسية موالية لها إلى سدّة الحكم، ساعية لتقريب وجهات نظر التحالفات المنشقة للتحالف الوطني الموالي لها.
ولا يبدو أنّ رئيس الحكومة، حيدر العبادي، وتحالفه "النصر"، من ضمن الدائرة التي تسعى طهران لدعمها، بل على العكس تماماً، فالتحركات الإيرانية تتم بمعزل تام، ومن دون تواصل مع العبادي، الذي ترى طهران أنه يميل إلى الغرب والمحيط العربي، الأمر الذي جعل من انقسام التحالف الوطني في هذه الانتخابات أمراً حتمياً. وقال مسؤول سياسي رفيع المستوى، لـ"العربي الجديد"، "بدأ السفير الإيراني لدى العراق، إيرج مسجدي، الأسبوع الماضي، جولة من اللقاءات والاجتماعات مع عدد من قادة تحالف الكتل السياسية المنشقة عن التحالف الوطني"، مبيناً أنّ "مسجدي التقى أولاً مع رئيس ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي، وعقد معه اجتماعاً لعدّة ساعات، بحث خلاله موضوع الانتخابات المقبلة، وإمكانية توحيد بعض الجهات لتشكيل تحالف جديد يكون بديلاً للتحالف الوطني، ليعمل على تشكيل الحكومة المقبلة".
وأضاف أنّ "المالكي، الذي يسعى للحصول على دعم الجانب الإيراني للوصول إلى سدّة الحكم، لم يحصل من مسجدي على وعود حتى الآن"، موضحاً أنّ "مسجدي وعد المالكي بالدعم لتشكيل تحالف واسع يشمل أغلب التحالفات المنشقة عن التحالف الوطني، لكنه لم يبحث موضوع رئاسة الحكومة المقبلة معه"، مبيناً أنّ "الجانبين (المالكي ومسجدي) يسعيان في الوقت ذاته لإبعاد العبادي وعزله تماماً عن هذا التحالف، على اعتبار أنه لم يتقرب من إيران في هذه الفترة، على العكس مما فعله تجاه الغرب والمحيط العربي". وأشار الى أنّ "مسجدي عاد ليلتقي زعيم تيار الحكمة، عمّار الحكيم، وبحث معه أيضاً تشكيل تحالف واسع يكون على عاتقه تشكيل الحكومة المقبلة"، مبيناً أنّ "الحكيم لم يختلف مع مسجدي في وجهات النظر، وأنّ الجانبين اتفقا على تذليل الصعاب لتشكيل تحالف واسع". وأكد أنّ "لقاءات مسجدي مع قادة تحالف الفتح (الحشد الشعبي)، خصوصاً هادي العامري وفالح الفياض، لم تنقطع طوال الفترة السابقة"، مبيناً أنّ "مسجدي سيجري، خلال الأسبوع الحالي، عدة لقاءات مع عدد من الائتلافات التي انقسمت عن التحالف الوطني الحاكم في العراق".
ولم يلتق مسجدي برئيس الحكومة، حيدر العبادي، حتى الآن، فيما أكد المسؤول السياسي أنّه "لا يوجد على جدول لقاءات العبادي أي لقاء قريب مع مسجدي أو أي مسؤول إيراني آخر"، مبيناً أنّ "ملامح الدعم الإيراني بدت واضحة للجميع، بينما لا يوجد تقارب أو دعم للعبادي، لكنها لم تستقر بعد على دعم شخص معين من قادة التحالفات الأخرى، ليكون رئيساً للحكومة المقبلة". وأشار إلى أنّ "التنافس محتدم بين المالكي والعامري على رئاسة الحكومة، ولم يقدم أي منهما أي تنازل للآخر، وهما متمسكان بالوصول إليها"، مؤكداً أنّ "إيران أكثر دعماً للعامري في هذه الانتخابات، وتدفع به للوصول إلى رئاسة الحكومة".
ولم تتحدث قيادات التحالفات المنشقة عن التحالف الوطني عن أي تحالف يسبق الانتخابات، بينما يؤكد مسؤولون ونواب فيها أنّ الإعداد لتحالف واسع سيكون بعد الانتخابات. وقال القيادي في تحالف "الفتح"، إبراهيم بحر العلوم، في تصريح صحافي، إنّ "تحالفاتنا الانتخابية ستعتمد على طبيعة المرحلة المقبلة، والنتائج التي ستعلن عن الانتخابات"، مبيناً أنّ تحالفه "سينظر بعين المصلحة الوطنية لتحالفاته المستقبلية". وأضاف "من مبادئ تحالف الفتح الأساسية الانفتاح على كافة الأحزاب التي تعمل وفقاً للدستور العراقي"، مشيراً إلى أنّ "الفتح هو اليوم كتلة وطنية تضم جميع مكونات الشعب العراقي، وتخوض الانتخابات في كافة المحافظات، باستثناء إقليم كردستان".
ويؤكد مراقبون أنّ الدعم الإيراني في هذه الدورة الانتخابية، أقل تأثيراً من الدورات السابقة، الأمر الذي دفع العبادي إلى أن يبتعد عنه إيران متجهاً نحو الجانب الغربي والمحيط العربي. وقال الخبير السياسي، عبد الستار الشمري، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الانقسام بين كتل التحالف الوطني واضح في هذه الدورة، والتأثير الإيراني في هذه الدورة أقل منه في الدورات السابقة، لكن، في الوقت ذاته، فإن إيران تملك القدرة على جمع مكونات التحالف"، مبيناً أنّها "وإن لم تحدد شخصية رئيس الحكومة حتى الآن، لكنها تنتظر نتائج الانتخابات لتتحرك وفقاً لمعطياتها". وأكد أنّه "من الواضح جداً أنّ إيران تدعم زعيم مليشيا بدر، هادي العامري، لمنصب رئيس الحكومة، لكنها لن تعلن ذلك حتى تظهر نتائج الانتخابات"، مشيراً إلى أنّ "التحالف الشيعي في هذه الدورة ليس كما في الدورات السابقة، إذ إنّ انقسام العبادي وذهابه بخط مغاير للخط الإيراني أضعف التحالف الشيعي". وانطلقت السبت الماضي الحملة الدعائية للانتخابات البرلمانية العراقية، والتي من المقرر أن تجرى في 12 مايو/ أيار المقبل، والتي يرى مراقبون أنها ستكون انتخابات محتدمة جداً، في ظل الصراع الشديد بين التحالفات المنشقة عن التحالف الوطني.