نفّذ قائد الجيش الجزائري، الفريق أحمد قايد صالح، تهديداته التي أطلقها قبل أيام، وذلك بعد اعتقال السعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس المتنحي، عبد العزيز بوتفليقة، والقائد الأسبق لجهاز الاستخبارات، الفريق محمد مدين المعروف بتوفيق (أقيل من منصبه في سبتمبر/أيلول 2015)، وكذلك القائد السابق للجهاز نفسه، الجنرال بشير طرطاق الذي أنهيت مهامه قبل أسبوعين، لتسقط بذلك أبرز شخصيات الدائرة الضيفة التي كانت تهيمن على الحكم في عهد بوتفليقة. وإذا كانت هذه الضربة التي نفّذت أول من أمس السبت، قد تركت ارتياحاً شعبياً كبيراً، كونها تمثّل استجابة لأبرز مطالب الحراك الشعبي المتعلقة بمحاسبة شقيق بوتفليقة الذي تُوجّه إليه اتهامات بالتلاعب بختم الرئاسة وقادة الاستخبارات، فإنّ حالة من الترقّب السياسي تسود في البلاد بشأن ما إذا كان استكمال الجيش تطهير المشهد من الأذرع السياسية والأمنية، سيسهم في فتح الباب واسعاً أمام حلّ سياسي للأزمة الراهنة، بما يحقق المطالب المركزية للحراك الشعبي.
وبحسب مصدر أمني رفيع تحدّث لـ"العربي الجديد"، فقد قضى كل من مدين وطرطاق، ليلتيهما الأخيرتين، في السجن العسكري في مدينة البليدة (60 كيلومتراً جنوبي العاصمة الجزائرية)، والذي نقلا إليه للتحقيق معهما بتهمة "التآمر على الجيش والاتصال بجهات أجنبية، والإخلال بواجب التحفظ الذي ينصّ عليه قانون فبراير/شباط 2016"، والذي يفرض على العسكريين عدم التدخّل في الشأن السياسي والمساس بمؤسسات الدولة. بدوره، قضى السعيد بوتفليقة، بحسب المصدر نفسه، ليلتيه في مركز للتحرّي تابع لجهاز الاستخبارات في العاصمة الجزائرية، وذلك للتحقيق معه بتهم "انتحال صفة غير دستورية، والتخطيط لإعلان حالة الطوارئ، والتمهيد، باسم شقيقه، لإقالة قائد الأركان الفريق أحمد قايد صالح، والمساس بالجيش".
وأكّد المصدر أنّ القضاء العسكري يستعدّ أيضاً لاستدعاء وزير الدفاع الأسبق خالد نزار، بشأن اتصالات جرت بينه وبين شقيق بوتفليقة في السابع والـ30 من مارس/آذار الماضي، بشأن مقترح للأخير بإعلان حالة الطوارئ باسم الرئيس، وإقالة قائد الأركان من منصبه. وكذا، الاستماع إلى إفادة الرئيس السابق ليامين زروال، بشأن شهادته حول اجتماع عقد في 30 مارس الماضي، وجمع الرئيس السابق بمدين وطرطاق وشقيق بوتفليقة، بهدف إنشاء هيئة رئاسية يقودها زروال على أن تنقل إليها صلاحيات رئيس الجمهورية لفترة انتقالية، وبهدف منع قائد الجيش من السيطرة على سلطة القرار. وكان الجيش تحدّث عن اجتماعات وصفها بـ"المشبوهة"، كانت تستهدف بحسب بياناته، التخطيط لإقالة قائد الأركان من منصبه قبيل استقالة بوتفليقة، ثمّ عرقلة حلّ الأزمة، وإعطاب مساعي قيادة الأركان في هذا الشأن، وتخريب الحراك الشعبي بعد استقالة الرئيس.
وكشفت مصادر مسؤولة لـ"العربي الجديد"، أنه "بالإضافة إلى أنّ قيادة الجيش كانت تراقب الاجتماع والاتصالات، فإنّ كلا من نزار وزروال أبلغا وقتها هذه القيادة بالمخطط، وهو ما دفع الأخيرة إلى إصدار بيانين، الأوّل مساء 30 مارس الماضي، لكشف الأمر أمام الرأي العام، والثاني في 2 إبريل الماضي لفرض الاستقالة على بوتفليقة، ودفعه إلى مغادرة الحكم، وتطبيق المادة 102 من الدستور التي تقرّ شغور منصب الرئيس بشكل فوري، على أن تنقل الصلاحيات إلى رئيس مجلس الأمة".
