تعرض عدد من أعضاء "الدعوة السلفية" وذراعها السياسي حزب النور للاعتقال خلال الأشهر القليلة الماضية في عدة محافظات، من دون أن تتم إثارة هذا الأمر من قبل قيادات الحزب، منعاً للدخول في صدام مع الأجهزة الأمنية والنظام الحالي. وعلى الرغم من التدخل السريع لهذه القيادات وتمكنها من إطلاق سرح الأعضاء المعتقلين، إلا أن هناك تخوّفاً من تجدد حملة الاعتقالات وتوسعها خلال الفترة المقبلة، بما يعني "استغناء السيسي عن خدمات حزب النور والدعوة السلفية"، بحسب تفسير مراقبين.
ويبدو أن حزب "النور" المصري، الذراع السياسي لـ"الدعوة السلفية"، يواجه، حالياً، ما كان يخشاه إذا أعلن تأييده لبقاء الرئيس المعزول محمد مرسي في الحكم خلال اجتماع مع عبد الفتاح السيسي حينما كان وزيراً للدفاع. وقد حاول السيسي إشراك مكوِّن إسلامي في اجتماع 3 يوليو/تموز الشهير، الذي أُعد خصيصاً للانقلاب على مرسي بمشاركة قوى معارضة له. وكان لا بد من وجود مكوّن إسلامي تمثل في حزب النور، لإرسال رسالة للمجتمع الدولي بعدم اضطهاد التيار الإسلامي.
وكشفت مصادر سلفية عن تواصل قيادات "الدعوة السلفية" وحزبها مع مؤسسة الرئاسة بشأن وقف استهداف واعتقال أعضائهما خلال الفترة الماضية. وقالت المصادر لـ"العربي الجديد" إن قيادات "الدعوة" والحزب تواصلوا مع وزارة الداخلية لوقف عمليات الاعتقال التي حدثت خلال الأشهر القليلة الماضية. وأضافت أنه عقب اعتقال أي من الأعضاء يتم التواصل بشكل سريع مع الأجهزة الأمنية في المحافظة، ويتم بالفعل إطلاق سراحه بعد بضعة أيام. وتابعت أنه في كل مرة يتم إثبات عضوية هذا الشخص بالحزب أو "الدعوة"، ومع ذلك يتم التأخر في إطلاق السراح ولكنه يحدث بالفعل في النهاية. وأشارت إلى أن اعتقال أعضاء الحزب و"الدعوة" في المحافظات "مؤشر خطر، إذا ما تم التوسع في هذا الأمر، لا سيما مع معرفة التوجهات العامة برفض العنف وحمل السلاح" من قبل حزب "النور" و"الدعوة"، وفق المصادر.
وأكدت المصادر مشاركة حزب النور في اجتماع عقده السيسي في يوليو/تموز 2013 حين كان وزيراً للدفاع وحين تم عزل مرسي، ولكن حالياً يتمّ تناسي هذا الموقف تماماً، وفق تعبير المصادر. ولفتت إلى أن "الدعوة" والحزب نظما حملات لنبذ العنف على مستوى مصر في ظل تصاعد الحراك المسلح لجماعات إسلامية، فضلاً عن تنظيم دورات دينية داخلية للأعضاء لبيان خطأ حمل السلاح وانتشار أفكار التكفير. وشددت على أن الأزمة السابقة الخاصة بمنْع مشايخ "الدعوة" من صعود المنبر، تم حلها جزئياً بالسماح لبعض القيادات مثل ياسر برهامي ويونس مخيون، بالقيام بذلك. وتساءلت المصادر ذاتها حول السبب في الاتجاه أخيراً إلى اعتماد هذا الأسلوب في التعامل مع أعضاء "الدعوة" والحزب، في ظل الالتزام بالنظام العام للدولة وعدم الخروج عنه، وفق تعبير المصادر.
وأوضحت المصادر السلفية أن التواصل دائم مع الأجهزة الأمنية بشأن عدم اعتقال أي من أعضاء الحزب خلال الفترة المقبلة، بما لا يؤثر سلباً على العلاقة مع أجهزة الدولة، باعتباره حزباً سياسياً قائماً، وله نواب في البرلمان وبالتالي هو يحظى بشرعية دستورية وقانونية، بحسب المصادر.
من جانبه، قال الخبير السياسي، محمد عز، إن دور حزب "النور" انتهى منذ فترة بالنسبة للسيسي والنظام الحالي، وبالتالي الوضع الخاص الذي كان يحظى به في الفترة الأولى للإطاحة بمرسي لم يعد موجوداً. وأضاف عز، في حديث مع "العربي الجديد" أن السيسي كان يريد وجود مكوّن إسلامي في اجتماع الإطاحة بمرسي، وتحقق له ما أراد، ولكنه انقلب عليه لاحقاً وكان أبرز مثال على ذلك نتائج انتخابات مجلس النواب الماضية، إذ لم يحصد الحزب إلا عدداً قليلاً من المقاعد، وفق قول الخبير. وتابع أنه بينما كان السيسي يعامل حزب "النور" و"الدعوة السلفية" جيداً، في المقابل شنّت أذرع النظام الحالي حملات إعلامية شديدة عليه خلال الانتخابات باعتباره حزباً دينياً، فضلاً عن المطالبات بحله نهائياً، بحسب تعبيره. ولفت إلى أن "المطلوب وجود مكون إسلامي داخل النظام، ولكن شكل هذا التواجد لا يكون كبيراً مطلقاً، ودائماً يكون تحت الأنظار مع إرسال رسالة بالقدرة على العصف به في أي لحظة"، على حد وصفه. وشدد على أن رؤية السيسي للتيار السلفي تحديداً لا تختلف كثيراً عن رؤية الرئيس المخلوع حسني مبارك، لافتاً إلى أن الأجهزة الأمنية سمحت للسلفيين بالتواجد لمواجهة نفوذ "الإخوان المسلمين"، ولكن تحت أعين الدولة حتى لا يتحولوا إلى قوة حقيقية يصعب التعامل معها في وقت لاحق، وهذه الرؤية موجودة حالياً، وفق قول عز.