بدأت تطفو على السطح خلافات مكتومة داخل الإدارة الأميركية حول التعاطي مع الملف السوري، في ظل الجمود في العملية السياسية، وهو ما أظهرته عريضة وقّعها أكثر من 50 دبلوماسياً حالياً في وزارة الخارجية الأميركية اعتراضاً على سياسات الرئيس الأميركي، باراك أوباما، تجاه الحرب السورية، وللمطالبة بتنفيذ ضربات عسكرية ضد نظام بشار الأسد.
هذه العريضة لاقت اهتمام وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، الذي قال لوكالة "رويترز" أمس الجمعة خلال زيارته كوبنهاغن:"إنه إعلان مهم وأنا أحترم العملية جداً جداً. ستتاح لي فرصة للاجتماع مع الناس حين أعود". وأضاف أنه لم يطّلع على المذكرة بنفسه.
في المقابل استنفرت روسيا للدفاع عن حليفها الأسد والتحذير من مغبة تنفيذ واشنطن لضربات عسكرية. وتعليقاً على هذه العريضة، قال المتحدث باسم الرئيس الروسي، دميتري بيسكوف، إنه "من المشكوك فيه أن يساهم إسقاط هذا النظام أو ذاك في إحراز تقدّم في محاربة الإرهاب بنجاح، بل قد يؤدي ذلك إلى تعميم الفوضى المطلقة في المنطقة". وأعلن أنه ليست لدى الكرملين أية معلومات موثوقة عن المذكرة.
من جهتها، أعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، أن تسوية الصراع السوري بالقوة "ليست طريقتنا"، مضيفة في حديث لوكالة "إنترفاكس" على هامش منتدى بطرسبورغ الاقتصادي: "ليس سراً بالنسبة لنا أن هناك قوى سياسية في الولايات المتحدة تدعو إلى حل عسكري (للصراع السوري). إلا أن ذلك ليس طريقتنا".
وجاءت العريضة، التي وقّعها أكثر من 50 دبلوماسياً، لتطالب بتنفيذ ضربات عسكرية ضد نظام الأسد للخروج من الجمود في الوضع السوري وإنقاذ الجهود الأميركية من الفشل فضلاً عن إنقاذ المدنيين السوريين، ووقف الانتهاكات المستمرة لاتفاق الهدنة. ويكشف هذا الاعتراض عن وجود خلافات مكتومة داخل الإدارة الأميركية ناجمة عن الجمود القائم في العملية السياسية.
العريضة كشف عنها مسؤول في الخارجية الأميركية سرب نسخة منها إلى صحيفة "نيويورك تايمز"، حسبما أوردته الصحيفة يوم أمس، الجمعة. وجاء في العريضة أن نظام الأسد، بإمعانه في أعمال العنف العدائية، يعيق تقدّم الجهود الدبلوماسية الأميركية في سورية، وأن الحل هو "استخدام حكيم للقوة بما فيها الضربات الجوية، بصورة تؤدي إلى دعم العملية السياسية وانخراط أكبر للولايات المتحدة فيها".
واعترفت وزارة الخارجية الاميركية بوجود البرقية. ورفض المتحدث باسم الخارجية الأميركية، جون كيربي، كشف المضمون الدقيق لهذه المذكرة الدبلوماسية، واكتفى بالقول: "نحن ما زلنا ندرس هذه المذكرة التي صدرت قبل وقت قصير جداً".
وفي الوقت الذي وصفت فيه بعض وكالات الأنباء الموقّعين على المذكرة بـ"المنشقين"، فإن مصادر في الخارجية الأميركية نفت لـ"العربي الجديد" حدوث مثل هذا الانشقاق، مؤكدة وجود "قناة شرعية للاعتراضات"، يلجأ إليها الدبلوماسيون الأميركيون في الخارج والعاملون في المقر الرئيسي للوزارة للتعبير عما لديهم من وجهات نظر مخالفة للسياسة القائمة، بغرض تنوير صانع القرار وليس التمرد عليه.
قناة الاعتراضات المشار إليها ليست جديدة على الدبلوماسية الأميركية، فقد تم إنشاؤها مطلع السبعينيات من القرن الماضي، لكنها تحوّلت فيما بعد إلى ما يشبه "صندوق الشكاوى" وفقاً لتعبير أحد المصادر. ولكن من المفارقات أن الغرض من إنشائها كان في الأساس إتاحة الفرصة للمحتجين على حرب فيتنام، للتعبير عن وجهات نظرهم في مبررات المطالبة بإنهاء التورط الأميركي في تلك الحرب، في حين أن المحتجين الحاليين يطالبون بتوسيع التدخل الأميركي في حرب أخرى، غير مضمونة النتائج من وجهة نظر صانع القرار في البيت الأبيض.