وأكدت المصادر نفسها أنّ "قيادة الجيش رصدت حينها اتصالات بين مدين ومسؤول أمني فرنسي تربطه علاقات عمل سابقة معه، أبلغه فيها الأخير بعدم وجود اعتراض فرنسي على خطة إنشاء هيئة رئاسية في الجزائر"، موضحةً أنّ "قيادة الجيش شعرت بوجود مؤامرة، وإخلال باتفاق تمّ بين قايد صالح والرئيس بوتفليقة في 11 مارس الماضي، يقضي بأن يقدّم الأخير استقالته عند نهاية عهدته الرئاسية في 28 إبريل، بما يسمح للجيش بتوفير الظروف كافة لضمان انتقال سلس وآمن للسلطة".
وأشارت المصادر إلى أنّ "التحقيقات الأولى التي قامت بها أجهزة الأمن مع مسؤول رفيع كان يدير الحي السكني الرسمي للدولة حيث يقيم كبار المسؤولين، وهو عبد الحميد ملزي (اعتقل في وقت سابق داخل فندق الشيراتون في الضاحية الغربية للعاصمة الجزائرية)، كشف عن معلومات مهمة ومثيرة تتعلق بالمخطط الذي كانت تتوجه إليه مجموعة شقيق الرئيس وقادة الاستخبارات، وهو ما دفع قيادة الجيش إلى إعطاء الأوامر لثلاث وحدات من الأمن الداخلي (فرع تابع للاستخبارات) إلى توقيف الشخصيات الثلاث، بأمر من النائب العام العسكري".
اقــرأ أيضاً
وإضافة إلى الدوافع الأمنية والقضائية لتوقيف ما توصف بـ"رؤوس العصابة"، فإنّ قراءات أخرى للخطوة، تزامناً مع الجمعة الـ11 من الحراك الشعبي، تذهب إلى أنّ إقدام الجيش على اعتقال هذه الشخصيات التي كانت ذات نفوذ كبير في البلاد على مدار عقدين، يدخل في إطار مسعى المؤسسة العسكرية إلى ترميم العلاقة مع الشعب، خصوصاً بعد بروز مؤشرات تصادم واضحة في الخيارات بين مطالب الشارع الذي يريد محاكمة "رؤوس العصابة" واعتقال شقيق بوتفليقة والسير بالحلّ السياسي ورحيل رموز النظام السابق: رئيس الدولة عبد القادر بن صالح، ورئيس الحكومة نور الدين بدوي، وبين خيار الجيش الذي يتمسّك بالحل الدستوري، وببقاء بن صالح وبدوي. وتذهب بعض القراءات كذلك إلى اعتبار الخطوة، محاولة من قايد صالح لاسترضاء الحراك الشعبي واستعادة مصداقيته ومؤسسته، لا سيما بعد بروز لافتات وشعارات متشنجة في تظاهرات الجمعة الـ11، اتجاه الجيش وقائد الأركان، بسبب تردد مواقفه. ومن الشعارات التي ظهرت "الجيش جيشنا والقائد خاننا"، و" قايد صالح حامي العصابة"، في وقت اعتبر بعض المتظاهرين أنّ هناك اتفاقا غير معلن بين قائد الجيش وعائلة بوتفليقة، لعدم التعرض لأفرادها. وبقدر ما فاجأت الاعتقالات الأخيرة الحراك الشعبي والقوى السياسية، فإنها تطرح في الوقت نفسه تساؤلات عميقة عن مدى إسهام ذلك في حلحلة الأزمة، وما إذا كان الوضع قد أصبح مفتوحاً ومهيّأً لطرح حلّ سياسي والمضي به.
وفي هذا السياق، قال القيادي في حزب "جيل جديد"، إسماعيل سعيداني، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "توقيف السعيد وتوفيق وطرطاق له ما يبرره، والضربة موجعة للعصابة التي كانت تسيطر على مفاصل الحكم"، مضيفاً أنّ "توقيف السعيد وتوفيق له أكثر من دلالة أهمها أنّ المؤسسة العسكرية أصبحت صاحبة المبادرة وليس الرئاسة". وأشار سعيداني إلى أنّ هذه الخطوة ستسهم في "تنظيف الساحة السياسية من كل ما يمكن أن يعرقل تحقيق المطلب الأساسي للحراك والمتمثل في المضي إلى مرحلة انتقالية تحضّر لما بعد نظام بوتفليقة بطريقة توافقية سلسة، تؤدي إلى انتخابات نزيهة وبناء دولة ديمقراطية".
