لا تكل باريس عن مساعي احتواء الموقف السياسي الجزائري الرافض للتدخل العسكري الأجنبي في ليبيا، تزامناً مع تصاعد حمى المطامح الفرنسية بتوسيع تواجدها العسكري من شمال مالي إلى ليبيا.
وقالت مصادر حكومية جزائرية لـ"العربي الجديد"، إن قائد أركان الجيش الفرنسي، بيير دو فيليي، الذي يصل السبت إلى الجزائر في زيارة رسمية لثلاثة أيام، "سيحاول اقناع المسؤولين الجزائريين بضرورة القيام بعمل عسكري على الأرض في ليبيا، ضد تنظيم "أنصار الشريعة" ومجموعات مسلحة تتبع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي، قبل تحول هذه المجموعات إلى أذرع متصلة بتنظيم "داعش"، تنفيذاً لخريطة تواجد التنظيم في منطقة المغرب تحت مسمى (دامس)".
وفيما يسعى المسؤول الفرنسي إلى الحصول على دعم جزائري للخطط الفرنسية للوجود على الحدود بين النيجر وليبيا، والسماح للطائرات العسكرية الفرنسية بعبور الأجواء الجزائرية لتنفيذ طلعات جوية في ليبيا، أوضحت مصادر حكومية أن "الجزائر غير مقتنعة بوجهة النظر الفرنسية، وتتخوف من أن يؤدي أي تحرك فرنسي في ليبيا، إلى افشال المساعي التي تقوم بها للوساطة بين مختلف أطراف الأزمة في ليبيا".
من جهتها، أكدت السفارة الفرنسية في الجزائر، أن "دو فيليي سيُستقبل من طرف نائب وزير الدفاع الوطني قائد أركان الجيش الجزائري، أحمد قايد صالح، وسييجري مباحثات مع قادة الجيش الجزائري وعدد من المسؤولين حول ملفات مكافحة الإرهاب وملاحقة المجموعات المسلحة في منطقة الساحل وشمال مالي، وسيزور وحدة تكوين القوات الخاصة في منطقة بسكرة جنوبي الجزائر".
وإذا كان بيان السفارة الفرنسية قد أدرج زيارة دو فيليي في سياق تنفيذ قرارات متفق عليها خلال زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، إلى الجزائر في ديسمبر/كانون الأول 2012، فإنه من اللافت أن التطورات الراهنة في ليبيا ستكون بين أبرز الملفات التي ستطرح للنقاش بين دو فيليي والمسؤولين العسكريين في الجزائر، ولا سيما بعد بروز نوايا فرنسية للقيام بعمل عسكري في ليبيا ضد ميليشيات وتنظيمات مسلحة تتهمها باريس بالتطرف.
وكان وزير الدفاع الفرنسي، جون إيف لودريان، قد أعلن الأسبوع الماضي أن باريس تفكّر بالتنسيق مع الجزائر بتوسيع نطاق العمليات العسكرية الفرنسية من شمال مالي إلى الحدود مع ليبيا، لكن وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة نفى ذلك، واستبعد أي نية للجزائر للقيام بأي عمل عسكري أو المساعدة على تدخل عسكري أجنبي في ليبيا.
لكن الرأي العام في الجزائر لا يثق كثيراً في تصريحات المسؤولين الجزائريين عندما يتعلق الأمر بهكذا قضايا بالغة الحساسية، ولا سيما بعد كشف باريس في نهاية 2012 عن فتح الجزائر لمجالها الجوي أمام الطائرات العسكرية الفرنسية لقصف وملاحقة المجموعات المسلحة في شمال مالي خلال عملية "سرفال" التي قادتها باريس بمشاركة قوات مالية وتشادية في شمال مالي. وهو ما شكل صدمة للرأي العام والقوى السياسية في الجزائر، بعد فترة كانت الحكومة الجزائرية تلوذ فيها برفضها القاطع لأي عمل عسكري أجنبي شمالي مالي.