وسيُمثّل إقدام الإدارة الأميركية على التدخّل العسكري ضد نظام الأسد في حال حصوله، تحوّلاً جذرياً في نهج الولايات المتحدة تجاه النظام السوري، وفقاً لما أشار إليه مارك لاندر، المحرر في "نيويورك تايمز". ورأى لاندر أن عدد الموقّعين على مذكرة الاعتراض كان لافتاً، فضلاً عن أن الأسماء الموقّعة معظمها لدبلوماسيين محترفين من القيادات الوسطى المنخرطين في الشأن السوري منذ سنوات، أو من ذوي الخبرة الميدانية. ومن بين الموقّعين، وفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز"، مسؤول الملف السوري في مكتب الشرق الأدنى في الخارجية الأميركية، والنائب السابق للسفير الأميركي في دمشق. ورغم خلو القائمة من القيادات الدبلوماسية العليا أو من ذوي الأسماء اللامعة، إلا أن أي قلق يبديه أصحاب الخبرة من القيادات الوسطى يصعب على رؤسائهم إهماله.
اقــرأ أيضاً
ورأى الدبلوماسيون في المذكرة التي قدّموها لكيري، أن الأسد لا يشعر بأي ضغط يجبره على التفاوض مع "المعارضة المعتدلة" أو غيرها من الفصائل التي تحاربه. وقالوا إن ممارسات نظامه ومن بينها إلقاء البراميل المتفجرة على المدنيين من أبناء شعبه، هو "سبب رئيسي لحالة عدم الاستقرار التي تعصف بسورية منذ سنوات وتهدد المنطقة ككل".
وأكد الموقّعون أن "المبررات الأخلاقية التي تستدعي اتخاذ إجراءات لوقف المعاناة في سورية بوضع حد للحرب الوحشية، لا غبار عليها إطلاقاً"، محذرين من أن "استمرار الوضع الراهن في سورية على ما هو عليه سوف يؤدي إلى عواقب وخيمة إن لم ينتهِ بكارثة إنسانية سيكون لها تبعات دبلوماسية وأمنية خطيرة".
وطبقاً للمقاطع التي نشرتها "نيويورك تايمز" من المذكرة، فإن موقّعيها أقروا أن العمل العسكري ستكون له مخاطره، ليس أقلها المزيد من التوتر مع روسيا، لكن المعترضين على استمرار السياسة الأميركية الحالية شددوا على أن مطلبهم باتخاذ إجراءات حازمة ضد الأسد "لا يعني دفع الأوضاع إلى حافة الهاوية، أو مواجهة عسكرية مع روسيا، بل تشكيل تهديد عسكري حقيقي على الأسد لإعادته إلى الصواب". واتفق السفير الأميركي السابق لدى سورية، روبرت فورد، مع وجهة النظر هذه، قائلاً إن "معظم من انخرط في الملف السوري من الدبلوماسيين الأميركيين يطالبون منذ فترة طويلة بسياسة أكثر صرامة مع نظام الأسد، كوسيلة لتسهيل وصولهم إلى اتفاق سياسي تفاوضي لتشكيل حكومة شراكة وطنية".
ومهما كانت دوافع المعترضين حالياً، فإنهم لم يخالفوا نظام الخارجية أو يخرجوا عما هو مألوف، فقد سبق لغيرهم أن قدّموا عرائض مماثلة من أهمها عريضة احتجاج مؤلفة من ثلاثين صفحة تسلّمها في التسعينيات وزير الخارجية، وارن كريستوفر، من معترضين على سياسة الرئيس الأسبق، بيل كلينتون، في منطقة البلقان، طبقاً لما أشارت إليه "نيويورك تايمز"، لكن كلينتون كان لديه من الوقت ما يكفي لمواصلة استراتيجيته إلى أن تمكّن من إثبات نجاعتها.
أما إدارة أوباما الحالية، فعلى الرغم من عدم وجود ما يدل على رغبتها في تغيير المسار الذي اتبعته في التعامل مع القضية السورية، إلا أن ما تبقّى من شهور الفترة الرئاسية للرئيس الحالي في البيت الأبيض ليست كافية لإثبات صحة وجهة نظرها في وقت ازدادت فيه الأوضاع الميدانية تفاقماً. غير أن الأمر المؤكد هو أن فشل هذه الاستراتيجية يفتح الباب على مصراعيه أمام الرئيس المقبل سواء كان ديمقراطياً أو جمهورياً، لاتباع مسار جديد والإنصات إلى نصائح خبراء الدبلوماسية المحترفين.
