قمّة "التعاون الإسلامي"... تكريس التحالف السعودي التركي

14 ابريل 2016
لقاء وزراء خارجية دول منظمة التعاون الاسلامي (أنورو كوبان/الأناضول)
+ الخط -
تنعقد اجتماعات مؤتمر القمة الإسلامي الثالث عشر على مستوى رؤساء الدول، اليوم الخميس في مدينة إسطنبول التركية، في ظلّ تطورات استثنائية يشهدها الشرق الأوسط والعالم، لم تكن بهذه الحدّة منذ المؤتمر الأخير في مصر عام 2013. يحضر القمة، التي تنتهي غداً الجمعة، أكثر من 30 رئيساً ورئيس حكومة، تحت شعار "الوحدة والتضامن من أجل العدالة والسلام"، ومن المتوقع أن يتم فيها إقرار الخطة العشرية 2015 ـ 2025، التي تحدد الخطوط العامة والأدوار التي تؤديها دول منظمة التعاون الإسلامي، في مجالات متعددة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية.

وقد تميّزت المنظمة منذ تأسيسها تحت اسم منظمة "المؤتمر الإسلامي" في الرباط المغربية في سبتمبر/أيلول 1969، بعد حريق المسجد الأقصى في أغسطس/آب من العام ذاته، بالطابع البروتوكولي. وطُرحت وقتها "مبادئ الدفاع عن شرف وكرامة المسلمين"، المتمثلة في القدس وقبة الصخرة. وذلك كمحاولة لإيجاد قاسم مشترك بين جميع فئات المسلمين، لكن المنظمة بقيت عاجزة عن أداء أي دور حقيقي على المستوى السياسي، بين الدول الأعضاء، سواء لتخفيف حدة التوتر والخلافات بينها، أو حتى توحيدها في استراتيجيات حقيقية، من شأنها أن تحسن صورة الإسلام وتدعم اقتصاديات الدول في المنظمة، التي تكاد تكون تجمّعاً لدول العالم الثالث الفقيرة.

تنبع أهمية المؤتمر الحالي، من الظرف الاستثنائي الذي تمرّ به منطقة الشرق الأوسط، في ظل المساعي المبذولة لحلحلة الخلافات الإسلامية ـ الإسلامية، التي كان لها دور أساسي في حالة التدهور التي وصلت إليها الأمور، في كل من سورية واليمن وليبيا والعراق ومصر، وبالذات بسبب الخلافات الإيرانية ـ السعودية في كل من اليمن والعراق وسورية، وكذلك في ظل خلافات تركية ـ سعودية في كل من سورية ومصر وليبيا، تم تجاوزها بشكل كبير منذ بداية العام الماضي، بعد وصول العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز إلى الحكم، وتولي الإدارة السعودية الجديدة السلطة.

تقود كل من الرياض وأنقرة محاولات إحياء المنظمة، إذ يرى الجانبان في المنظمة غطاء للتحالف الذي بات يجمعهما في المنطقة على مستويات عدة، أهمها مواجهة النفوذ الإيراني، وكذلك مواجهة محاولات التدخل الروسي عبر البوابة السورية لصالح دعم النظام السوري.

بالنسبة للسعودية، وفي ظل الدور المتنامي الذي تحاول المملكة أداءه لمواجهة إيران بعد الانسحاب الأميركي في المنطقة، فإنها ترى في المنظمة "استكمالاً للتحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب"، الذي أعلنت عنه الرياض في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، وتوّجته بمناورات "رعد الشمال"، التي شاركت فيها 20 دولة من التحالف الإسلامي وأكثر من 150 ألف جندي، ردت عليه إيران بمناورات "الرسول الأعظم" الهجومية قبل أيام.


