إلغاء الإدارة المحلية للمخيم
وقال وزير الإدارة المحلية والبيئة في حكومة النظام، حسين مخلوف، إنّ "هدف قرار مجلس الوزراء (الصادر بتاريخ 12 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي) بأن تحلّ محافظة دمشق محل بلدية اليرموك، هو تسخير الطاقات الكبيرة المتوفرة لدى محافظة دمشق من إمكانات وكوادر وخبرات، من أجل إعادة تأهيل البنية التحتية لمخيم اليرموك، وبالتالي تسهيل إعادة المهجّرين من أبناء المخيّم إليه"، مشيراً إلى أنّ محافظة دمشق ستكلف بإعداد "رؤية تطويرية مستقبلية عمرانية لمخيم اليرموك وستستخدم الإمكانيات كافة لتحقيق هذا الهدف". واعتبر مخلوف أنّ "ما تحتاج إليه المرحلة من إمكانيات غير متوفر لدى اللجنة المحلية للمخيم".
وحتى ما قبل هذا القرار، كان المخيم يدار بطريقة مستقلة إلى حدّ ما، عبر اللجنة المحلية التي تتبع لوزارة الإدارة المحلية وليس لمحافظة دمشق، والتي يكون على رأسها عادة مواطن فلسطيني من أبناء المخيم، وتدير شؤون اليرموك بالتعاون مع الإدارة المحلية ومع منظمة "أونروا" التابعة للأمم المتحدة، والتي لديها كثير من المشاريع والخدمات في المخيم.
ومنحت هذه الخصوصية الإدارية للمخيم بموجب قرار صادر عن مجلس الوزراء السوري عام 1964، ما أتاح للجنة المحلية إدارته بشكل مستقل، حيث تشرف اللجنة على تراخيص البناء والنواحي الخدمية، ولديها صلاحيات مشابهة لصلاحية مجالس البلديات، ويرأسها فلسطيني يعين من قبل "الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب" بالتشارك مع "القيادة القطرية لحزب البعث - التنظيم الفلسطيني".
محاولات سابقة
يذكر أنه كانت لمحافظة دمشق محاولات سابقة لإدخال المخيم ضمن إدارتها، مثل المخطط التنظيمي رقم 1915 الذي صدر عام 2004، لكنها أخفقت في ذلك، لأن المخيم غير تابع إدارياً لها. ويعتبر مخيم اليرموك الذي يقع على بعد ثمانية كيلومترات جنوب مركز العاصمة دمشق، من أكبر المخيمات الفلسطينية خارج فلسطين، إلى حدّ إطلاق اسم "عاصمة الشتات الفلسطيني" عليه. كان يقطنه (مخيما اليرموك وفلسطين المتداخلان) مليون شخص، منهم نحو 160 ألف فلسطيني، فيما تقدّر مساحته بنحو كيلومترين مربعين.
وقد أثار القرار الجديد مخاوفَ لدى أبناء اليرموك، الذين اعتبروه بمثابة إعلان وفاة رسمية للمخيم. إذ لم يكتفِ النظام بتدميره وتشريد أهله، بل جاء اليوم لينزع الشرعية عن إدارته المستقلة. واعتبر هؤلاء أنّ وضع لجنة المخيّم المحلية تحت تصرف محافظة دمشق، هدفه التضييق عليها والحدّ من حركتها لإعادة أهالي المخيم. كما أنّ القرار يلغي ما كان يتمتّع به المخيم من خصوصية كمنطقة جغرافية، حيث سيصبح اليرموك مثل أي حي من أحياء دمشق يتبع للمحافظة وتلغى عنه صفة المخيم، ليستعاض عنها باسم منطقة اليرموك.
وفي السياق، قال الناشط السياسي الفلسطيني، المنسّق العام لتجمّع "مصير"، المحامي أيمن أبو هاشم، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ حلّ اللجنة المحلية لمخيم اليرموك الهدف منه "إلغاء التوصيف الإداري الخاص بمخيم اليرموك، وتحويله وفق سياسة النظام، من مخيم له تبعية إدارية مشتركة ما بين وزارة الإدارة المحلية ومؤسسة اللاجئين الفلسطينيين، إلى حي يتبع محافظة دمشق ويكون له تنظيم عمراني جديد يقوم على طمس الهوية الديمغرافية والوطنية".
