مصر: العسكر و"شباب السيسي" نجوم تعيينات المحافظين

31 اغسطس 2018
السيسي مستقبلاً رئيس هيئة الرقابة الإدارية الجديد (العربي الجديد)
+ الخط -
أجرى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أمس الخميس، حركة تغيير محافظين واسعة، تضمّنت زيادة العناصر العسكرية والشرطية إلى 18 محافظاً من بين 27، مع تعيين 18 نائباً للمحافظين، منهم 8 من الشباب المتخرّج حديثاً من البرنامج الرئاسي لإعداد الشباب للقيادة، الذين انخرطوا في الدراسة بالأكاديمية الجديدة لتأهيل الشباب بمدينة أكتوبر، والتي أنشئت منذ عام واحد، وكذلك في أكاديمية الدفاع الوطني التابعة للجيش. لكنّ القرار الذي شغل الدوائر السياسية والإعلامية المصرية، أمس، لم يكن حركة المحافظين التي صدرت وفية لتقاليد السيسي، بل هو قراره المفاجئ بإبعاد صديقه القديم، اللواء محمد عرفان، عن إدارة هيئة الرقابة الإدارية، بعد نحو 3 سنوات من توليه منصبه وتوسيع سلطاته وصلاحياته وإشرافه على تطوير صلاحيات هيئة الرقابة الإدارية، وإشرافها على المشروعات الكبرى وتشديد رقابتها على الوزارات والمصالح المختلفة.

واختار السيسي اللواء شريف سيف الدين، قائد سلاح المشاة السابق، رئيساً جديداً للرقابة الإدارية، علماً أنه لم يسبق له العمل في الشأن الرقابي على الإطلاق، إذ سبق وتولى قيادة المنطقة الجنوبية العسكرية، وترأس أركان المنطقة نفسها فقط، بينما تم تعيين عرفان في منصب جديد مستحدث هو مستشار رئيس الجمهورية لشؤون قواعد البيانات والحوكمة، علماً أنه غادر منصبه بدرجة وزير.

وكشفت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، أنّ الأشهر الأخيرة شهدت تصاعداً في ظاهرتين متوازيتين كان لهما أثر مباشر في رحيل عرفان. الأولى تمثّلت في رغبة السيسي في توصيل رسالة لجميع المسؤولين بأنّ لا أحد منهم محصّن من الإقالة، وهي الظاهرة التي بدأت بإطاحته بصهره رئيس الأركان الأسبق محمود حجازي في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وتواصلت مع وزير الدفاع السابق صدقي صبحي ومستشاره الشخصي إبراهيم محلب ومدير الاستخبارات السابق خالد فوزي الذي كان زميلاً قديماً له أيضاً.

أمّا الظاهرة الثانية، فهي رغبة مدير الاستخبارات، اللواء عباس كامل، في إخلاء الدائرة المحيطة بالسيسي، والتي شكّلت أساساً من قيادات الاستخبارات والرقابة الإدارية، من أي شخصيات قوية يمكنها ممارسة تأثير مباشر على السيسي من ناحية، أو من ناحية أخرى تتمتع بقبول يمكّنها من سرقة الأضواء من الرئيس. وهذا العامل الأخير اتسم به عرفان في الفترة الماضية، عندما بدأ يجري تحركات فردية في صورة الرقابة والمتابعة لمشاكل وأزمات، ونشر هذه التحركات إعلامياً.

وكان عرفان مشرفاً على تنفيذ خطة السيسي للدفع بالعشرات من ضباط الرقابة الإدارية داخل دواوين الوزارات لأداء أدوار عدة مهمة من شأنها بسط رقابة الهيئة ومن خلفها دائرة السيسي الخاصة على القرارات التنفيذية والتعاملات المالية المختلفة في دواوين الوزارات وإدارات المصالح الحكومية، لتحلّ هذه السيطرة الرقابية تدريجياً بدلاً من التحكّم الأمني في القيادات التنفيذية، والذي كان معمولاً به في العقد الأخير من عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك.

