أثار ظهور اللواء عبد الرزاق الناظوري على رأس العملية العسكرية المحتمل إطلاقها ضد مدينة درنة، شرق ليبيا، والتي تقودها قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، تساؤلات كثيرة، في ظلّ غياب حفتر نفسه عن قيادتها، وهو غياب ترافق مع الظروف الغامضة المحيطة بوضعه الصحي واستمرار غيابه، ما يطرح العديد من السيناريوهات حول المرحلة المقبلة.
وتتعدد السيناريوهات المطروحة حالياً، لكنها تصبُّ جميعها في اتجاه الاضطراب والفوضى التي سيخلفها غياب حفتر، بسبب طبيعة شبكة التحالفات القبلية والدينية والسياسية التي نسجها حول نفسه، علماً أن ارتدادات وضعه الصحي الغامض حالياً ستطاول مصالح وسياسات دول لطالما راهنت عليه لسنوات عدة.
ويتحدث المحلل السياسي الليبي جمعة بوسعدة، عن أحد تلك السيناريوهات المرتبطة بتفكيك العلاقة بين فصائل حفتر نفسها، لافتاً إلى أن "فصائل حفترالمسلحة تكونت أساساً على الشكل القبلي، ثم الديني، وليس خافياً أن هناك قبائل قوية فقدت مكانتها داخل هذه القوات، بل فقدت أيضاً سيطرتها على أراضيها السابقة، وأبرزها قبيلة البراغثة، شرق وغرب بنغازي، والمغاربة في منطقة الهلال النفطي".
ويرجح بوسعدة أن تستعيد تلك القبائل السيطرة على أراضيها وتعيد تعيين أبنائها كأمراء وقادة لمجموعاتها المسلحة، لا سيما أن بعضهم لا يزال بإمكانه العودة، مثل النقيب فرج قعيم، المنتمي للبراغثة، والمغيب في سجون حفتر بسبب محاولته استعادة سيطرة قبيلته على مواقعها شرق بنغازي، وإبراهيم الجضران المنتمي للمغاربة، والذي كان يسيطر على الهلال النفطي قبل أن يطرده حفتر بعد صفقة مع شيوخ قبيلته، مضيفاً أن "ما يشجع على دعم قبيلة الجضران لعودته عدم إنجاز الصفقة التي تمثلت في وعد حفتر بتعيين أبناء القبيلة رؤساء لمؤسسة النفط".
ويلفت بوسعدة إلى أن التحشيد العسكري الكبير الحالي حول درنة يمثل خطوةً من قبل المقربين من حفتر، وبرعاية مصرية، لإشغال تلك القوات في معركة جديدة، معتبراً في الوقت ذاته أن هذه المعركة "لن تطول بسبب حجم قوات حفتر الكبير، وصغر حجم المدينة، التي لن تحتاج إلى وقت كبير للسيطرة عليها، وبالتالي ستعود تلك الكتائب الكبيرة إلى مواقعها، وتظلّ إمكانية دخولها في فوضى وصراع للسيطرة على مواقع مهمة في بنغازي واردة جداً".
وعلى الصعيد الإقليمي والدولي، يؤكد بوسعدة أن دولاً كمصر والإمارات وفرنسا لن تجد بديلاً لحفتر، فالشروط لن تجتمع في الناظوري ولا في أحد أبناء حفتر ولا في غيرهم، بسبب الخلافات التي تنامت بين هؤلاء خلال الفترة الماضية.
ويلفت المحلل الليبي إلى "شخصية ونيس بوخمادة، قائد الصاعقة في بنغازي، الذي يلقى قبولاً بين العسكريين، لكنه صاحب شخصية ضعيفة، كما أن انتماءه القبلي سوف يلقى معارضة من خصوم قبيلته"، مؤكداً أن غياب حفتر "سيقود إلى سقوط كثير من الحسابات والمصالح لدول راهنت عليه لسنين، ولم تحسب لإمكانية غيابه في أي لحظة".
وعلى الصعيد الداخلي في المناطق الليبية الأخرى، يرى بوسعدة أن تبدأ مناطق ليبية أخرى في التقارب مع أطراف طرابلس كمجلس الدولة وفايز السراج، فمدينة الزنتان لديها ما يؤهلها لذلك، كذلك الجنوب الليبي من مصلحته ربط الصلة مع حكومة الوفاق، في ظلّ أزمات أمنية ومعيشية لا قدرة له على حلها بمعزل عن أي سلطة.
من جهته، يرى الناشط المدني من بنغازي يوسف السائح، أن سيناريو الفوضى "محتم، لا سيما بعدما أصبح وضع حفتر الصحي أكثر غموضاً بالنسبة إلى الرأي العام بعد تولي الناظوري مهمة قيادة القوات التي ستهاجم درنة"، لكن بحسب السائح، فإن "العامل الآخر الذي سيبرز قريباً، هو تفكك مجلس النواب كواجهة سياسية لحفتر وقواته".
ويوضح الناشط الليبي أن "النواب المسيطرين على قرار المجلس هم قلة، وقوة المجلس مستمدة من وجوده في أراضي سيطرة حفتر، ما يعني ضعفهم في حال غياب حفتر وتعالي أصوات المعارضين، لا سيما المنادين بقوة لتنفيذ الاتفاق السياسي والتقارب مع طرابلس"، مرجحاً "اجتماع أسباب التفكك القبلي، وتفكك المجموعات المسلحة، للإطاحة بسلطة مجلس النواب".
ويشدد السائح على أن "المشكلة مستمرة مع مجلس النواب، فهو في ظلّ وجود حفتر، طرف معرقل للاتفاق السياسي، ومعطل له أيضاً بعد غياب حفتر، والمشكلة أكبر حيث إن المجلس لن يكون له وجود أصلاً، ولا سيطرة على فصائله مستقبلاً، في غياب حفتر، وبالتالي يصبح السؤال المطروح: مع من ستتفق أطراف طرابلس؟".
وقال السائح إن حفتر "جعل بنية وطبيعة شبكة التحالفات العسكرية والسياسية التي بناها تتمحور حوله، وبالتالي فهي ستنهار تدريجياً وتدخل شرق البلاد في فوضى عارمة، في حال اختفائه، أو في أحسن الأحوال استمرار غيابه".