تتجدد المحادثات حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مع اقتراب المهلة التي حددها الاتحاد لبريطانيا لإحراز تقدم في المباحثات الأولية، والتي هي موعد القمة الأوروبية قبل عيد الميلاد القادم.
ولا تزال النقاط الأساسية محط خلاف رغم حدوث بعض التقدم على المستوى الكلي. إلا أن اقتراب الموعد النهائي من دون احتمال صفقة في الأفق، يضع العديد من الأمور على المحك.
حقوق المواطنين
دفعت بريطانيا بمقترح جديد حول حقوق المواطنين تتجاوز فيه أغلب النقاط الخلافية مع الاتحاد، حيث خلا الاقتراح من النقطة المتعلقة بتصويت المواطنين في الانتخابات المحلية والمشاركة فيها. فالأمر يعود للعلاقات الثنائية بين كل من الدول الأوروبية وبريطانيا في طرح سياساتها الخاصة بهذا الأمر.
ولكن بريطانيا تتهم المفوضية الأوروبية بعرقلة هذه الخطوة بطلبها من الدول الأوروبية عدم التفاوض مع البريطانيين بهذا الخصوص، وهو أمر تنفيه المفوضية الأوروبية.
فاتورة الطلاق
أبدت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، قبولاً بزيادة ما تستعد بريطانيا لدفعه في فاتورة البريكست، في محاولة منها لدفع عجلة المحادثات باتجاه المباحثات التجارية والفترة الانتقالية.
وكان المفاوضون البريطانيون قد عرضوا على الاتحاد الأوروبي استعداد بريطانيا لرفع قيمة عرضها، ولكن من دون قيمة محددة، وهو ما ترفضه المفوضية الأوروبية بضغط من ألمانيا، والتي تريد تعهدات رسمية من الطرف البريطاني تجاه التزاماته المالية.
وكان الاتحاد الأوروبي قد طلب من بريطانيا عرضاً واضحاً مع نهاية هذا الشهر كي يتسنى للزعماء الأوروبيين مناقشته خلال قمتهم المقبلة في ديسمبر/ كانون الأول.
إيرلندا الشمالية
طالبت إيرلندا في وثيقة مسربة من المفوضية الأوروبية بضمانات حقيقية حول وضع الحدود في إيرلندا الشمالية مع بريطانيا بعد خروج الأخيرة من الاتحاد الأوروبي.
وكان سؤال الحدود الإيرلندية قد وضع جانباً حتى يتم التعامل مع مشكلة فاتورة الطلاق، ولكن إيرلندا تريد الوصول إلى ضمانات عملية حول هذه القضية قبل القمة الأوروبية المقبلة في ديسمبر/ كانون الأول.
وترى إيرلندا أنه ومن أجل الحفاظ على اتفاق الجمعة العظيمة، يجب أن تحترم صفقة البريكست النهائية تكامل السوق الداخلية والاتحاد الجمركي الذي تنتمي إليه إيرلندا.
وترى الوثيقة أن هذا الأمر لن يتم إلا من خلال بقاء بريطانيا في الاتحاد الجمركي الأوروبي، وذلك لتجنب خلق حدود صلبة بين إيرلندا الشمالية والجمهورية الإيرلندية.
إلا أنه من غير المتوقع أن تقبل الحكومة البريطانية، والتي لم تكن على علم بالوثيقة المسربة، بهذا المقترح، لأنه سيبقي على نحو 100 من التشريعات الأوروبية، والتي تغطي الجمارك والزراعة في مكانها، وهو ما لا تريده بريطانيا بعد البريكست.
كما يبدو احتمال بقاء إيرلندا الشمالية فقط في الاتحاد الجمركي بعيد المنال أيضاً، لأن الحكومة البريطانية ترى في ذلك تقويضاً لوحدتها.
موعد الخروج من الاتحاد
وأذعن الوزراء البريطانيون، يوم أمس، لرغبة الاتحاد الأوروبي بتحديد موعد الخروج من الاتحاد وفقاً لتوقيت بروكسل، وهو ما يعني أن بريطانيا ستخرج من البنى الأوروبية رسمياً عند منتصف الليل بتوقيت بروكسل، أو الساعة الحادية عشرة من مساء الجمعة 29 مارس/ آذار 2019.
وسيتم إدراج هذا التعديل في قانون الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، الذي لا يزال محل نقاش في اللجان البرلمانية.
كما صرح اللورد كير، وهو الذي وضع المادة 50 التي طلبت بريطانيا بموجبها الانسحاب من الاتحاد، بأن زعم الحكومة بعدم إمكانية عكس البريكست خداع للجمهور البريطاني.
