اندفع تحالف "الفتح" الممثّل لمليشيا "الحشد الشعبي"، نحو تسريع عقد اجتماعات حاسمة للتوافق بشأن إكمال تشكيل الحكومة العراقية، معلناً دعمه لرئيس الوزراء عادل عبد المهدي، ورفضه أي سيناريو لعودة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي.
ويأتي ذلك بعد تصريحات لمسؤولين سابقين، حول إمكانية عودة العبادي للحكومة، في حال فشلت حكومة عبد المهدي في الاستمرار بتنفيذ البرنامج الحكومي المتفق عليه.
ولعل أبرز هذه التصريحات، كان ما كشف عنه نائب رئيس الوزراء الأسبق بهاء الأعرجي، من أنّ العبادي خيار زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر لترشيحه لرئاسة الوزراء مجدداً، في حال فشل عبد المهدي بمهمته الحالية.
وكان البرلمان العراقي قد منح الثقة لحكومة عبد المهدي مع 14 وزيراً، في أكتوبر/تشرين الأول 2018، تلا ذلك التصويت على وزراء آخرين، باستثناء أربع وزارات هي الدفاع والداخلية والتربية والعدل، بسبب خلافات سياسية حول الأسماء المرشحة لها.
ويتخوّف "الفتح" من سيناريو عودة العبادي المطروح لرئاسة الحكومة، لا سيما مع وجود ثقل سياسي مؤيد له داخل البرلمان وعبر أطراف دولية، ما دفع التحالف لتسريع حوارات الخروج من أزمة إكمال حكومة عبد المهدي.
وقال مسؤول سياسي مطّلع لـ"العربي الجديد"، اليوم الأربعاء، إنّ "تحالف (الفتح) أجرى اتصالات عدّة مع تحالف (سائرون) (يتزعمه مقتدى الصدر) لعقد اجتماعات وحسم الخلاف بشأن إكمال التشكيلة الحكومية"، موضحاً أنّ "الفتح يخطط لإجراء اجتماعات خلال الساعات القليلة المقبلة من اليوم".
وأوضح أنّ "(الفتح) وعد (سائرون) بإمكانية الحسم، من دون أن يحدّد النقاط، ما يعني أنّه بصدد تقديم تنازلات ترضي (سائرون) بخصوص مرشح (الفتح) البديل لحقيبة الداخلية"، مشيراً إلى أنّ "خشية الفتح من عودة العبادي، وهو سيناريو يجري الحديث عنه، أثارت خشية (الفتح) ما دفعه للتحرّك العاجل للحوار بشأن إكمال الحكومة".
ولايزال الخلاف قائماً بين تحالف "الفتح" وتحالف "سائرون"، بشأن حقيبة الداخلية التي تعدّ عقدة الأزمة بينهما، إذ يرفض "سائرون" ترشيح مستشار الأمن الوطني، زعيم مليشيا "الحشد الشعبي" فالح الفياض لتولّي الوزارة.
وقد تكون خشية تحالف "الفتح" من "سيناريو عودة العبادي" حافزاً لحسم الخلاف، والخروج من أزمة تشكيل الحكومة، كون ذلك السيناريو يتعارض مع طموحاته.
وقال النائب عن تحالف "الفتح" محـمد كريم البلداوي، في تصريح صحافي، إنّ "الفتح داعم وبقوة لعبد المهدي، وسنعمل مع الشركاء السياسيين على تقوية النقاط الإيجابية بالحكومة وتقويم الأخطاء، لضمان نجاحها وتجاوز الإخفاقات".
وأضاف أنّ "الجميع لا يسير باتجاه السلطة أو المناصب، بالتالي فإنّ خارطة طريق ديمومة الحكومة الحالية ونجاحها هي المعيار والهدف الأهم لدينا خلال هذه المرحلة".
وشدّد البلداوي على أنّ "الحديث عن استبدال حكومة عبد المهدي أو الإطاحة بها، أمر بعيد كل البعد، ولم ولن يتم طرحه لأنّنا نعتقد أن هذه الحكومة هي الفرصة الأخيرة لكسب ثقة الشعب العراقي وتحقيق تطلعاته"، وأضاف "نحن جميعاً داعمون لحكومة عبد المهدي، ولن نقبل العودة إلى الخلف من جديد، أو فتح باب الصراع والتنافس على السلطة".
وتابع أنّ "الحديث عن عودة العبادي لتولّي رئاسة الحكومة لم يُطرح ولا أعتقد أنّه سيطرح، لأنّ العبادي نفسه يعلم جيداً أنّه لا يمكن العودة إلى الوراء".
وتمكّن العبادي، في الفترة الأخيرة من عمر حكومته (2014–2018)، من ضبط مليشيات "الحشد الشعبي"، ومنعها من أي تحرّك من دون علمه والتنسيق مع القوات الأمنية، ما حدّ بشكل واضح من انتهاكاتها بأغلب المحافظات التي تتواجد فيها.
واتهمت الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية، مليشيات "الحشد الشعبي"، بارتكاب جرائم عدة على خلفية طائفية ضد المدنيين خلال الفترة ما بين 2014 و2016، تنوعت بين التعذيب والإخفاء القسري وقتل مدنيين وأسرى تحت التعذيب ونهب مدن وبلدات، قبل حرق ونسف آلاف المنازل والمحال بها.
وفي أول تصريح له حول سياسته في ما يتعلّق بملف مليشيات "الحشد الشعبي"، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قال عبد المهدي، إنّه يعتبرها "إنجازاً تاريخياً للعراق"، مؤكداً "الدور الكبير لهذه المليشيا بحفظ أمن البلاد"، بينما أكد سياسيون حينها أنّ حاجة عبد المهدي إلى الحصول على دعم كتل داخل البرلمان، أجبرته على دعم أجندات المليشيات الخاصة.
فرصة من البرلمان
وتأتي هذه التطورات في ظل توتر العلاقة بين البرلمان العراقي وعبد المهدي، على خلفية الحراك للتصويت على قانون إلغاء مكاتب المفتشين العموميين الذي رفضه رئيس الحكومة، بينما تحرّكت كتل سياسية نحو إقالة واستجواب سبعة من وزرائه.
في غضون ذلك، مدّد البرلمان العراقي عطلته ليوم إضافي، في خطوة فسّرت على أنّها لمنح فرصة للخروج بتوافقات بشأن إكمال الحكومة.
وقالت مقررة البرلمان خديجة محمد علي، في بيان مقتضب، إنّ البرلمان"أجل جلسته المقرّر عقدها السبت المقبل إلى الأحد، لأجل مناقشة عدد من القوانين المهمة".
ويتزامن التصعيد السياسي في العراق الذي يؤشر إلى الانزلاق نحو أزمات معقدّة، مع بداية الفصل التشريعي الثاني للبرلمان، والذي توقع مراقبون أن يكون حافلاً بالخلافات والأزمات كالفصل السابق.