أثارت عمليات التحالف العربي، في اليمن، الكثير من الجدل منذ انطلاقها في مارس/آذار 2015، وتبدو اليوم أكثر إثارة للنقاش بعد قراءة نتائج قرابة السنة ونصف السنة من انطلاق العمليات، والتي يتباين المراقبون بشدة إزاء تقييم مساراتها ومخرجاتها. يمكن تقييم نتائج عمليات التحالف العربي في اليمن، منذ انطلاق "عاصفة الحزم"، من خلال أربعة محاور، تتعلق بحماية الحدود السعودية-اليمنية، وإعادة الحكومة الشرعية اليمنية متمثلة بالرئيس، عبدربه منصور هادي، إلى العاصمة اليمنية صنعاء، وإيقاف تمدد مليشيات الحوثيين والقوات الموالية للرئيس المخلوع، علي عبدالله صالح، بالإضافة إلى مواجهة الإرهاب، متمثلاً في تنظيم "القاعدة في جزيرة العرب"، والذي يتخذ من اليمن مقراً رئيسياً له. بناء على هذه المحاور، يمكن تحديد مكامن نجاحات وإخفاقات التحالف العربي، منذ مارس/آذار 2015، بالإضافة إلى سير العمليات التفصيلي المتعلق بالخسائر العسكرية في صفوف قوات الشرعية اليمنية و"المقاومة الشعبية" التابعة لها وقوات التحالف من جهة، والخسائر في صفوف المدنيين السعوديين واليمنيين من جهة أخرى.
حماية الحدود السعودية
بعد فترة هدوء لم تطُل، واكبت بعض فترات المفاوضات اليمنية في الكويت، بعد وساطات قبلية بحسب تصريحات سعودية رسمية، عادت المناطق الحدودية السعودية إلى الاشتعال مجدداً، بفعل اعتداءات مليشيات الحوثي وهجمات القوات الموالية لصالح، خصوصاً الهجمات بالصواريخ الباليستية، والتي تعترضها قوات الدفاع الجوي السعودية بصورة مستمرة.
وتستهدف قذائف المليشيات الانقلابية المناطق الحدودية، لا سيما مدينة نجران القريبة من الحدود السعودية-اليمنية، وكانت آخر حصيلة لهذه الاعتداءات، مقتل سبعة مدنيين في مدينة نجران، كما أعلنت السلطات السعودية قبل يومين، بالإضافة إلى خسائر مادية بفعل قذائف أطلقتها مليشيات الحوثي، وتشير وسائل إعلام قريبة من إيران، كوكالة "أنباء فارس" وقناة "العالم"، إلى أن القذائف إيرانية الصنع.
وتحدث المندوب السعودي الدائم في مجلس الأمن، عبدالله المعلمي، في وقت سابق أمام المجلس، عن خروقات مليشيات الحوثي والخسائر المترتبة على اعتداءات المليشيات على المناطق الحدودية السعودية، مشيراً إلى 1700 اختراق للحدود منذ اتفاق "وقف الأعمال العدائية" في إبريل/نيسان الماضي، وحتى الأول من أغسطس/آب الحالي. وأضاف المعلمي أن مليشيات الحوثي أطلقت ما يزيد عن 20 ألف صاروخ على المناطق الحدودية السعودية، والتي تسببت بمقتل قرابة 500 مدني في السعودية.
هذه الأرقام والإحصائيات الرسمية السعودية، تُظهر أن اعتداءات المليشيات والقوات اليمنية الحليفة لها، ما زالت مستمرة وتتسبب بالأضرار في المناطق الحدودية السعودية، ما دفع السلطات السعودية إلى تشجيع سكان المناطق الحدودية، كما في جازان، على النزوح إلى مناطق أخرى أكثر أمناً، مقابل تعويضات مالية. هذه الخطوة أثارت الكثير من الجدل في وسائل التواصل الاجتماعي، إلى حد اعتبرها البعض عمليات "تهجير"، بينما رأى آخرون أن التعويضات غير كافية، وسط أنباء عن وعود من وزارة الداخلية لأعيان المنطقة بدفع تعويضات مناسبة بالتنسيق مع وزارة المالية في السعودية.