من جانبه، رأى الناشط في الحراك الشعبي، عبد الغني بادي، أنه "من المبكر الحكم على علاقة هذه التوقيفات والتطورات بتسريع الذهاب نحو ما قد يزاوج بين الحلين السياسي والدستوري"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد": "من المؤكّد أنّ هذه الشخصيات كانت تعيق الحلّ السياسي بسبب الامتدادات والأذرع التي تملكها في مختلف مفاصل الدولة، لكن أيضاً يتعيّن على الفاعلين السياسيين والمدنيين أن ينتقلوا إلى مرحلة طرح الآليات الواضحة والأجندة الزمنية لوضع الحلّ السياسي موضع التنفيذ"، وهو ما يمكن أن تفرزه الندوة الموسعة التي دعت إليها قوى المعارضة والمقرر عقدها خلال أيام.
لكنّ رئيس الحكومة الأسبق، مولود حمروش، رأى أنّ الوضع ما زال غامضاً على صعيد الأفق السياسي، مشدداً على ضرورة عدم الوصول إلى نقطة تصادم بين الخيارات الشعبية التي تطالب بحلّ سياسي، وبين خيار الجيش المتمسّك بالحلّ الدستوري.
ونشر حمروش، أمس الأحد، مقالاً في جريدة "الخبر" المحلية، قال فيه إنه "بعد أحد عشر أسبوعاً على انطلاق الحراك، لم يزدد الاستقرار متانة، ولم تُحدّد آفاق واضحة، بالرغم من ضخامة الحراك ووحدته وسلميته طيلة كل هذه الجمع". وأضاف "لهذا نلاحظ أنّ الشعب والجيش ما زالا وحيدين، وعليهما ألا يديرا ظهريهما لبعضهما ولا أن يتجابها"، مشيراً إلى أنه يتعين على الجيش ألا "يقف ضدّ طموحات الشعب، لأن الأخير لا يريد أن يُحكم، كما في السابق، بواجهات سياسية مفبركة، واجهات طابعها نقص الذمة وقلة الحياء وغياب روح المسؤولية والواعز الأخلاقي. الحراك ألغى كل هذه الواجهات وهذه التصرفات غير الشرعية".
واعتبر حمروش أنه لن يكون هناك معنى لتغيير الأشخاص وواجهات الحكم، من دون الشروع في بناء دستور ومؤسسات دستورية قوية. وقال "سيكون من السذاجة بمكان الاعتقاد بأنّ استبدال الأشخاص لوحده سيكون جواباً شافياً، وأن تعويض هؤلاء بآخرين جدد ذوي نزاهة وأكثر التزاماً سيضمن تحقيق كل آمال الحراك. كما أنّ استبدال الأشخاص لن يشكّل ضمانة قوية لتحقيق الحكم الجيّد والعدل المنزه، فالأولوية يجب أن تتجه إلى استخلاف الرجال بدستور حقيقي، ومؤسسات فعلية تمارس سلطات الترخيص والضبط والتأهيل والرقابة والتحكيم لإعادة وضع المعيار الشرعي، وإقامة الرقابة والمراقبة على كل الوظائف وعلى ممارسة أي مسؤولية".
اقــرأ أيضاً
وبحسب مصدر أمني رفيع تحدّث لـ"العربي الجديد"، فقد قضى كل من مدين وطرطاق، ليلتيهما الأخيرتين، في السجن العسكري في مدينة البليدة (60 كيلومتراً جنوبي العاصمة الجزائرية)، والذي نقلا إليه للتحقيق معهما بتهمة "التآمر على الجيش والاتصال بجهات أجنبية، والإخلال بواجب التحفظ الذي ينصّ عليه قانون فبراير/شباط 2016"، والذي يفرض على العسكريين عدم التدخّل في الشأن السياسي والمساس بمؤسسات الدولة. بدوره، قضى السعيد بوتفليقة، بحسب المصدر نفسه، ليلتيه في مركز للتحرّي تابع لجهاز الاستخبارات في العاصمة الجزائرية، وذلك للتحقيق معه بتهم "انتحال صفة غير دستورية، والتخطيط لإعلان حالة الطوارئ، والتمهيد، باسم شقيقه، لإقالة قائد الأركان الفريق أحمد قايد صالح، والمساس بالجيش".