كما أشرف عرفان على وضع الاختصاصات الجديدة التي أضيفت للرقابة الإدارية في التعديلات التشريعية التي أدخلت العام الماضي على قانونها، بتوسيع سلطة التحرّي والكشف والضبط في جرائم الاستيلاء، ومحاولة الاستيلاء على المال العام، والتربح مقابل تحقيق المنفعة بالنسبة للموظفين العموميين وجميع شاغلي المناصب العامة بالجهات المدنية، وكذلك الجرائم المذكورة في قانون البنك المركزي، بما في ذلك جرائم تهريب النقود الأجنبية، وأيضاً الجرائم المنصوص عليها في قانون زرع الأعضاء البشرية وقانون مكافحة الاتجار بالبشر، أي بشكل عام مكافحة الفساد.


كذلك، أشرف عرفان، بأمر من السيسي، على محاصرة الموظفين والقيادات التنفيذية المناوئة للرئيس، وإبعاد القيادات المشكوك في ولائها، وكذلك تسليط ضباط الهيئة على القضاة باعتبارهم عاملين عاديين في الدولة بدعوى محاربة الفساد أيضاً. كما بدأ السيسي يعتمد على الهيئة في تنفيذ مهام إدارية بعينها، كرفع كفاءة وإعادة تأهيل التلفزيون المصري، وإدارة وتشغيل القناة الأولى الحكومية، فضلاً عن دخولها مجال التجارة واستثمار الأموال في بعض المشروعات.

وقالت المصادر التي تحدّثت لـ"العربي الجديد"، إن السيسي "كان يرغب في تكليف عرفان بعد إبعاده عن هيئة الرقابة الإدارية، بتولي منصب محافظ حلوان والعاصمة الإدارية الجديدة، التي كان هناك اتجاه لإنشائها حديثاً لفصل المنطقتين عن مجال سلطة محافظ القاهرة، إلّا أنّ الرأي استقر في النهاية على عدم تعيينه في هذا المنصب الذي كان سيعتبر تخفيضاً لدرجته الإدارية في هيكل السلطة المصرية".

أمّا في ما يخصّ حركة المحافظين الهجينة بين العسكريين وعناصر "شبيبة السيسي"، فإنّ تصعيد 8 من خريجي البرنامج الرئاسي لإعداد الشباب للقيادة كنواب للمحافظين، مع تعيين محافظة واحدة مقربة من مسؤولي هذا البرنامج هي منال عوض ميخائيل، محافظة لدمياط، يأتي ليكرّس ظاهرة الاعتماد المتنامي على خريجي البرنامج، شباناً وشابات، أياً كانت درجة تعليمهم ومؤهلاتهم الدراسية والعملية، كمساعدين ومعاونين للوزراء ومشرفين على برامج التطوير الإداري والنوعي في بعض الوزارات كالتعليم والصحة، وكمختصين بالتنسيق بين الوزارات والجهات التنفيذية الأخرى وعلى رأسها الجيش، كما يحدث في إدارة خريجي هذا البرنامج لمشروع تطوير التعليم الجديد.

وقبل الدفع بهم كنواب للمحافظين بهذه الكثافة، شهدت الأشهر الماضية الدفع بعدد من خريجي البرنامج للعمل في رئاسة الجمهورية وهيئة الاستعلامات، في إطار برنامج لإعادة هيكلتهما، في حين أنّه سيتم توزيع خريجي البرنامج الأقل كفاءة وأصحاب التخصصات غير النادرة، للعمل بدواوين المحافظات كمساعدين للنواب والمحافظين.

ويخضع الدارسون في هذا البرنامج لدورات عسكرية واستراتيجية يخضع لها أيضاً المرشحون للعمل بوزارة الخارجية. ومنحت الأفضلية في التعيينات الجديدة وكذلك في الترقّي في الهيئة الدبلوماسية لخريجي البرنامج الرئاسي، الذي بدوره يعطي أولوية الالتحاق للدبلوماسيين الشباب وخريجي كليات السياسة والإعلام والخاضعين لدورات من أكاديمية ناصر العسكرية.

