وتمنع العتبة البرلمانية، (10 في المائة)، كثيراً من الأحزاب الصغيرة من أن تتمثل في البرلمان، فيما تستفيد الأحزاب الكبيرة منها، إذ يمكن أن تذهب هذه الأصوات لها في حال لم تتمكن تلك الأحزاب "الصغيرة" من الحصول على النسبة الكافية. كما أن هذه النسبة تهدد أحزاب "الأقليات"، خصوصاً الأكراد، التي ترغب بدخول البرلمان أيضاً بالشكل المناسب لحجمها العددي والسياسي، علماً أن إحصاء عدد الأكراد بالتحديد في تركيا هو من المواضيع الخلافية، إذ تتراوح نسبتهم من الشعب التركي بين 10 في المائة بحسب أرقام القوميين الأتراك المناهضين عموماً للأكراد، و25 في المائة بحسب أرقام الأكراد القوميين أنفسهم.
وتم إقرار العتبة البرلمانية في الانتخابات البرلمانية، التي جرت في يونيو/حزيران العام 2015، والتي أعيدت بعد أشهر من العام ذاته، بعد فشل حزب العدالة والتنمية بالحصول على الأغلبية الكافية، وفشله في تشكيل حكومة ائتلافية، قبل أن يعود ويحصل على الأغلبية بنسبة قياسية قاربت 50 في المائة. ورأت الأوساط المتابعة أن إقرار العتبة الانتخابية في تلك الانتخابات كان هدفه حرمان أحزاب الأكراد القوميين من دخول البرلمان، بمسعى من حزب العدالة والتنمية، لأنه في حال فشل حزب الشعوب الديمقراطي بتجاوز هذه النسبة فسيحصل "العدالة والتنمية" على أصوات الناخبين الأكراد، وهو أمر دفع الناخبين المؤيدين لأحزاب المعارضة إلى التصويت بكثافة للحزب الكردي، ما جعله يقترب من عتبة تاريخية هي 14 في المائة، ليكون الكتلة الثالثة في البرلمان مع نحو 80 نائباً من أصل 550 في حينها، ويتقدم على حزب الحركة القومية. ولكن مع إعادة الانتخابات في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2015، وظهور أمل لدى المعارضة، سعى الناخبون للتصويت لأحزابهم بقوة، فارتفعت النسبة التي حصل عليها "العدالة والتنمية" و"الشعب الجمهوري"، فيما تراجعت النسبة التي حصل عليها "الشعوب الديمقراطي" الكردي، لكنه تجاوز العتبة المطلوبة للدخول إلى البرلمان واكتفى بأقل من 50 نائباً، فيما النزيف الأكبر شهده حزب الحركة القومية اليميني المتطرف، بالتراجع للمرتبة الرابعة. واقتصر التواجد في البرلمان على أربعة أحزاب فقط، رغم كثرة التنظيمات السياسية القانونية.
وتم الحديث وقتها عن أن عدم تمثيل الأكراد في البرلمان ربما يشعل مجدداً فتيل الاضطرابات الداخلية، رغم أن حزب العدالة والتنمية يدعي دائماً بأنه أكثر من أعطى الأكراد حقوقهم حالياً، بدليل أن في حزبه مرشحين أكرادا، وكذلك في الحكومة وزراء أكراد. ولدى الحزب كتلة ناخبة من الأكراد يتراوح عددها من مليون إلى مليوني ناخب. وتطالب فئة منهم بأن يستمر حزب العدالة والتنمية بالحكم، وأن يتمثل الأكراد في البرلمان أيضاً عبر حزب الشعوب الديمقراطي. ومنذ 2002، ظل العدالة والتنمية ثاني أكثر الأحزاب حصداً لأصوات الأكراد، من غير القوميين، ومن المتمولين والمتدينين خصوصاً.
وبعد التعديلات الدستورية الشاملة لعام 2017، ظلت العتبة البرلمانية 10 في المائة بالنسبة للأحزاب بينما سمح بالتحالفات ما بين الأحزاب وفرضت عليها عتبة 15 في المائة من مجمل الأصوات، وهذا هو الجديد الأبرز الذي حمله القانون الانتخابي الجديد. وبناء على القانون الجديد ظهر تحالفان فقط هما "الجمهوري"، بين حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية، بدعم غير مباشر من أحزاب أخرى، منها "الوحدة الكبرى". فيما التحالف الثاني هو "تحالف الشعب" الذي ضم أحزاب "الشعب الجمهوري"، أكبر أحزاب المعارضة، و"الجيد" الجديد المدعوم غربياً، و"السعادة"، و"الديمقراطي"، والحزبان الأخيران صغيران ولا يملكان نسبة كبيرة من الأصوات، في حين أن الحزب "الجيد" لجأ إلى تكتيك سياسي مع حليفه "الشعب الجمهوري"، إذ استقال 15 عضواً من "الشعب الجمهوري" للانضمام إلى الحزب الجديد، ما سمح له بالمشاركة في الانتخابات، إذ إن موعد الانتخابات المبكرة لم يكن يسمح للحزب بالمشاركة في الاستحقاق التشريعي ولا الرئاسي، إذ لم يمر ستة أشهر على مؤتمره التأسيسي، وليس لديه كتلة برلمانية.
