على الرغم من التصريحات المثيرة للجدل التي أدلى بها الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف دفاعاً عن الشيشانيين المتهمين بقتل المعارض الروسي بوريس نيمتسوف، لم يتغير شيء في طبيعة علاقة السلطات الشيشانية بسلطة المركز. فالمعادلة بسيطة: يتمتع قاديروف بسلطات مطلقة في الشيشان، مقابل ولائه العلني والحماسي المطلق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
فبعد فترة وجيزة من نبأ اغتيال المعارض نيمتسوف، صدر اتهام من المحققين لمجموعة من الشيشانيين، بقيادة زاور دادايف، المعاون السابق لقائد فوج "الشمال"، الذي أنشئ بمبادرة شخصية من قاديروف نفسه، باغتيال الرجل الذي طالما أزعج الكرملين. وسرعان ما أعلن قاديروف أنه "عرف زاور كوطني حقيقي"، وشدد على أن "زاور لا يمكن أن يقوم بخطوة ضد روسيا التي فداها بروحه سنوات عديدة". وقد أدى هذا التصريح الملتبس إلى إحياء النقاش حول الدور الذي يلعبه قاديروف في السياسة الروسية.
بعد مقتل والد رمضان قاديروف، الرئيس الشيشاني السابق أحمد حاج قاديروف في العام 2004، تركزت سلطات الجمهورية الخارجة من حربين مدمرتين بيد الابن، بعلمٍ واستحسانٍ من بوتين. وقد تمكّن قاديروف الابن خلال سنوات حكمه، مدعوماً من الكرملين وسخاء مخصصات الميزانية الفيدرالية، من إعادة إعمار البنية التحتية التي دمرتها المعارك. وبالنتيجة، تحوّلت العاصمة غروزني إلى ما يشبه واجهة عرض في الجمهورية التي دفعت غالياً ثمن رغبتها في الانفصال عن روسيا. فهناك اليوم، ترتفع ناطحات سحاب "غروزني سيتي"، ويتوسط المدينة مسجد "قلب الشيشان" وهو أحد أكبر مساجد روسيا، وأهم تحف الجمهورية العمرانية. وفي إجابة عن سؤال "من أين هذه الأموال في الشيشان؟" أجاب قاديروف: "لا أعرف، الله هو المعطي". علماً بأن مسجد "قلب الشيشان" أقيم على شارع يحمل اسم "بروسبيكت فلاديمير بوتين".
ولا يمل قاديروف من إعلان ولائه لبوتين. فمنذ قال "بوتين منقذ شعبنا"، عام 2006، اشتد خطابه في هذا المنحى حماسة. فها هو يقول، سنة 2010: "أولئك الذين ينتقدون بوتين ليسوا بشراً، وهم أعدائي الشخصيون. وما دام بوتين يدعمني أستطيع فعل كل شيء". علماً بأن قاديروف لا يكتفي في خطبه بالتعليق على المسائل المتعلقة بالشيشان، إنما يدلي بدلوه في المسائل الدولية، مبالغاً في التطرف (الوطني) الروسي. وعلى هذه الخلفية، بدا تصريحه بخصوص دادايف مفاجئاً. فقد جاء مخالفاً للخط الرسمي. وللمقارنة، فقد جاءت ردة فعل بوتين على نبأ اغتيال نيمتسوف حادة بقوله: "إنها عار على روسيا". في حين أن قاديروف أعلن عن وطنية دادايف المتهم بالقتل وعن أنه إذا قام فعلاً باغتيال نيمتسوف فإنما فعل ذلك بدافع الغيرة على الرسول، انطلاقاً من أن نيمتسوف كان ليبرالياً وأيّد نشر "شارلي إيبدو" للرسوم المسيئة وانتقد التطرف الإسلامي، كما جاء في تبريرات قاديروف.
اقرأ أيضاً: روسيا: اتهام شيشانيين بقتل نيمتسوف يثير تساؤلات جديدة
تصريح قاديروف والسكوت عنه يشين بمكانته في روسيا. المعادلة هي: ثمن الاستقرار النسبي في الشيشان هو السلطة المطلقة لقاديروف وجماعته. إلى جانب ذلك، فكثيراً ما يجري الحديث عن انتهاكات لحقوق الإنسان في الشيشان وعن تصفيات يتعرض لها خصوم قاديروف تحت ذريعة صلتهم بالإرهابيين، علماً بأن علاقة قاديروف بهذه الحوادث لم يتم إثباتها رسمياً في أي من الحالات. ويعلن المدافعون عن حقوق الإنسان أن رجال الأمن الشيشانيون لا يوفرون وسيلة، من الخطف إلى التعذيب، بحق المحتجين على الأوضاع في الشيشان.
وفي السياق، يقول الأستاذ في مدرسة الاقتصاد العليا في موسكو، البروفيسور إيميل بائين، لـ"العربي الجديد"، إن "الشيشان هي الإقليم الوحيد في روسيا، حيث التفويض بالسلطات واقعي (لرمضان قاديروف). فالشيشان اكتسبت وضعاً خاصاً مقابل الولاء لموسكو بعد العملية العسكرية الخاصة هناك. ولكن على الرغم من سلطته المطلقة داخل الشيشان، فإن قاديروف تابع لبوتين، ذلك أنّ 82 بالمئة من ميزانية جمهوريته من مخصصات الميزانية الفيدرالية، والأهم من ذلك أنه يعرف أنه لا يحظى بدعم كثيرين".
مثل هذا النظام يتسم بالهشاشة، لأنه يقوم على أساس شخصي (بوتين وقاديروف). وإذا ما خرج أحدهما عن قواعد اللعبة فإن النتائج قد تكون سيئة. ولذلك، فإن تصريح قاديروف عن وطنية قاتل نيمتسوف استدعى أسئلة بالغة الجدية عن نزاع قد يلوح في الأفق بين القوات الفيدرالية الموالية لبوتين وقوات قاديروف الموالية له شخصياً. إلا أنه ليست هناك دلائل على الأرض يمكن الحديث عنها في هذا المنحى بعد. فعلى الرغم من أن الرئيس الشيشاني مضى بعيداً في دفاعه عن دادايف، إلا أن أي مؤشرات على اختلال العلاقة بين موسكو وغروزني لم تظهر بعد ذلك. ولم يفت قاديروف بعدها أن يؤكد مساندته للرئيس الروسي، إذ قال: "نحن جنود رئيس روسيا! سأكون دائماً ممتناً لفلاديمير فلاديميروفيتش (بوتين)، وسأكون إلى الأبد نصيره الوفي. التضحية بالروح في سبيل شخص مثله من أسهل الأشياء".
وهكذا، يستبعد إيميل بائين أن تنعكس تصفية نيمتسوف وتصريحات قاديروف التي أعقبتها على طبيعة العلاقة بين الكرملين وغروزني. ويضيف في حديثه لـ"العربي الجديد": "لا مؤشر على تغير في العلاقات بعد، فجميع الجهات الآن، الكرملين وهيئة الأمن الفيدرالية وقاديروف، راضون عن الفرضية الحالية التي تقول بأن القاتل فعل فعلته دفاعاً عن مشاعره الدينية ولم تكن هناك أي مؤامرة ولا أبعاد سياسية للقتل". فهل حقاً الأمور كذلك؟