ورأى أبو هاشم أنّ هذا القرار هو "محصلّة لكل ما فعله النظام بحق مخيم اليرموك وسكانه خلال سنوات الثورة، من حصار وتجويع وتدمير ممنهج وتهجير قسري"، معتبراً أنّ "كل ذلك يأتي في إطار رسائل النظام لإسرائيل على أنه الطرف الأقدر على تطمين مخاوفها من قضية اللاجئين الفلسطينيين، وتخليصها من عبء وجودهم وحقوقهم، وقد قام النظام بهذا الدور بكل خبث ووحشية".
محو تدريجي للهوية
من جهته، رأى الناشط الفلسطيني، أبو مصطفى قاعود، أنّ القرار يأتي في إطار "المحو التدريجي لهوية المخيّم الفلسطينية، تطبيقاً للقانون رقم 10 والمرسوم 66 الناظمين لحركة البناء ومشاريع التنظيم وإعادة الإعمار في دمشق ومحيطها، ضمن ما يسمى دمشق الكبرى التي تضم مجمل الأحياء الملاصقة للعاصمة دمشق، وتلك التي لا تتبع لها إدارياً، وأغلبها مصنّفة كأحياء مخالفة، يتوجّب بموجب القانون إزالتها".
إزالة الأنقاض
بعد سيطرة قوات النظام على المخيم وعموم منطقة جنوب دمشق في إبريل/ نيسان الماضي، كانت نسبة الدمار فيه عالية جداً. وقدرت مصادر اللجنة المشرفة على إعادة الأعمار بأنّ هناك 20 بالمائة من المنازل مدمرة كلياً ولا يمكن إصلاحها، بينما هناك 40 بالمائة من المباني متضرّرة بدرجات متفاوتة ويمكن إعادة ترميمها.
وخلال الشهرين الماضيين، جرى رفع الأنقاض من الشوارع الرئيسية في المخيم بموجب منحة قدمتها السلطة الفلسطينية لمنظمة "أونروا" وبلغت 2 مليون دولار. كما ساهمت مبادرات محلية في رفع الأنقاض عن بعض المنشآت. لكن في الأيام الأخيرة، وبعد صدور القرار المذكور بشأن تبعية المخيم لمحافظة دمشق، توقّفت أعمال رفع الأنقاض التي كانت تشرف عليها اللجنة المحلية في المخيم كلياً، فيما لا يعرف حتى الآن ما هي خطط المحافظة بشأن المخيم.
وكان نائب وزير الخارجية السوري في حكومة النظام، فيصل المقداد، قد أبلغ الفصائل الفلسطينية في دمشق بصدور قرار رسمي، بعودة أهالي مخيم اليرموك الفلسطينيين إليه. وقال إنّ النظام لا يضع أي مانع أمام عودة الفلسطينيين إلى المخيم وأن هناك خطة لتنظيم عودة اللاجئين جميعاً، حسب تعبيره، مضيفاً "لا مانع في أن يكون هناك دور للسلطة الفلسطينية أو وكالة أونروا في إعادة إعمار مخيّم اليرموك"، إلا أنه لم يحدّد تاريخ العودة أو الإجراءات التي يجب اتخاذها لتأمين عودة السكان.
ونقلت مصادر فلسطينية وإعلامية أنّ النظام أبلغ وكالة "أونروا" بموافقته على ترميم مدارسها ومؤسساتها ومنشآتها التي تعرّضت للقصف والدمار والنهب في مخيم اليرموك. وكان المخيم يضم قبل اندلاع الثورة في سورية، مراكز عدة للوكالة، منها مستوصفان مدمران بالكامل، ومركز تأهيل مهني، ومركز دعم للشباب. بالإضافة إلى 28 مدرسة تابعة للوكالة تعمل بنظام الفترتين، فضلاً عن ثماني مدارس حكومية.