وكان كيري قد حاول مراراً دفع البيت الأبيض نحو تبني سياسة أشد حزماً تجاه الأسد، سعياً منه إلى تقوية موقفه في أثناء التفاوض على تسوية سياسية بين الأطراف السورية، وبالتالي من غير المستبعد أن يكون الدبلوماسيون الخمسون قد أرادوا من "عريضتهم" دعم وجهة نظر كيري كونه رئيسهم، إن لم تكن المذكرة جزءاً من صراع أوسع بين المؤسسات السيادية حول الموضوع ذاته، إذ إن الخلاف بشأن الملف السوري لا يقتصر على الخارجية الأميركية، بل يشمل كذلك البنتاغون ووكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إي).
ويتردد في واشنطن أن أوباما أبلغ جنرالات البنتاغون والقيادات المدنية في الوزارة، بضغوط يتعرض لها لتوسيع التدخّل الأميركي في سورية، فأبدى هؤلاء دعمهم لموقفه الحذر، متسائلين عن سيناريو الخطوة التالية لما بعد الأسد في حال قرر البيت الأبيض إسقاط نظامه، وهو سيناريو عجز الدبلوماسيون الأميركيون وأجهزة الاستخبارات عن الإجابة عليه.
ويبدو أن الطريق المسدود، الذي وصل إليه الصراع السوري، واستمرار الإحباط داخل بعض أجنحة الإدارة الأميركية، يؤكد أن تباين وجهات النظر حول التعامل مع القضية السورية قد تحوّل إلى صدوع عميقة، وصراع أجنحة ومراكز قوى داخل الإدارة، فيما يتساقط ضحايا جدد للحرب السورية كل يوم.
ونقل موقع "ديلي بيست" الإخباري الأميركي قبل أيام عن مسؤولين كبار، طلبوا عدم الكشف عن أسمائهم، أن وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إي" توصلت إلى خلاصة مفادها أن إلحاق الهزيمة بتنظيم "داعش" لا يمكن أن يتحقق طالما ظل الأسد في السلطة، وهي وجهة تجعل الوكالة أقرب إلى وجهة نظر الخارجية الأميركية مما هي عليه وجهة نظر البنتاغون. ويبرر محللو الاستخبارات هذا الاعتقاد بأن التنظيمات الإرهابية لا تنشط إلا في المناطق غير المستقرة، وبالتالي فإن "هزيمة الأسد أصبحت ضرورة ملحّة لهزيمة داعش في نهاية المطاف". وأضاف المصدر ذاته: "طالما هناك زعيم فاشل في دمشق ودولة فاشلة في سورية، فإن الإرهاب سيظل منتعشاً".
اقــرأ أيضاً
هذه العريضة لاقت اهتمام وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، الذي قال لوكالة "رويترز" أمس الجمعة خلال زيارته كوبنهاغن:"إنه إعلان مهم وأنا أحترم العملية جداً جداً. ستتاح لي فرصة للاجتماع مع الناس حين أعود". وأضاف أنه لم يطّلع على المذكرة بنفسه.
في المقابل استنفرت روسيا للدفاع عن حليفها الأسد والتحذير من مغبة تنفيذ واشنطن لضربات عسكرية. وتعليقاً على هذه العريضة، قال المتحدث باسم الرئيس الروسي، دميتري بيسكوف، إنه "من المشكوك فيه أن يساهم إسقاط هذا النظام أو ذاك في إحراز تقدّم في محاربة الإرهاب بنجاح، بل قد يؤدي ذلك إلى تعميم الفوضى المطلقة في المنطقة". وأعلن أنه ليست لدى الكرملين أية معلومات موثوقة عن المذكرة.
وجاءت العريضة، التي وقّعها أكثر من 50 دبلوماسياً، لتطالب بتنفيذ ضربات عسكرية ضد نظام الأسد للخروج من الجمود في الوضع السوري وإنقاذ الجهود الأميركية من الفشل فضلاً عن إنقاذ المدنيين السوريين، ووقف الانتهاكات المستمرة لاتفاق الهدنة. ويكشف هذا الاعتراض عن وجود خلافات مكتومة داخل الإدارة الأميركية ناجمة عن الجمود القائم في العملية السياسية.
