لم يكن ممكناً أن يمرّ انتخاب صادق خان، أول رئيس بلدية في لندن، من أصول إسلامية، عن وسائل الإعلام، مرور الكرام في فرنسا، تحديداً لدى الدوائر اليمينية والصهيونية أيضاً. ويُعدّ هذا الأمر تحدياً كبيراً لفرنسا ولقدرتها على الادماج والتذويب، كما يصرّ مفكروها وسياسيوها على القول منذ الثورة الفرنسية (1789).
وعلى الرغم من أن عمدة باريس الحالية، آن هيدالغو، وهي من أصول إسبانية، قد عبّرت عن سعادتها لانتخاب صادق خان عمدة لبلدية لندن، ورأت في الأمر، "مثالاً، يجب الاقتداء به، كون خان، تقدميّاً وإنسانياً وديمقراطياً، في آنٍ واحد. وبالتالي، مثالٌ لنا"، إلا أن استطلاعات الرأي التي أجريت في فرنسا بعد انتخاب خان، كشفت أن معظم الفرنسيين لا يوافقون على انتخاب عمدة مسلم لمدينة باريس، ما يعني أن توقعات الروائي الفرنسي، ميشال ويلبيك، عن رئيس مسلم لفرنسا سنة 2022 لا أساس لها، أو عليها أن تنتظر فترة أطول.
وهذا ما يفسره مدير موقع "غري بريطاين" الصحافي البريطاني، ناثانييل أوهل، لموقع "أتلانتيكو" الإخباري الفرنسي، حين يُشدّد على أن "رؤية عمدة مسلم لباريس ليس ممكناً، لأنه إذا أظهر المُرشّح انتماءه لطائفته الدينية، فإن اليسار سيتهمه، على الفور، بأنه ذو نزوع جماعاتي (طائفي)". ويضيف "ذلك لأن اليسار الفرنسي منغلقٌ في رؤيته الضيقة للعلمانية، والتي أصبحت سلاح حرب ضد الديانات، بدلاً من أن يكون ضمانة للجميع في أن يؤمن أو لا يؤمن. باريس تريد عمدة يتحدرُ من الطبقات الوسطى أو من طبقات وسطى عليا واعية، ولهذا السبب تم انتخاب، برتراند ديلانويه، ابن تونس، الذي كان من الأطر العليا في الاتصالات، عمدة لباريس".
كما يشير إلى أنه "في باريس يحلو الادّعاء أن التنوّع ثراءٌ، لكن من دون أن نعيشه، كما هو الحال في بعض مدن الضواحي. وفي هذا الصدد فإن الضواحي أكثر طليعيّة من العاصمة، لأنها نجحت في بعض المناطق (على الرغم من أنه لا تزال محدودة) في جعل التنوّع، الإثني أو الديني، ثراءً حقيقياً. ولكننا نجد كثيراً من الناس من ذوي التوجهات اليسارية، فيما يتعلق بالقِيّم الاقتصادية والاجتماعية، يدافعون عن أطروحات (الفيسلوف) آلان فينكلكروت، وهو ما يُمثّل هزيمة فكر اليسار، في نظري".
وقد كان فينكلكروت، في لقائه موقع "كوزور"، أول "المتأسفين" على انتخاب صادق خان، ورأى "أن انحدار أي مرشح من وسط اجتماعي راقٍ يعتبر عائقاً أمامه". وهو إشارة إلى هزيمة زاك غولدسميث، منافس خان، الذي يتحدر من "شريحة مثقفة". ولم يَفت فينكلكروت، الإشارة إلى أن "حزب العمال البريطاني، الذي ينتمي إليه العمدة الجديد للندن، تخترقه تيارات قوية معادية للسامية".
كما يستشهد بتصريحات نسبت لعمدة لندن العمالي السابق، كين ليفينسغتون، وأخرى نُسبَت إلى كاظم حسين، العمدة السابق لمدينة برادفورد، يدين فيها النظام التعليمي البريطاني، الذي "لا يتحدث سوى عن آن فرانك وستة ملايين صهيوني قُتلوا على يد (الزعيم النازي أدولف) هتلر". ويضيف فينكلكروت أن "رئيسة الاتحاد الوطني للطلاب في بريطانيا، ماليا بوتيا، وَصفت جامعة برمنغهام بأنها رأس الجسر الصهيوني في التعليم العالي البريطاني".
من جهته، يسخر الصحافي الفرنسي، لوك روزينزفيغ، من "مظاهر الترحيب التي انتشرت في الكثير من الصحف الفرنسية بانتخاب خان". وينتقد افتتاحية صحيفة "لو موند" لأنها "كشفت عار الطبقة السياسية الفرنسية"، لأنه وفقاً للصحيفة، فإنه "في فرنسا، بعض الأماكن مخصصة في الحكومة للعناصر الواعدة في الأوساط المتحدرة من الهجرة. ولكن المقاعد التي تمتلك حظوظاً في أن يتِمَّ انتخابُها في قوائم الأحزاب لا يصل إليها هؤلاء المتحدرون من الهجرة. إنه خطأ استراتيجي، ندفع ثمنه غالياً".
ويعطي روزينزفيغ مثالاً على ذلك، وهو رشيدة داتي، عمدة المقاطعة السابعة في باريس، ويقول إنها "مُنحت هذه الوظيفة، على الرغم من أنها لم تفعل شيئاً حتى تستحقها". ثم يعود روزينزفيغ إلى خان، فيتهمه بأنه "دافَع عن المتطرفين المسلمين من كل الاتجاهات، كما عمل مستشاراً قضائياً لدى المجلس الإسلامي في بريطانيا الذي كانت له، خلال فترة، علاقات مع إسلامويين راديكاليين". ويعيب الصحافي الفرنسي على خان "امتداحه العلني الشيخ يوسف القرضاوي". وقد اختار لوك روزينزفيغ لمقاله عنوان "صادق خان، الانتهازي"، ونقرأ فيه أن: "السيد صادق خان، الليبرالي، اليوم، لعب، سنة 2010، الورقة الدينية حتى يعاد انتخابه". ولا يخفي الصحافي الفرنسي قلقه من "وصول صادق خان الطموح والانتهازي، يوماً، إلى قيادة حزب العمال البريطاني. الخطاب يتغير. وهو يُصوّت من أجل الزواج المثليّ، ويداعب اليهود (وقد تحوّل 180 درجة حول مقاطعة البضائع الإسرائيلية)".