وقالت مصادر خاصة، لـ"العربي الجديد"، إن السبسي قد يكون طرح هذه الفرضية الدستورية على رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، في اجتماعهما في قصر الرئاسة بقرطاج، الخميس الماضي. وأعاد الغنوشي التأكيد إثر اللقاء على تمسك حزبه باستقرار البلاد، أي تواصل عمل الحكومة ورئيسها يوسف الشاهد، وكأنه يجيب على أسئلة السبسي بطريقة غير مباشرة. غير أن هذه الفرضية الدستورية ستدفع "النهضة" وغيرها إلى التفكير ملياً في تداعياتها الكبيرة وربما طرح أسئلة جديدة قد تغيّر المواقف القديمة. وينص الفصل 99 من دستور تونس على أنه "لرئيس الجمهورية أن يطلب من مجلس نواب الشعب التصويت على الثقة في مواصلة الحكومة لنشاطها، مرتين على الأكثر خلال كامل المدة الرئاسية، ويتم التصويت بالأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس نواب الشعب، فإن لم يجدد المجلس الثقة في الحكومة اعتبرت مستقيلة، وعندئذ يكلف رئيس الجمهورية الشخصية الأقدر لتكوين حكومة في أجل أقصاه 30 يوماً طبقاً للفقرات الأولى والخامسة والسادسة من الفصل 89. وعند تجاوز الأجل المحدد من دون تكوين الحكومة، أو في حالة عدم الحصول على ثقة مجلس نواب الشعب، لرئيس الجمهورية الحق في حل مجلس نواب الشعب والدعوة إلى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها في أجل أدناه 45 يوماً وأقصاه 90 يوماً. وفي حالة تجديد المجلس الثقة في الحكومة، في المرّتين، يعتبر رئيس الجمهورية مستقيلاً".
ويقود هذا الفصل، الذي رفض السبسي تفعيله حتى الآن، برغم الدعوات المتكررة لذلك من شخصيات وأحزاب سياسية، إلى ثلاث فرضيات خطيرة، إقالة الحكومة أو حل البرلمان أو استقالة الرئيس، وهو ما يعني بعثرة كل الأوراق وإرباك الأحزاب ومؤسسات الدولة، بما يقود إلى تهديدات حقيقية للمسار الديمقراطي برمته. ورغم أن العارفين بالسبسي يؤكدون أنه لن يُقبل على مغامرة دستورية وسياسية كبيرة غير محسوبة العواقب بهذا الشكل، إلا أن طرحه لهذه الفرضية صراحة قد يكون الهدف منه دفع الأحزاب، خصوصاً "النهضة"، إلى إعادة حساباتها والتفكير جدياً في تكلفة دعمها للشاهد وتفضيلها له على حساب التوافق التاريخي مع السبسي، خصوصاً وأن نفس اليوم، الخميس، شهد إعلاناً للاتحاد العام التونسي للشغل عن إضرابين عامين في القطاع العمومي خلال الفترة المقبلة، ما يعني أن الداعين لإبعاد الشاهد قد حزموا أمرهم وأشهروا الأسلحة الثقيلة، ويستعدون للمواجهة المباشرة بعد أشهر من محاولة حلحلة الأزمة ودياً. ويبدو هذا السيناريو الدستوري مخيفاً جداً، لأنه مع دعم حركة النهضة للشاهد، وكتلته الجديدة، الائتلاف الوطني، فإن تحصيل 109 أصوات في البرلمان لحجب الثقة عن الحكومة مسألة في غاية الصعوبة، ما يجعل من مسؤولية "النهضة" مسؤولية مركزية، وهو ما يبدو هدفاً للسبسي، بتحميلها وزر هذا الوضع وتداعياته الممكنة على الأوضاع السياسية، خصوصاً على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتردية للغاية، وسط مراقبة شديدة للمانحين، المترددين بسبب عدم استقرار الأوضاع في تونس.
وإذا صحت نوايا السبسي بتفعيل الفصل 99، فإنه يطرح أسئلة مصيرية على كل الأحزاب والمنظمات التونسية، حول استعدادها لمرحلة فراغ في الحكم في حالة استقالة الرئيس، وتعطيل للدولة في حالة توجهه مرتين إلى البرلمان، وحول استعدادها لانتخابات تشريعية سابقة لأوانها، وكلها أسئلة تقود إلى قضية واحدة تتعلق بالأولويات الاستراتيجية، أيهما أهم: استكمال المسار الانتقالي أم تواصل الحكومة وتقاطع طموحات 2019؟ فهل ينوي الرئيس التونسي حقاً طرح هذه الفرضيات أم أنها مجرد إرباك وتخويف لمنافسيه؟