حماية الجنوب... تحرير الشمال
أما عن سير العمليات على الأرض لجهة إيقاف تمدد مليشيات الحوثي والقوات الموالية لصالح إلى المحافظات اليمنية الجنوبية وإعادة الشرعية إلى صنعاء، فالأوضاع الميدانية تتطور ببطء. فقد نجح التحالف العربي بصورة واضحة في إيقاف تمدد مليشيات الحوثي وقوات الرئيس المخلوع، والتي كانت قريبة من الاستيلاء على عدن في مارس/آذار 2015، مما يعتبر نقطة نجاح مهمة للعمليات من الناحية العسكرية، كما قام بطرد القوات الموالية للانقلابيين من المحافظات الجنوبية. لكن سير العمليات في المحافظات الشمالية، وإن كان يتجه نحو محاصرة الحوثيين أكثر وتحرير مناطق منها، إلا أن التقدّم بطيء، وسط تحضيرات كبرى وإعلان الحكومة اليمنية أن معركة تحرير صنعاء تسير في الاتجاه الصحيح، خصوصاً مع نزول نائب الرئيس اليمني، والرجل الذي يُعوَّل عليه في قيادة معارك تحرير صنعاء، الفريق علي محسن الأحمر، إلى الميدان، ولقائه بقادة الجيش الموالي للشرعية وقوات "المقاومة الشعبية"، في مناطق سيطرة قوات الشرعية في الطريق إلى صنعاء.
ولا يمكن في هذا السياق، فصل الكلام عن معارك تحرير صنعاء من قِبل الحكومة اليمنية والقريبين من دوائر قيادة التحالف العربي، عن انسداد أفق الحل السياسي، كنتيجة لفشل محادثات الكويت، والتي أكسبت الحوثيين المزيد من الوقت لتنظيم صفوفهم والتزود بالأسلحة، بحسب التصريحات الأخيرة للمتحدث باسم التحالف العربي في اليمن، المستشار في وزارة الدفاع السعودية، اللواء أحمد عسيري.
وأسقط الحوثيون وصالح كل آفاق الحل السلمي في اليمن بإعلانهم عن "المجلس السياسي" لإدارة البلاد، والذي تقاسموا من خلاله السلطة في مناطق سيطرتهم، بالإضافة إلى دفعهم لانعقاد البرلمان اليمني بعد تعليقه لقرابة السنتين، منذ سيطرة مليشيات الحوثي على العاصمة اليمنية، مما أعاد كل شيء إلى نقطة الصفر ووضع الحل العسكري خياراً وحيداً لإنهاء الانقسام في البلاد.
مواجهة الإرهاب
استمر موضوع إرهاب تنظيم القاعدة في اليمن مهمشاً لفترة طويلة، باعتبار أن الكثير من اليمنيين يعتقدون أن "القاعدة" صنيعة صالح، كذلك بسبب أن "القاعدة" في اليمن هو بقيادة محلية وكوادر يغلب عليها الطابع المحلي، مما عزز من إمكانية صياغة تفاهمات محلية مع التنظيم تحدّ من تجاوزاته في حق الناس، في مناطق سيطرته، لا سيما في محافظة حضرموت. كما أن قادة "القاعدة" أبرزوا قيامهم بدور في مواجهة مليشيات الحوثي في الجنوب في أكثر من مناسبة. إلا أن السكوت عن "القاعدة" الذي استمر لقرابة العام، انتهى في أبريل/نيسان الماضي، حين قامت قوات التحالف العربي بطرد التنظيم من محافظة حضرموت واستعادة السيطرة على المكلا، إحدى معاقل التنظيم هامة.
في أثناء ذلك، لم يجد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) حتى الآن ملاذاً آمناً له في اليمن. وركز "داعش" عملياته على استهداف المساجد في العاصمة اليمنية صنعاء كامتداد لعملياته في الخليج، باستهداف مساجد من يعتبرهم "شيعة وروافض"، الشعار الذي يضع الحوثيين ضمنه، باعتبارهم من أتباع المذهب الزيدي. ويضاف إلى ذلك، تبني عمليات انتحارية عدة نفذت في الجنوب تحديداً عدن، استهدفت مسؤولين عسكريين وسياسيين.
في هذا المحور، يمكن القول إن ظاهرة المليشيات في اليمن، لم تتمدد حتى اللحظة، وإن عمليات التحالف العربي ساهمت في محاصرة "القاعدة"، وعدم السماح لتنظيم "داعش" بالتمدد في الخاصرة الجنوبية لجزيرة العرب. لكن ما هو مقلق اليوم، في ظل انسداد الأفق السياسي والحشد لمعارك صنعاء، استمرار سقوط المدنيين في الجانبين السعودي واليمني، من خلال استهداف المليشيات المناطق الحدودية السعودية من جهة، والأخطاء التي يقع فيها التحالف العربي في قصف أهداف مدنية من جهة أخرى، وسط وعود من التحالف بالتحقيق في الأنباء عن قصف هذه الأهداف، كما أعلن عسيري أخيراً.