وأكّد المصدر أنّ القضاء العسكري يستعدّ أيضاً لاستدعاء وزير الدفاع الأسبق خالد نزار، بشأن اتصالات جرت بينه وبين شقيق بوتفليقة في السابع والـ30 من مارس/آذار الماضي، بشأن مقترح للأخير بإعلان حالة الطوارئ باسم الرئيس، وإقالة قائد الأركان من منصبه. وكذا، الاستماع إلى إفادة الرئيس السابق ليامين زروال، بشأن شهادته حول اجتماع عقد في 30 مارس الماضي، وجمع الرئيس السابق بمدين وطرطاق وشقيق بوتفليقة، بهدف إنشاء هيئة رئاسية يقودها زروال على أن تنقل إليها صلاحيات رئيس الجمهورية لفترة انتقالية، وبهدف منع قائد الجيش من السيطرة على سلطة القرار. وكان الجيش تحدّث عن اجتماعات وصفها بـ"المشبوهة"، كانت تستهدف بحسب بياناته، التخطيط لإقالة قائد الأركان من منصبه قبيل استقالة بوتفليقة، ثمّ عرقلة حلّ الأزمة، وإعطاب مساعي قيادة الأركان في هذا الشأن، وتخريب الحراك الشعبي بعد استقالة الرئيس.
وكشفت مصادر مسؤولة لـ"العربي الجديد"، أنه "بالإضافة إلى أنّ قيادة الجيش كانت تراقب الاجتماع والاتصالات، فإنّ كلا من نزار وزروال أبلغا وقتها هذه القيادة بالمخطط، وهو ما دفع الأخيرة إلى إصدار بيانين، الأوّل مساء 30 مارس الماضي، لكشف الأمر أمام الرأي العام، والثاني في 2 إبريل الماضي لفرض الاستقالة على بوتفليقة، ودفعه إلى مغادرة الحكم، وتطبيق المادة 102 من الدستور التي تقرّ شغور منصب الرئيس بشكل فوري، على أن تنقل الصلاحيات إلى رئيس مجلس الأمة".
وأكدت المصادر نفسها أنّ "قيادة الجيش رصدت حينها اتصالات بين مدين ومسؤول أمني فرنسي تربطه علاقات عمل سابقة معه، أبلغه فيها الأخير بعدم وجود اعتراض فرنسي على خطة إنشاء هيئة رئاسية في الجزائر"، موضحةً أنّ "قيادة الجيش شعرت بوجود مؤامرة، وإخلال باتفاق تمّ بين قايد صالح والرئيس بوتفليقة في 11 مارس الماضي، يقضي بأن يقدّم الأخير استقالته عند نهاية عهدته الرئاسية في 28 إبريل، بما يسمح للجيش بتوفير الظروف كافة لضمان انتقال سلس وآمن للسلطة".
وأشارت المصادر إلى أنّ "التحقيقات الأولى التي قامت بها أجهزة الأمن مع مسؤول رفيع كان يدير الحي السكني الرسمي للدولة حيث يقيم كبار المسؤولين، وهو عبد الحميد ملزي (اعتقل في وقت سابق داخل فندق الشيراتون في الضاحية الغربية للعاصمة الجزائرية)، كشف عن معلومات مهمة ومثيرة تتعلق بالمخطط الذي كانت تتوجه إليه مجموعة شقيق الرئيس وقادة الاستخبارات، وهو ما دفع قيادة الجيش إلى إعطاء الأوامر لثلاث وحدات من الأمن الداخلي (فرع تابع للاستخبارات) إلى توقيف الشخصيات الثلاث، بأمر من النائب العام العسكري".
وإضافة إلى الدوافع الأمنية والقضائية لتوقيف ما توصف بـ"رؤوس العصابة"، فإنّ قراءات أخرى للخطوة، تزامناً مع الجمعة الـ11 من الحراك الشعبي، تذهب إلى أنّ إقدام الجيش على اعتقال هذه الشخصيات التي كانت ذات نفوذ كبير في البلاد على مدار عقدين، يدخل في إطار مسعى المؤسسة العسكرية إلى ترميم العلاقة مع الشعب، خصوصاً بعد بروز مؤشرات تصادم واضحة في الخيارات بين مطالب الشارع الذي يريد محاكمة "رؤوس العصابة" واعتقال شقيق بوتفليقة والسير بالحلّ السياسي ورحيل رموز النظام السابق: رئيس الدولة عبد القادر بن صالح، ورئيس الحكومة نور الدين بدوي، وبين خيار الجيش الذي يتمسّك بالحل الدستوري، وببقاء بن صالح وبدوي. وتذهب بعض القراءات كذلك إلى اعتبار الخطوة، محاولة من قايد صالح لاسترضاء الحراك الشعبي واستعادة مصداقيته ومؤسسته، لا سيما بعد بروز لافتات وشعارات متشنجة في تظاهرات الجمعة الـ11، اتجاه الجيش وقائد الأركان، بسبب تردد مواقفه. ومن الشعارات التي ظهرت "الجيش جيشنا والقائد خاننا"، و" قايد صالح حامي العصابة"، في وقت اعتبر بعض المتظاهرين أنّ هناك اتفاقا غير معلن بين قائد الجيش وعائلة بوتفليقة، لعدم التعرض لأفرادها. وبقدر ما فاجأت الاعتقالات الأخيرة الحراك الشعبي والقوى السياسية، فإنها تطرح في الوقت نفسه تساؤلات عميقة عن مدى إسهام ذلك في حلحلة الأزمة، وما إذا كان الوضع قد أصبح مفتوحاً ومهيّأً لطرح حلّ سياسي والمضي به.