وبالتوازي مع سعي السيسي لتكوين جيل جديد من القيادات الحكومية يدينون له بالولاء التام، وحائزون على إجازة الأمن والاستخبارات، عبّرت حركة المحافظين عن استمرار توسّع السيسي في توزيع المناصب التنفيذية في الأقاليم على زملائه ومعارفه وأهل الثقة داخل الجيش. إذ تمّ إسناد محافظة السويس إلى اللواء عبد المجيد صقر، مدير إدارة الشرطة العسكرية سابقاً والمعروف بصداقته القديمة للسيسي، في حين أسندت محافظة أسوان إلى اللواء أحمد إبراهيم محمد، قائد قوات حرس الحدود الأسبق والذي زامل السيسي لسنوات. أمّا محافظة المنوفية، فأسندت إلى اللواء سعيد محمد عباس، مساعد رئيس هيئة الأركان وقائد المنطقة المركزية العسكرية سابقاً.

وأسندت محافظة الإسماعيلية إلى اللواء حمدي عثمان، المدير الأسبق لسلاح المدرعات، ومحافظة البحيرة للواء هشام آمنة الذي عمل سابقاً بسلاح المدفعية وأنهى مهمته العسكرية في الحرس الجمهوري خلال السنوات الأخيرة. كذلك، أسندت محافظة الجيزة إلى لواء الشرطة أحمد راشد العطيفي المدير السابق للشؤون الإدارية بوزارة الداخلية ومساعد الوزير السابق لقطاع الحراسات والتأمين، فيما أسندت محافظة القاهرة إلى لواء الشرطة خالد عبدالعال، مساعد وزير الداخلية السابق لقطاع القاهرة ومدير أمن العاصمة.

وبينما عاد لواء الجيش محمد عبد الفضيل شوشة محافظاً لشمال سيناء بعد 10 سنوات من مغادرته العريش و8 سنوات من مغادرته منصب محافظ جنوب سيناء، تمّ نقل محافظ دمياط لواء الجيش إسماعيل عبد الحميد لمحافظة كفر الشيخ، فيما استمر عدد من المحافظين العسكريين في مواقعهم، أبرزهم صهر السيسي اللواء خالد فودة محافظاً لجنوب سيناء، واللواء عبد الحميد الهجان محافظاً لقنا، واللواء أحمد عبدالله محافظاً للبحر الأحمر، واللواء عادل الغضبان محافظاً لبورسعيد، واللواء محمد الزملوط محافظاً للوادي الجديد.

وفيما اعتاد السيسي إسناد مهمة المحافظ في مدن القاهرة الكبرى إلى قيادات الشرطة، مع استحواذ قيادات الجيش على محافظات القناة والصعيد والمناطق الحدودية، عاد السيسي لاختيار محافظين من بين القضاة بعد حركتين سابقتين خلتا من العنصر القضائي. وهذه المرة تمّ اختيار المستشار هاني عبد الجابر، نائب رئيس محكمة النقض ومساعد وزير العدل لقطاع حقوق الإنسان، محافظاً لبني سويف، خلفاً للمهندس شريف حبيب، الرئيس الأسبق لشركة "المقاولون العرب".

وبمجرد أداء السيسي اليمين الدستورية لفترة رئاسية ثانية، اعتبر المحافظون مستقيلين بحكم القانون، الأمر الذي استغله لإجراء حركة موسعة، وتجديد الثقة بالمحافظين الذين يحظون بقبول الأجهزة الأمنية والرقابية، والمكلفة من قبل الدائرة الخاصة بالسيسي التي يديرها عباس كامل، بمتابعة أعمالهم وتقييم تنفيذهم لتعليمات السيسي. وقد وردت للأخير قبل 5 أشهر تقارير رقابية سلبية بالنسبة لعدد من المحافظين ونوابهم، ليس في صورة قضايا فساد مالي كالتي تورّط فيها أخيراً محافظ المنوفية السابق هشام عبد الباسط، ونائبة محافظ الإسكندرية السابقة، سعاد الخولي، بل في صورة تراخ في تنفيذ تعليمات دائرة السيسي أو العجز عن السيطرة على دواوين المحافظات والمديريات الخدمية التابعة لها.

أمّا السبب الأطرف الذي أدّى للإطاحة ببعض المحافظين، بحسب مصادر حكومية مطلعة، فهو إقدام بعضهم على الترويج لأنفسهم داخل المحافظات وفي وسائل الإعلام باعتبارهم حققوا إنجازات كبرى، فضلاً عن إقدامهم أو موافقتهم على تعليق صور لهم في مداخل المدن الرئيسية إلى جانب صور السيسي!