طغت المواقف السياسية اللبنانية الحادة، اليوم الثلاثاء، على الاشتباكات والقصف المدفعي والصاروخي في آخر مناطق سيطرة "جبهة فتح الشام" (النصرة سابقا) في جرود بلدة عرسال على حدود لبنان الشرقية مع سورية، على خلفية المواقف الداخلية المتعارضة من تدخل "حزب الله" في سورية وتجاوزه للحدود ولمواقع الجيش في الجرود اللبنانية التي سيطر عليها عناصر "فتح الشام" منذ سنتين ونصف السنة.
وقد سجلت "كتلة المستقبل" النيابية موقفاً معارضاً حاداً لقتال الحزب في الجرود اللبنانية، رغم أن إعلان رئيس "تيار المستقبل" ورئيس الحكومة "تكليف الجيش إجراء عملية عسكرية نظيفة في جرود عرسال" شكّل الغطاء السياسي الداخلي للحزب لإطلاق العمليات العسكرية مساء الخميس - الجمعة الماضي.
واستغربت الكتلة "قرار الحزب في خوض المعركة بقرار متفرد منه خارج إطار الدولة اللبنانية وشرعيتها، وخارج مؤسساتها الدستورية والعسكرية والأمنية"، معتبرةً أن "خطورة الأمر الحاصل تكمن في أن حزب الله يستمر في تجاوز الدولة اللبنانية وفي التصرف على أساس أن الإمرة له في لبنان، متجاهلا إرادة أو رغبة المواطنين اللبنانيين بشكل كامل".
وأكدت كتلة المستقبل أن "حزب الله في قراره المتفرد بخوض هذه المعركة في مواجهة تلك التنظيمات الإرهابية يمثل قرار القيادة الإيرانية ومخططاتها، بهدف إحكام السيطرة على المنطقة الحدودية الشرقية من لبنان، وذلك بالتنسيق مع النظام السوري تمهيدا للإطباق الكامل على لبنان، بهدف تطويع نظامه وتحويله إلى نظام مشابه للنظامين الإيراني والسوري".
وجددت الكتلة "دعم الجيش باعتباره الأداة الأمنية الشرعية التي لها وحدها الحق الحصري في حمل السلاح، واستعماله في الدفاع عن لبنان وحدوده وعن الشعب اللبناني وحمايته".
وطالبت الكتلة بـ"تمركز قوات الجيش في المناطق التي ينسحب منها المسلَّحون لحماية الحدود اللبنانية الشرقية، بما يمكّن أهل عرسال من العودة إلى مزارعهم ورعاية مصالحهم، واستعمال ما هو متاح في القرار الدولي 1701 لجهة الطلب من مجلس الأمن الدولي الموافقة على توسيع صلاحيات قوات الأمم المتحدة في مؤازرة الجيش اللبناني لحماية الحدود الشرقية والشمالية للبنان أسوة بالتجربة الناجحة في الجنوب".
وهو موقف يلاقي معارضة شديدة من حلفاء النظام السوري في لبنان وعلى رأسهم "حزب الله"، والذين يرفضون أن تلعب الأمم المتحدة أي دور على حدود لبنان الشرقية مع سورية، لا عبر إنشاء مناطق آمنة في بلدات القلمون والإشراف على عودة اللاجئين السوريين المقيمين في لبنان إلى بلداتهم دون سلطة أو وصاية للنظام السوري، ولا في الانتشار على الحدود واستبدال انتشار "حزب الله" العسكري في المنطقة بانتشار عسكري أُممي.
ومع تجاوز مشاركة "حزب الله" الأمنية والعسكرية في معارك النظام الإيراني حدود لبنان والعراق وسورية واليمن، تطرقت كتلة "المستقبل" إلى مضمون رسالة وزارة الخارجية الكويتية التي تم توجيهها إلى وزارة الداخلية اللبنانية "على خلفية ما كشفته التحقيقات الكويتية من تورط الحزب في عمليات إرهابية لزعزعة أمن الكويت".
واستنكرت الكتلة "هذا التورط في أعمال إرهابية تمس أمن دولة الكويت الشقيقة التي تضر أيضاً بمصلحة لبنان ومصالح اللبنانيين في لقمة عيشهم".
وقد أتى الرد الأول من حلفاء النظام السوري على كتلة المستقبل سريعاً وعلى لسان رئيس "حزب التوحيد العربي"، الوزير السابق وئام وهاب، الذي اتهم الكتلة برئاسة (الرئيس) السنيورة بأنها "تشكل الجناح السياسي لداعش والنصرة".
ورفض وهاب "محاولة الكتلة تحديد شرعية ووطنية معركة عرسال"، واصفاً أعضاء الكتلة بـ"الحثالة السياسية التي خربت لبنان اقتصادياً وأمنياً". كما اتهم وهاب "المستقبل" بـ"توريط المسلمين السنة في معارك الشمال وعرسال وصيدا وتركتموهم دون حماية ليدفعوا ثمن مغامراتكم الفاشلة منذ سنوات".
وفي رد على الرد العنيف لوهاب، أصدر المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة على وهاب، بياناً مقتضباً ضمنه بيتين من الشعر للإمام الشافعي الذي يقول فيه: "يخاطبني السفيه بكل قبح... فأكره أن أكون له مجيبا يزيد سفاهة فأزيد حلما... كعود زاده الإحراق طيبا".
وفي موقف سجله على هامش حفل تكريمي، اعتبر وزير الأشغال العامة، يوسف فينانوس، الذي يُعتبر فريقه السياسي "تيار المردة" من أبرز حلفاء النظام السوري في لبنان، أنه "لولا تضحيات الجيش والمقاومة (حزب الله) لما نعمنا في لبنان بالاستقرار الأمني الحالي".
تطورات ميدانية
وفي بلدة عرسال وجرودها، استوعبت البلدة خبر مقتل أحد المطلوبين السوريين وتوقيف آخر في مخيم السنابل داخل البلدة، بعد ظهر اليوم، خلال عملية دهم نفذتها وحدات من الجيش اللبناني.
وتزامنت العملية مع تصريح لقائد الجيش العام جوزيف عون، أكد فيه أن "هناك 50 إرهابيا خطيرا من بين موقوفي المداهمات الأخيرة للمخيمات (في عرسال)، بعضهم من الرؤوس المدبرة والمشاركين في اختطاف العسكريين والهجوم على مهنية عرسال خلال حوادث أغسطس/آب 2014". وهي العملية الأمنية التي تخللها مقتل طفلة لاجئة وجرح 7 عسكريين نتيجة تفجير 5 انتحاريين أنفسهم بقوات الجيش خلال مداهمتها مخيمين للاجئين عند أطراف بلدة عرسال قبل 3 أسابيع، ثم توقيف 400 لاجئ إثر العملية قُتل منهم 10 بسبب التعذيب.
ولم يعترف الجيش سوى بـ"وفاة 4 لاجئين أثناء التوقيف، بسبب تأثير الأجواء المناخية على وضعهم الصحي السيىء".
وقد عزز الجيش إجراءاته في محيط عرسال لـ"منع تسلل المسلحين من الجرود إلى مخيمات النازحين وداخل البلدة، بعد عمليات القصف المدفعي والصاروخي لعناصر حزب الله خلال ملاحقة مسلحي جبهة النصرة"، بحسب ما أعلنت "الوكالة الوطنية للإعلام" اليوم.