أما تركيا فإنها ترى في المنظمة، التجمّع الوحيد الذي يحقق الطموحات التركية بتوسيع نفوذها السياسي بين الدول الإسلامية، من دون أن تضطر لتقديم تنازلات أيديولوجية تتعارض مع تقاليد السياسة الخارجية، القاضية بالابتعاد عن الاصطفافات المذهبية أو الدينية، أو مع تحالفاتها التاريخية، ممثلة بحلف شمال الاطلسي، وكذلك وسيلة لدعم موقفها سواء في العداء الذي انفجر أخيراً مع روسيا، أو في الصراع التقليدي التاريخي مع أوروبا.
كما تشهد القمة العديد من الأحداث المهمة، وعلى رأسها رفع التمثيل المصري ليكون على مستوى وزير الخارجية المصري، والذي سيحضر لتسليم قيادة القمة إلى الإدارة التركية، بما يمكن اعتباره أرفع تواصل دبلوماسي بين الجانبين منذ الانقلاب الذي قاده الجنرال عبد الفتاح السيسي على الرئيس محمد مرسي في يوليو/تموز 2013. كما ستكون القمة ساحة لأول اجتماع للقيادتين السعودية والإيرانية في مكان واحد، بحضور كل من الرئيس الإيراني حسن روحاني والملك سلمان بن عبد العزيز القمة.

بالإضافة إلى ذلك، ستكون القمة بمثابة أول اعتراف بشرعية الحكومة الليبية الجديدة، بقيادة فائز السراج، الذي سيمثل بلاده فيها، سواء من ناحية داعمي حكومة الإنقاذ الليبية في العاصمة طرابلس، أو لداعمي برلمان طبرق.

في غضون ذلك، يبدو أن الدول المشاركة في القمة تمكنت من تجاوز خلافاتها، وبحسب وكالة الانباء الإسلامية الدولية التابعة للمنظمة، فقد انتهت لجنة الخبراء من صياغة مشروع البيان الختامي، الذي جاء في 37 صفحة ضمن 196 فقرة، تناولت مختلف القضايا الإسلامية بدءاً بفلسطين التي خصّها الخبراء بمشروع قرار أكد على مركزية القضية الفلسطينية، وأن السلام لن يتحقق إلا بانسحاب الكيان الصهيوني من الأراضي المحتلة في 1967، وفي مقدمتها القدس المحتلة. كما تدعو القمة، في مشروع بيانها، المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية إلى تحريك الدعوة المقدمة من دولة فلسطين، مبدية دعمها لدعوة فلسطين عقد مؤتمر دولي، لإنهاء الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين، كما تطالب المجتمع الدولي بالضغط على اسرائيل لرفع الحصار الظالم على قطاع غزة.
ويهتم البيان الختامي بالوضع القائم في لبنان، ويخصّه بأربع فقرات من دون الإشارة لحزب الله، لا إيجاباً ولا سلباً، ويرحب بالحوار القائم بين الأطراف اللبنانية، كما يؤكد على الصيغة اللبنانية والتعددية الفريدة القائمة على المناصفة بين المسيحيين والمسلمين والعيش المشترك.

وتخصص القمة مطالب وجهت لإيران في خمس فقرات، أهمها دعوتها إلى مبادئ حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، واحترام استقلالها وسيادتها ووحدة أراضيها، والامتناع عن استخدام القوة أو التهديد بها.

وتدين القمة أيضاً الاعتداءات التي تعرضت لها بعثات السعودية في إيران، وتجدّد رفضها لما سمتها "التصريحات التحريضية بعد أحكام القضاء السعودي حول مرتكبي جرائم إرهابية"، كما تدين وبوضوح تدخلات إيران في كل من البحرين واليمن وسورية والصومال واستمرارها في دعمها للإرهاب، على حد تعبير البيان.

وفي الختام يرحّب البيان الختامي بتوقيع الاتفاق السياسي الليبي، وبتشكيل المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق الوطني، ويُشدّد على أهمية التحول الديمقراطي السليم، واعتماد دستور جديد، وبناء ليبيا ديمقراطية جديدة، داعياً كل الدول إلى الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية الليبية، بما فيها توريد الأسلحة واستخدام وسائل الإعلام للتحريض على العنف، ومبدياً معارضته لأي تدخل عسكري في ليبيا، وهي إضافة مقترحة من الجزائر.