العريضة كشف عنها مسؤول في الخارجية الأميركية سرب نسخة منها إلى صحيفة "نيويورك تايمز"، حسبما أوردته الصحيفة يوم أمس، الجمعة. وجاء في العريضة أن نظام الأسد، بإمعانه في أعمال العنف العدائية، يعيق تقدّم الجهود الدبلوماسية الأميركية في سورية، وأن الحل هو "استخدام حكيم للقوة بما فيها الضربات الجوية، بصورة تؤدي إلى دعم العملية السياسية وانخراط أكبر للولايات المتحدة فيها".
واعترفت وزارة الخارجية الاميركية بوجود البرقية. ورفض المتحدث باسم الخارجية الأميركية، جون كيربي، كشف المضمون الدقيق لهذه المذكرة الدبلوماسية، واكتفى بالقول: "نحن ما زلنا ندرس هذه المذكرة التي صدرت قبل وقت قصير جداً".
وفي الوقت الذي وصفت فيه بعض وكالات الأنباء الموقّعين على المذكرة بـ"المنشقين"، فإن مصادر في الخارجية الأميركية نفت لـ"العربي الجديد" حدوث مثل هذا الانشقاق، مؤكدة وجود "قناة شرعية للاعتراضات"، يلجأ إليها الدبلوماسيون الأميركيون في الخارج والعاملون في المقر الرئيسي للوزارة للتعبير عما لديهم من وجهات نظر مخالفة للسياسة القائمة، بغرض تنوير صانع القرار وليس التمرد عليه.
قناة الاعتراضات المشار إليها ليست جديدة على الدبلوماسية الأميركية، فقد تم إنشاؤها مطلع السبعينيات من القرن الماضي، لكنها تحوّلت فيما بعد إلى ما يشبه "صندوق الشكاوى" وفقاً لتعبير أحد المصادر. ولكن من المفارقات أن الغرض من إنشائها كان في الأساس إتاحة الفرصة للمحتجين على حرب فيتنام، للتعبير عن وجهات نظرهم في مبررات المطالبة بإنهاء التورط الأميركي في تلك الحرب، في حين أن المحتجين الحاليين يطالبون بتوسيع التدخل الأميركي في حرب أخرى، غير مضمونة النتائج من وجهة نظر صانع القرار في البيت الأبيض.
وسيُمثّل إقدام الإدارة الأميركية على التدخّل العسكري ضد نظام الأسد في حال حصوله، تحوّلاً جذرياً في نهج الولايات المتحدة تجاه النظام السوري، وفقاً لما أشار إليه مارك لاندر، المحرر في "نيويورك تايمز". ورأى لاندر أن عدد الموقّعين على مذكرة الاعتراض كان لافتاً، فضلاً عن أن الأسماء الموقّعة معظمها لدبلوماسيين محترفين من القيادات الوسطى المنخرطين في الشأن السوري منذ سنوات، أو من ذوي الخبرة الميدانية. ومن بين الموقّعين، وفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز"، مسؤول الملف السوري في مكتب الشرق الأدنى في الخارجية الأميركية، والنائب السابق للسفير الأميركي في دمشق. ورغم خلو القائمة من القيادات الدبلوماسية العليا أو من ذوي الأسماء اللامعة، إلا أن أي قلق يبديه أصحاب الخبرة من القيادات الوسطى يصعب على رؤسائهم إهماله.
ورأى الدبلوماسيون في المذكرة التي قدّموها لكيري، أن الأسد لا يشعر بأي ضغط يجبره على التفاوض مع "المعارضة المعتدلة" أو غيرها من الفصائل التي تحاربه. وقالوا إن ممارسات نظامه ومن بينها إلقاء البراميل المتفجرة على المدنيين من أبناء شعبه، هو "سبب رئيسي لحالة عدم الاستقرار التي تعصف بسورية منذ سنوات وتهدد المنطقة ككل".
وأكد الموقّعون أن "المبررات الأخلاقية التي تستدعي اتخاذ إجراءات لوقف المعاناة في سورية بوضع حد للحرب الوحشية، لا غبار عليها إطلاقاً"، محذرين من أن "استمرار الوضع الراهن في سورية على ما هو عليه سوف يؤدي إلى عواقب وخيمة إن لم ينتهِ بكارثة إنسانية سيكون لها تبعات دبلوماسية وأمنية خطيرة".