وفي هذا السياق، قال القيادي في حزب "جيل جديد"، إسماعيل سعيداني، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "توقيف السعيد وتوفيق وطرطاق له ما يبرره، والضربة موجعة للعصابة التي كانت تسيطر على مفاصل الحكم"، مضيفاً أنّ "توقيف السعيد وتوفيق له أكثر من دلالة أهمها أنّ المؤسسة العسكرية أصبحت صاحبة المبادرة وليس الرئاسة". وأشار سعيداني إلى أنّ هذه الخطوة ستسهم في "تنظيف الساحة السياسية من كل ما يمكن أن يعرقل تحقيق المطلب الأساسي للحراك والمتمثل في المضي إلى مرحلة انتقالية تحضّر لما بعد نظام بوتفليقة بطريقة توافقية سلسة، تؤدي إلى انتخابات نزيهة وبناء دولة ديمقراطية".
من جانبه، رأى الناشط في الحراك الشعبي، عبد الغني بادي، أنه "من المبكر الحكم على علاقة هذه التوقيفات والتطورات بتسريع الذهاب نحو ما قد يزاوج بين الحلين السياسي والدستوري"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد": "من المؤكّد أنّ هذه الشخصيات كانت تعيق الحلّ السياسي بسبب الامتدادات والأذرع التي تملكها في مختلف مفاصل الدولة، لكن أيضاً يتعيّن على الفاعلين السياسيين والمدنيين أن ينتقلوا إلى مرحلة طرح الآليات الواضحة والأجندة الزمنية لوضع الحلّ السياسي موضع التنفيذ"، وهو ما يمكن أن تفرزه الندوة الموسعة التي دعت إليها قوى المعارضة والمقرر عقدها خلال أيام.
لكنّ رئيس الحكومة الأسبق، مولود حمروش، رأى أنّ الوضع ما زال غامضاً على صعيد الأفق السياسي، مشدداً على ضرورة عدم الوصول إلى نقطة تصادم بين الخيارات الشعبية التي تطالب بحلّ سياسي، وبين خيار الجيش المتمسّك بالحلّ الدستوري.
ونشر حمروش، أمس الأحد، مقالاً في جريدة "الخبر" المحلية، قال فيه إنه "بعد أحد عشر أسبوعاً على انطلاق الحراك، لم يزدد الاستقرار متانة، ولم تُحدّد آفاق واضحة، بالرغم من ضخامة الحراك ووحدته وسلميته طيلة كل هذه الجمع". وأضاف "لهذا نلاحظ أنّ الشعب والجيش ما زالا وحيدين، وعليهما ألا يديرا ظهريهما لبعضهما ولا أن يتجابها"، مشيراً إلى أنه يتعين على الجيش ألا "يقف ضدّ طموحات الشعب، لأن الأخير لا يريد أن يُحكم، كما في السابق، بواجهات سياسية مفبركة، واجهات طابعها نقص الذمة وقلة الحياء وغياب روح المسؤولية والواعز الأخلاقي. الحراك ألغى كل هذه الواجهات وهذه التصرفات غير الشرعية".
واعتبر حمروش أنه لن يكون هناك معنى لتغيير الأشخاص وواجهات الحكم، من دون الشروع في بناء دستور ومؤسسات دستورية قوية. وقال "سيكون من السذاجة بمكان الاعتقاد بأنّ استبدال الأشخاص لوحده سيكون جواباً شافياً، وأن تعويض هؤلاء بآخرين جدد ذوي نزاهة وأكثر التزاماً سيضمن تحقيق كل آمال الحراك. كما أنّ استبدال الأشخاص لن يشكّل ضمانة قوية لتحقيق الحكم الجيّد والعدل المنزه، فالأولوية يجب أن تتجه إلى استخلاف الرجال بدستور حقيقي، ومؤسسات فعلية تمارس سلطات الترخيص والضبط والتأهيل والرقابة والتحكيم لإعادة وضع المعيار الشرعي، وإقامة الرقابة والمراقبة على كل الوظائف وعلى ممارسة أي مسؤولية".