ويرى كير أن وضع موعد محدد لخروج بريطانيا من الاتحاد لا يعني نفي إمكانية عكس هذه العملية. فهو يرى أنه مع تكشف الحقائق على الأرض، يمكن أن يغير الناخب البريطاني رأيه، وبالتالي تستطيع الحكومة البريطانية وقت ما تشاء وقف البريكست.
تراجع النمو الاقتصادي البريطاني
مع بدء الجولة الجديدة من المحادثات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، ترى بروكسل أن بريطانيا ستصبح رجل أوروبا المريض. فقد صرحت المفوضية الأوروبية أن المملكة المتحدة ستمتلك أدنى معدلات النمو الاقتصادي بين دول الاتحاد حين مغادرتها إياه عام 2019.
ووفقاً لتوقعات المفوضية، سينمو الاقتصاد البريطاني 1.1 في المائة في عام 2019، وهو ما يضعها خلف النمو الحاصل في الكتلة الأوروبية عند 1.9 في المائة.
وبنت المفوضية الأوروبية توقعاتها هذه على اعتقاد استمرار الوضع الحالي على ما هو عليه يوم وقوع البريكست، مضيفة إلى ذلك حالة عدم الثقة التي تصيب الأعمال في بريطانيا حالياً وتأثيرها على الاستثمار.
وكانت الأعمال والشركات البريطانية والأوروبية قد طالبت بانفراج فوري لأزمة مفاوضات البريكست والوصول إلى اتفاق انتقالي بأسرع ما يمكن.
وسيلتقي زعماء الأعمال في بريطانيا والدول الأوروبية برئيسة الوزراء تيريزا ماي، يوم الاثنين المقبل، لتحذيرها من مغبة الانتظار في الوصول إلى اتفاق حول المرحلة الانتقالية التالية لتاريخ البريكست، وإلا فإن الشركات ستأخذ احتمال حالة عدم الاتفاق، وهو السيناريو الأسوأ، كأساس لتعاملاتها.
شكل النمو المطلوب
وكان رئيس الوفد المفاوض الأوروبي، ميشيل بارنييه، قد طالب بريطانيا بتوضيح رؤيتها للنمو الاقتصادي والاجتماعي الذي تريده بعد البريكست، حيث سيسمح هذا بتيسير المباحثات بين الطرفين. وعليه يمكن لبريطانيا البقاء ضمن المقاربة الأوروبية، وهو ما يتيح لها تطوير علاقات وثيقة مع دول الاتحاد، أو الالتحاق بالنموذج الأميركي الذي يضم تشريعات أقل ومنافسة أكبر.
ويأتي هذا التصريح بعد أن قال وزير التجارة الدولية البريطاني ليام فوكس، خلال استضافته لنظيره الأميركي، إن بريطانيا مستعدة للتخلي عن الضوابط الأوروبية للحصول على صفقات تجارية مع دول مثل الولايات المتحدة.
وكان وزير الاقتصاد الأميركي في زيارة له إلى لندن لبحث العلاقات التجارية بين الطرفين، قد حث بريطانيا على التخلي عن التشريعات الأوروبية وتبني المقاربة الأميركية في العلاقات التجارية.
ومن ناحية أخرى، تعاني حكومة تيريزا ماي الأمرين حالياً، نظراً لضعفها البرلماني، بالإضافة إلى تشتت حزبها بين مؤيد ومعارض لأوروبا.
ويعكس اختيار ماي لبيني موردون لتحل محل وزيرة التنمية الدولية المستقيلة بريتي باتيل، إضافة إلى تعيين غافين وليامسون في منصب وزير الدفاع بعد استقالة مايكل فالون الأسبوع الماضي، ضعف موقفها الحالي.
فوليامسون وموردون لا يتمتعان بأي خبرة سابقة تبرر تعيينهما في منصبيهما الجديدين. إلا أن المراقبين يرون أن ماي عالقة في توازن حكومي بين شقي حزبها الحاليين. فهي تحاول الحفاظ على المقاعد المخصصة لمؤيدي ومعارضي أوروبا في الحكومة. ولذلك جاء وليامسون مكان فالون، وهما مؤيدان للاتحاد الأوروبي، بينما حلت موردون مكان باتيل لكونها من جمهور البريكست.
وفي حال حاولت ماي الإخلال بهذا التحالف الحكومي وحصة كلا المعسكرين في الحكومة، فإنها ستغضب البرلمانيين المؤيدين لهذا التيار أو ذاك، وهو ما سيفقد حكومتها الأغلبية الطفيفة في البرلمان، والتي تنالها حالياً بدعم من جميع نواب حزبها إضافة إلى الحزب الاتحادي الديمقراطي.
ولكن عدم اختيار ماي لموقف محدد بذاته يعد نقطة قوة لها، حيث يخشى طرفا الحزب انهيار حكومتها ومجيء زعيم جديد للحزب من الطرف الآخر.