بين السلطة و"أونروا"
إلى ذلك، رأى الكاتب الفلسطيني، علي رضوان، أنّ "إعادة بناء مدارس ومؤسسات الوكالة تحتاج إلى تدخّل الدول المانحة، فالميزانية العامة للوكالة لا يمكن أن تؤدي هذا الغرض". وطالب في حديث مع "العربي الجديد" أونروا بإطلاق نداءات للطوارئ من أجل العمل على إعادة بناء مؤسساتها، مشيراً إلى أنّ "الدمار طاول نحو سبعين بالمائة من منشآت الوكالة في سورية بشكلٍ عام، لكن الدمار الذي لحق بمؤسساتها في اليرموك يكاد يكون كلياً".
من جهته، قال مسؤول حركة "فتح" في سورية، سمير الرفاعي، في تصريحات صحافية، إنّ رئيس وزراء النظام، عماد خميس، أكّد له أنّ "إعادة تأهيل البنى التحتية هي من مسؤولية الحكومة، لكن إعادة إعمار البيت المهدّم أو ترميمه يقع على عاتق حساب المالك".
وكان مدير الدائرة السياسية لـ"منظمة التحرير الفلسطينية" في سورية، أنور عبد الهادي، قد قال في تصريح لجريدة "الوطن" المقربة من النظام، إنه "جرى الطلب من الحكومة السورية الموافقة على ترميم مقبرة الشهداء، بإشراف منظمة التحرير، فوافقت على ذلك"، مشيراً إلى أنّ "ما يجري هو فتح الطرق والشوارع الرئيسية وإزالة الأنقاض من الشوارع الرئيسية، لتمهيد طريق الوصول إلى المقبرة" التي تضم رفات شهداء الثورة الفلسطينية منذ عام 1965.
عودة الأهالي
تقدّر مصادر فلسطينية أنه يعيش اليوم في المخيم بضع عشرات من العائلات فقط، وهي التي لم تغادره خلال الحرب. ويعيش معظم أبناء اليرموك اليوم في مناطق بريف دمشق أو غادروا خارج سورية باتجاه الدول المجاورة أو أوروبا، إذ تقدّر مصادر وصول نحو مائة ألف فلسطيني من سورية إلى الدول الأوروبية.
وبالنسبة للأهالي الذين يحاولون العودة لتفقّد بيوتهم التي تعرّضت كلها للنهب و"التعفيش" بعد سيطرة قوات النظام على المخيم، فإنهم يخضعون لإجراءات معينة، إذ يتوجّب عليهم الحصول على موافقة للزيارة فقط (وليس للإقامة) من حاجزين عند مدخل المخيم. ويطلب هؤلاء العناصر من الأهالي أوراقاً تثبت أنهم من سكان اليرموك أو لهم ممتلكات فيه.
ويلحّ سكان المخيم الذين يستأجر من بقي منهم بيوتاً على أطراف العاصمة بأسعار مرتفعة ترهق كاهلهم، على السماح لهم بالعودة إلى منازلهم من أجل ترميمها والاستقرار فيها، ولو على نفقتهم الخاصة، لكن عناصر الأمن السوري يمنعونهم من البقاء في المخيم والعيش فيه، بحجة استمرار ورشات العمل بإزالة الأنقاض والركام من أزقة وشوارع اليرموك، وعدم توفر الخدمات الأساسية فيه.
والواقع أنّ أحداً لا يعرف ما الذي يضمره النظام السوري، وذراعه الجديدة، محافظة دمشق، للمخيم من خطط عمرانية وديمغرافية. فلا يمكن الركون إلى التصريحات العلنية الصادرة عن هذه الجهة الفلسطينية أو تلك، بشأن مستقبل المخيم، لأنّ أغلبها يقوم على التمني والتوقّع، من دون أن تكون في موقع القرار، ولا حتى الاطلاع الحقيقي على ما يتم التخطيط له بشأن مستقبل المخيّم.
وحتى ما يسمى بـ"تحالف قوى المقاومة الفلسطينية" التي قاتلت إلى جانب قوات النظام السوري في اليرموك، ليست على اطلاع على الخطط الخاصة بالمخيّم، ووجهت قبل أيام نداءً إلى محافظة دمشق والجهات المعنية للإسراع بتسهيل عودة الأهالي إلى مخيم اليرموك.