خطوط لم يخرج عنها روبرت بالادينو، نائب المتحدثة الرسمية في وزارة الخارجية، خلال لقائه أمس الثلاثاء مع الصحافة، بقي يدور حولها في ردوده على سيل من الأسئلة عن آخر تطورات هذه القضية، من غير تحديد سقف زمني ولا حتى الإشارة إلى العقوبات التي تزمع الإدارة فرضها على من تثبت مسؤوليته في ارتكاب هذه الجريمة.
وكانت المتحدثة في البيت الأبيض ساره ساندرس قد اكتفت بالقول إن "الإدارة تدرس الخيارات المختلفة وسوف تصدر بياناً بخصوص الإجراء الذي تنوي اتخاذه". ضبابية لشراء المزيد من الوقت علّ الزمن بأحداثه وتطوراته الأميركية الكبيرة المتوقعة، يتكفل برمي الجريمة في طيات الماضي.
قبل أسبوع، أعطى البيت الأبيض إشارات عن عزمه على مغادرة موقفه الرمادي والانتقال إلى التشدد مع القيادة السعودية وتحميلها المسؤولية. لكن تبيّن أنها كانت فقاعة صابون جاءت رداً على التخريجة السعودية "البائسة" التي زعمت أن الضحية توفي على إثر "شجار" داخل القنصلية والتي انتقدها الرئيس ترامب بقوة.
كما تبين أيضاً أن تغيير البيت الأبيض للهجته آنذاك، حصل من باب الاستعداد للتعامل مع فضيحة دموية كان الرئيس رجب طيب أردوغان قد وعد "بتعريتها". لكن اكتفاء الرئيس التركي بترك الأصبع على الزناد من دون الضغط عليه وتغيير الرياض لروايتها واعترافها بالقتل "المدبر"، أعطى الإدارة فسحة للعودة إلى العموميات التي لا لون لها، على الأقل إلى ما بعد الانتخابات، وهي فترة قد تمتد إلى بدء دورة الكونغرس الجديد في مطلع العام المقبل.
لكن الإدارة تعرف أن الإعلام عازم على عدم ترك هذه القضية وعازم على ملاحقتها، فبعد شهر ما زالت من بين أولوياته، احتفظ بها وإن بدرجة أخف حتى في الأيام الأخيرة، برغم زحمة المواضيع الضاغطة – قصة الطرود ومجزرة بيتسبرغ والانتخابات –؛ وساعد في بقائها حاضرة أنها جاءت في وقت تخوض فيه الصحافة معركة مفتوحة مع الرئيس ترامب، ومقتل خاشقجي يعطيها شحنة زخم، باعتباره صحافيا كان يكتب في "واشنطن بوست" بالتالي فإن قضيته جزء من هذه المعركة.
تعطي الصحافة ورقة قوية ضاغطة على الرئيس لمحاسبة السعودية ولو أن هذا ليس خياره، لكن المطالبة هذه تربكه، خاصة أن المملكة هبط رصيدها بدرجة كبيرة في واشنطن بعد الجريمة، ليس فقط في معظم وسائل الإعلام المؤثرة، بل أيضاً في الكونغرس ومراكز الدراسات والأبحاث وحتى في أوساط شركات العلاقات العامة التي كانت السعودية تستعين بحوالي 12 منها وبملايين الدولارات لتلميع صورتها وتسويق مصالحها في أروقة القرار ومصانع الرأي في واشنطن.
في آخر المعلومات أن ثلاثة منها أوقفت العمل بعقودها مع المملكة، كما أوقفت 3 مراكز أبحاث، بروكنغز ومؤسسة الشرق الأوسط ومركز الدراسات الدولية والاستراتيجية، تعاونها مع السفارة السعودية في واشنطن. والمتداول أن المملكة كانت قد أنفقت "حوالي مئة مليار دولار" لتحسين السمعة بعد هجمات سبتمبر/أيلول 2001، وقد نجحت إلى حد ما.
لكن الزمن تغيّر، فالمملكة كانت أكثر تماسكاً واستقراراً مما هي عليه اليوم. التسويق صار أصعب، ليس في واشنطن متعاطف مع الرياض الآن إلا ترامب ولفيفه. جريمة خاشقجي زعزعت العلاقات ولو أنها محكومة بالاستمرار، بشكل أو بآخر.