وطبقاً للمقاطع التي نشرتها "نيويورك تايمز" من المذكرة، فإن موقّعيها أقروا أن العمل العسكري ستكون له مخاطره، ليس أقلها المزيد من التوتر مع روسيا، لكن المعترضين على استمرار السياسة الأميركية الحالية شددوا على أن مطلبهم باتخاذ إجراءات حازمة ضد الأسد "لا يعني دفع الأوضاع إلى حافة الهاوية، أو مواجهة عسكرية مع روسيا، بل تشكيل تهديد عسكري حقيقي على الأسد لإعادته إلى الصواب". واتفق السفير الأميركي السابق لدى سورية، روبرت فورد، مع وجهة النظر هذه، قائلاً إن "معظم من انخرط في الملف السوري من الدبلوماسيين الأميركيين يطالبون منذ فترة طويلة بسياسة أكثر صرامة مع نظام الأسد، كوسيلة لتسهيل وصولهم إلى اتفاق سياسي تفاوضي لتشكيل حكومة شراكة وطنية".
ومهما كانت دوافع المعترضين حالياً، فإنهم لم يخالفوا نظام الخارجية أو يخرجوا عما هو مألوف، فقد سبق لغيرهم أن قدّموا عرائض مماثلة من أهمها عريضة احتجاج مؤلفة من ثلاثين صفحة تسلّمها في التسعينيات وزير الخارجية، وارن كريستوفر، من معترضين على سياسة الرئيس الأسبق، بيل كلينتون، في منطقة البلقان، طبقاً لما أشارت إليه "نيويورك تايمز"، لكن كلينتون كان لديه من الوقت ما يكفي لمواصلة استراتيجيته إلى أن تمكّن من إثبات نجاعتها.
أما إدارة أوباما الحالية، فعلى الرغم من عدم وجود ما يدل على رغبتها في تغيير المسار الذي اتبعته في التعامل مع القضية السورية، إلا أن ما تبقّى من شهور الفترة الرئاسية للرئيس الحالي في البيت الأبيض ليست كافية لإثبات صحة وجهة نظرها في وقت ازدادت فيه الأوضاع الميدانية تفاقماً. غير أن الأمر المؤكد هو أن فشل هذه الاستراتيجية يفتح الباب على مصراعيه أمام الرئيس المقبل سواء كان ديمقراطياً أو جمهورياً، لاتباع مسار جديد والإنصات إلى نصائح خبراء الدبلوماسية المحترفين.
وكان كيري قد حاول مراراً دفع البيت الأبيض نحو تبني سياسة أشد حزماً تجاه الأسد، سعياً منه إلى تقوية موقفه في أثناء التفاوض على تسوية سياسية بين الأطراف السورية، وبالتالي من غير المستبعد أن يكون الدبلوماسيون الخمسون قد أرادوا من "عريضتهم" دعم وجهة نظر كيري كونه رئيسهم، إن لم تكن المذكرة جزءاً من صراع أوسع بين المؤسسات السيادية حول الموضوع ذاته، إذ إن الخلاف بشأن الملف السوري لا يقتصر على الخارجية الأميركية، بل يشمل كذلك البنتاغون ووكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إي).
ويبدو أن الطريق المسدود، الذي وصل إليه الصراع السوري، واستمرار الإحباط داخل بعض أجنحة الإدارة الأميركية، يؤكد أن تباين وجهات النظر حول التعامل مع القضية السورية قد تحوّل إلى صدوع عميقة، وصراع أجنحة ومراكز قوى داخل الإدارة، فيما يتساقط ضحايا جدد للحرب السورية كل يوم.
ونقل موقع "ديلي بيست" الإخباري الأميركي قبل أيام عن مسؤولين كبار، طلبوا عدم الكشف عن أسمائهم، أن وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إي" توصلت إلى خلاصة مفادها أن إلحاق الهزيمة بتنظيم "داعش" لا يمكن أن يتحقق طالما ظل الأسد في السلطة، وهي وجهة تجعل الوكالة أقرب إلى وجهة نظر الخارجية الأميركية مما هي عليه وجهة نظر البنتاغون. ويبرر محللو الاستخبارات هذا الاعتقاد بأن التنظيمات الإرهابية لا تنشط إلا في المناطق غير المستقرة، وبالتالي فإن "هزيمة الأسد أصبحت ضرورة ملحّة لهزيمة داعش في نهاية المطاف". وأضاف المصدر ذاته: "طالما هناك زعيم فاشل في دمشق ودولة فاشلة في سورية، فإن الإرهاب سيظل منتعشاً".