كل المؤشرات والظروف المحيطة بالإعداد لملتقى غدامس الوطني الجامع المرتقب تُشابه إلى حد كبير ترتيبات الإعداد للجلسة الأخيرة التي وقعت فيها أطراف ليبية رئيسية، في ديسمبر/ كانون الأول 2015، وثيقة الاتفاق السياسي في الصخيرات المغربية. فالراعي نفسه لم يتغير، كما أن الأطراف لم تتغير، باستثناء مسمياتها الرسمية.
وفي أتون التحضير لجلسة 17 ديسمبر 2015، وعلى مدى قرابة الشهر، لم يكن أكثر الأطراف الليبية على علم بمحتويات الوثيقة التي كانت تُعد وقتها من قبل المبعوث الأممي برناردينو ليون. وتم اختزال عشرات الوفود في رجلين حضرا الكواليس الأخيرة لوضع النقاط على حروف الاتفاق السياسي، أمحمد شعيب ممثلاً عن مجلس النواب، وصالح المخزوم ممثلاً عن المؤتمر الوطني العام، فيما تدافع ممثلو الأطراف الأخرى، وعددهم لا يقل عن الثلاثين، إلى قاعة التوقيع للحرص على الظهور في الصور الجماعية التي كانت تبثها وقتها عشرات القنوات ووسائل الإعلام الدولية.
لم يكن الطرفان الأساسيان، وغيرهما العشرات من الهامشيين، سوى ديكور لتحسين صورة التوافق الصوري وقتها. فالرسول الأممي، برناردينو ليون، بحسب ما كشفت صحيفة "الغارديان" البريطانية لاحقاً، كان يُعد نفسه وقتها لتقاضي 50 ألف دولار شهرياً كمدير للأكاديمية الدبلوماسية في الإمارات، التي يتولى مجلس أمنائها وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان. وعجت يومها عشرات الصحف والإذاعات بصور المراسلات التي نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز"، من بريد إلكتروني لمسؤول إماراتي بارز تكشف عن حجم تنفّذ أبوظبي وتأثيرها الكبير في صياغة وثيقة الصخيرات وتورط المبعوث الأممي في ذلك.
أبوظبي اليوم، وقبل أيام من عقد الملتقى الوطني الجامع الذي سيعقد في غدامس من 14 إلى 16 إبريل/ نيسان المقبل، فضلت أن تعمل في العلن وبشكل أكثر وضوحاً من ذي قبل، إذ اختصرت، كما في السابق، الفاعلين في الأزمة الليبية في رجلين، فائز السراج وخليفة حفتر، للاتفاق على تقاسم السلطة، على أن تصوغ البعثة الأممية وثيقة غدامس النهائية، ويعاد مشهد الصخيرات في غدامس مجدداً، لكن بحضور أكثر كثافة، لتبدو الصور الملتقطة أكثر وطنية، على اعتبار أن غدامس مدينة ليبية. فهل يتعين على الليبيين انتظار اختراق جديد لمراسلات إلكترونية لمعرفة كواليس ما جرى.