تتسارع تطورات التقارب التركي الروسي، وبينما يُعدّ اتفاق المصالحة التركية الإسرائيلية من ثمار عمل حكومة رئيس الوزراء التركي السابق أحمد داود أوغلو، إلا أنه يُمكن اعتبار التحول في العلاقات التركية الروسية، أولى أعمال الحكومة التركية الجديدة بقيادة رئيس الوزراء الحالي بن علي يلدريم.
يأتي هذا، بينما يتوجه وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، غداً الخميس، إلى مدينة سوتشي الروسية على البحر الأسود، للمشاركة في اجتماعات منظمة التعاون الاقتصادي في حوض البحر الأسود. ومن المنتظر أن يلتقي جاووش أوغلو نظيره الروسي سيرغي لافروف، على هامش القمة، لبحث إعادة تطبيع العلاقات الروسية - التركية، والأوضاع في سورية ومباحثات جنيف.
يختلف مراقبون في مدى تأثير عودة تطبيع العلاقات التركية الروسية على الملفات الخلافية بين الجانبين، إذ يؤكد البعض بأن عودة العلاقات ستكون على طريقة العلاقات التركية الإيرانية، أي بفصل الملفات. وسيتم التركيز فقط على العلاقات الاقتصادية والتجارية البينية، بما يشمل رفع العقويات الاقتصادية الروسية عن تركيا تدريجياً، ويسمح بعودة السياح الروس إلى السواحل التركية على المتوسط، والتي تُعتبر من أكثر القطاعات الاقتصادية تضرراً. وكذلك السماح باستيراد المنتجات الزراعية التركية، وتخفيف القيود التي سبق وفرضتها روسيا على الشركات التركية العاملة في روسيا، والتي كان أول بوادرها، يوم الإثنين، عندما أعلن نائب رئيس الوزراء التركي نعمان كورتولموش، أن موسكو سمحت للشركات التركية العاملة في روسيا بتوظيف الأتراك.
وأيضاً قد يعيد الاتفاق التركي الروسي، في حال نجاحه، إحياء مشروع خط غاز السيل التركي الذي سينقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر تركيا، وكذلك تنشيط العمل في مفاعل أك سويو النووي التركي الذي تشرف روسيا على إنشائه.
في هذا السياق، يندرج تأكيد المتحدث باسم شركة "غازبروم" الروسية العملاقة، سيرغي كوبريانوف، بأن "الشركة جاهزة للاستمرار في اللقاءات الخاصة بمشروع خط السيل التركي". كما يؤكد عدد من المراقبين، أنه من المستحيل ألا يترافق تطبيع العلاقات الاقتصادية بتأثيرات على المستوى السياسي، وبالذات وقف الدعم الروسي لحزب "العمال" الكردستاني، الذي بدا بأن جميع التحركات التركية الأخيرة على المستوى الدبلوماسي تستهدف حصاره بشكل أساسي.
وبعد أن تلقى الكردستاني ضربات عسكرية وسياسية كبيرة في الداخل التركي، ستكون أهم نتائج الاتفاق التركي الروسي، تحييد موسكو عن دعمه. وبالتالي فقدان الأخير حليفاً مهماً، بعد أن توترت علاقاته مع حلفائه التقليديين وبالذات النظام السوري والإيراني، اللذين تمرد عليهما، أخيراً، مستنداً إلى الدعم الأميركي له في المعارك التي يخوضها ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
وتحوّل صعود الكردستاني في سورية، ومن ثم مطالبته بتكوين حكم فيدرالي على الطريقة العراقية، مثار قلق كبير لجميع الأطراف الإقليمية المعنية، خوفاً من تكرار نموذج كردستان العراق، الذي قد يُحيي الأحلام القومية الكردية في كل من تركيا وإيران بإنشاء دولة كردستان.
يستبعد كثيرون أن يعني الاتفاق التركي الروسي، تخلي أنقرة عن حلفائها في المعارضة السورية. وأولى المؤشرات التي تعزز هذا الاستبعاد، تنطلق من واقع ما حصل بعد ساعات من صدور الاعتذار التركي لروسيا، مساء الاثنين، حين تمكنت فصائل عسكرية من المعارضة السورية من السيطرة على مواقع لقوات النظام في جبلي الأكراد والتركمان بريف اللاذقية.
لكن في المقابل، قد تساهم المصالحة التركية الروسية، بحسب مراقبين، في تخفيف الضغط على أنقرة، وبالذات في حلب وإدلب وريف اللاذقية الشمالي، إذ إن موسكو ستجد نفسها مضطرة لأخذ الحساسيات التركية بعين الاعتبار خصوصاً في محافظة حلب، الأمر الذي بدأت تظهر أولى بوادره في تصريحات السفير الروسي في دمشق، ألكسندر كينشتشاك، عندما أكد لوكالة "إنترفاكس" الروسية، أمس الثلاثاء، أنه "لا يتوقع أن يهاجم الجيش السوري مدينة حلب في المستقبل المنظور". وأضاف: "لست على يقين من شنّ هجوم على حلب في المستقبل المنظور. وبالنسبة للرقة، أود أن أحجم أيضاً عن أي تكهنات محددة بخصوص تحريرها". كلام رأى فيه كثيرون أيضاً ارتداداً لخلاف إيراني ـ روسي ضمني حول سورية، وكأن السفير الروسي كان يردّ على شخص واحد: الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، الذي توعّد، قبل بضعة أيام، بأن تكون المعركة المقبلة في حلب نفسها، ليأتي الموقف الروسي المستجد وكأنه يقول له وللإيرانيين وللنظام ما مفاده أنه "إن أردتم خوض معركة حلب، فلا تحسبوا حسابنا".
كما أن عودة العلاقات الروسية التركية قد تساهم في إعادة إحياء مفاوضات جنيف السورية التي تعثرت بسبب عدم التزام النظام السوري بوقف إطلاق النار مدعوماً من موسكو، ولكن ذلك مرهون، أيضاً، بالتفاهمات الأميركية الروسية، وبمواقف الدول الإقليمية، تحديداً إيران والسعودية.