وأدى انعدام قدرة "الشعوب الديمقراطي" الكردي على التحالف مع أي حزب، خصوصاً "الشعب الجمهوري" بسبب تواجد حزب قومي داخله هو "الجيد"، إلى عودة المخاوف لديه من عدم تجاوز العتبة المطلوبة. وعبر مسؤولون في "الشعوب الديمقراطي" الذي يُعتقل حالياً عدد كبير من نوابه بتهم "دعم الإرهاب"، مراراً عن هذه المخاوف، مطالبين الناخبين الأكراد بالتصويت لهم بكثافة، وإلا فإنهم سيبقون خارج البرلمان، محذرين من أن حزب العدالة والتنمية سيستفيد من عدم دخول الأكراد البرلمان، من خلال انتقال أصواتهم للحزب الحاكم الذي يتهمه القوميون الأكراد باضطهادهم. وتشير معظم استطلاعات الرأي إلى أن حزب الشعوب الديمقراطي يقترب حالياً من عتبة الـ ٩ في المائة، مع مرشحه للانتخابات الرئاسية صلاح الدين دميرطاش المسجون حالياً بتهم تتعلق بالإرهاب، فيما يؤكد حزب العدالة والتنمية أنه لا يضع في الحسبان أصوات الناخبين الأكراد ويجزم بخسارة حزبهم الأكبر. وفي الوقت الذي تظهر فيه استطلاعات الرأي أن حزب الحركة القومية لن يحصل على النسبة الانتخابية، فإن تحالفه مع حزب العدالة والتنمية سيجعله يدخل البرلمان المقبل.
وقد تدفع إشكالية العتبة الانتخابية بالناخبين من الأحزاب الأخرى للتصويت إلى "الشعوب الديمقراطي"، من أجل تشكيل تحالف واسع لاحقاً في البرلمان، وتهديد حكم الرئيس رجب طيب أردوغان. وإذا دخل حزب الشعوب الديمقراطي البرلمان، بالإضافة إلى تحالف "الشعب"، فقد تصل نسبة تمثيلهم إلى 45 في المائة وربما أكثر. كما قد يقوضون حكم أردوغان إذا تحالفوا مع المستقلين (النواب الذي يخوضون الأحزاب بلا صفة حزبية تفادياً لحاجز العتبة القانونية)، وهو الهدف الموضوع نصب أعينهم جميعاً. وفتح تصاعد المخاوف الكردية من عدم دخول حزبهم البرلمان وعمليات الجيش التركي ضد معاقل حزب العمال الكردستاني في العراق وسورية، بالإضافة إلى العمليات المتواصلة ضد المسلحين وبعض السياسيين الأكراد داخل تركيا، الباب أمام القوميين لمحاولة استغلال الأمر، بالحديث عن مساعي حزب العدالة والتنمية لتصفية الأكراد عسكرياً وسياسياً، في وقت يجهد فيه حزب العدالة والتنمية لطمأنة الناخبين الأكراد، ومحاولة استمالتهم، تارة عبر التذكير بمشاريع الحكومة في تنمية مناطقهم، وتارة باستخدام اللغة الكردية في إعلانات الحزب التي تظهر على شاشات التلفزة التركية. وشكل الهجوم المسلح على النائب في حزب العدالة والتنمية، والمرشح الحالي، إبراهيم خليل يلدز، من قبل أنصار حزب العمال الكردستاني في مدينة سوروج بولاية شانلي أورفة ذات الأغلبية الكردية، الأسبوع الماضي، وأدى إلى سقوط أربعة قتلى، بينهم شقيق النائب، وجرح تسعة، فرصة يعمل حزب العدالة والتنمية على استغلالها بشكل جيد، على اعتبار أن حزب العمال الكردستاني يستهدف أي مظاهر سلمية، خصوصاً أن النائب يلدز المستهدف هو كردي، في مسعى منه لاستمالة الناخبين الأكراد، والحصول على أصواتهم. ومع انتظار يوم الانتخابات، تبقى إشكالية العتبة الانتخابية مشكلة كبيرة بالنسبة للأحزاب الصغيرة، خصوصاً الكردية منها، من أجل الدخول إلى البرلمان.