في مايو/أيار الماضي، تحدث السيسي صراحة لأول مرة عن احتمال بقائه في الحكم مدى الحياة، عندما أشار إلى تجربة ماليزيا في إعادة رئيس الوزراء مهاتير محمد إلى الحكم منذ أيام وهو في التسعين من عمره، وبعد سنوات من اعتزاله العمل السياسي، في معرض انتقاده العهود السابقة منذ إنشاء نظام يوليو 1952 ووصفه سنوات ما بعد نكسة يونيو/حزيران 1967 بأنها كانت "عهود جمود ومسكنات وترحيلٍ للمشاكل".
السيسي الذي بلغ منذ أقل من شهرين عامه الرابع والستين، من المفترض أن ينهي ولايته الثانية في سن الثامنة والستين، وكان عام 2018 مفصلياً في مسيرته على رأس النظام. فقبيل الانتخابات الرئاسية، الموصومة محلياً ودولياً بـ"المسرحية"، التي فاز بها بنسبة أصوات 97.08 في المائة بعد منافسة صُورية مع رئيس حزب "الغد"، السياسي المغمور موسى مصطفى موسى، نجح السيسي في القضاء على الشخصيات المعارضة له داخل الجيش وخارجه بأسلحة مختلفة.
والاتصالات بعنان لم تكن الأولى التي يقوم بها ضباط في المخابرات العامة مع مرشحين محتملين ضد السيسي؛ فقائمة وقائع "التسرب" و"العمل السري" لأجنحة في الجهاز مع منافسين للسيسي ومعارضين له، طويلة وممتدة، تشمل وفق مصادر اتصالات بشفيق خلال إقامته بالإمارات من دون العودة إلى الرئاسة أو إدارة الجهاز. وكذلك اتصالات مباشرة وغير مباشرة بمعارضي التنازل عن جزيرتَي تيران وصنافير للسعودية من نواب وحقوقيين وإعلاميين وقضاة، فضلاً عن استغلال بعض الأجنحة داخل الجهاز نفوذها كوكلاء في المخابرات العامة لتوجيه الصحف وبرامج "التوك شو" التابعة أو القريبة من الجهاز لتناول مواضيع غير مستحبة للسيسي ودائرته.
وتسبّب هذا الاستغلال الإعلامي في ظهور تناقض بين الخطاب الرسمي وتناول الإعلام الموالي للسلطة له في بعض المناسبات؛ كتضخيم معلومات تعثّر مفاوضات سد النهضة في أوقات لا يرغب فيها السيسي، والمعارضة الحادة في بعض الأحيان لقرار نقل السفارة الأميركية في إسرائيل إلى القدس المحتلة والاحتفاء بالتظاهرات الرافضة، والحديث عن ضرورة وجود منافس للسيسي في الانتخابات، وإفساح المجال لبعض المعارضين للحديث في الفضائيات المملوكة أو القريبة من أجهزة النظام.
وكان تحرك السيسي لتخليص جهاز المخابرات من المجموعات المناوئة له أو المشكوك في ولائها، أول ما فعله تقريباً في عام 2018، فأدى ذلك بشكل مباشر إلى تشكيل إدارة جديدة موحّدة للتعامل مع الإعلامَين الداخلي والخارجي في المخابرات، بسطت سيطرتها على محتوى كل الصحف القومية والخاصة الموالية للنظام، ورسخت أسلوب الرقابة المسبقة على المطبوعات، لتمر الصحافة المصرية بأسوأ أعوامها ربما في تاريخها الطويل.
أما القنوات الفضائية، فكان العام تبعاً لذلك هو الأصعب بالنسبة إليها على الإطلاق، بعد استحواذ مجموعتي "إيغل كابيتال" و"فالكون" التابعتين للمخابرات العامة والأمن الوطني بالترتيب على كل القنوات الخاصة، بالاستحواذ أو الإدارة، عدا قناة "صدى البلد" التي يملكها رجل الأعمال الموالي للنظام محمد أبو العينين، ومجموعة "النهار" المملوكة لرجال أعمال والتي تواجه أيضاً تضييقاً وضغوطاً مختلفة.
غيْر السيسي لا أحد
وكانت "مسرحية" انتخابات الرئاسة، أيضاً فرصة للسيسي للإجهاز على الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات هشام جنينة، الذي اختار بعد عزله من منصبه والحكم عليه في قضية "إطلاق تصريحات كاذبة عن حجم الفساد"، أن يضع يده بيد عنان ويعمل معه في حملته الانتخابية؛ فكان جزاؤه حكماً عسكرياً بحبسه 5 سنوات لإدلائه بتصريحات كاذبة، قال فيها إن عنان يملك أوراقاً ومستندات عن مسؤولية المجلس العسكري عن جرائم وقعت في عهده، الأمر الذي نفاه عنان أمام المحققين العسكريين لتخفيف وطأة الانتقام منه.
وبعد إنهاء الانتخابات بنسبة مشاركة دون المأمول لم تتجاوز 41 في المائة، وفقاً للبيانات الحكومية الرسمية، على الرغم من الحشد الحكومي والأمني والتخويف المستمر من المقاطعة، أجرى السيسي تغييرات حكومية، باختيار وزير الإسكان مصطفى مدبولي رئيساً للوزراء بدلاً من سلفه المريض شريف إسماعيل. كما أطاح بوزير الدفاع صدقي صبحي وعيّن قائد الحرس الجمهوري الفريق محمد زكي خلفاً له، في إطار سلسلة من الإجراءات لإحكام السيطرة على الجيش وتسلّم الموثوق فيهم المناصب المهمة، والتغيير المستمر لمنع حصول أي قيادة على شعبية أو تأييد داخل الجيش أو خارجه.
وجاءت موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة على إبعاد صبحي بسهولة، ذلك لأن السيسي أصبح مسيطراً بالكامل على المجلس العسكري منذ أكتوبر/تشرين الأول 2017 عندما أطاح بقائد سلاح الدفاع الجوي عبدالمنعم التراس، آخر القادة الذين عملوا مع عنان، ولم يعد بين قيادات الجيش من هو أكبر سناً من السيسي إلا الفريق محمد فريد حجازي، صديقه والذي عيّنه رئيساً للأركان، واللواء ممدوح شاهين مساعد وزير الدفاع للشؤون القانونية والدستورية.
وتماشياً مع سياسة التغيير والقضاء على بوادر بروز أي شخصية على الساحة حتى إذا كانت من داخل النظام، شهد العام 2018 صعود وانهيار ظاهرة اللواء محمد عرفان، الرئيس السابق لهيئة الرقابة الإدارية، الذي كان السيسي قد منحه الضوء الأخضر لتوسيع سلطات وصلاحيات الهيئة وإبراز نجاحاتها في الإعلام، إلى حد إشرافها على مشاريع ينفذها الجيش، ومراقبتها القضاة والنواب والوزراء بطبيعة الحال.
وبدا الأمر بعد إطاحة عرفان في أغسطس/آب الماضي وكأن السيسي يقول إن جميع المسؤولين ما هم إلا بيادق يحركها كيفما يشاء، وإنه لا وجود لمسؤول محصن من الإقالة، فأسند لصديقه السابق منصباً شرفياً هو مستشار رئيس الجمهورية للحوكمة وقواعد البيانات، وعيّن بدلاً منه شخصاً صامتاً بلا كاريزما هو اللواء شريف سيف الدين، الذي لم يظهر في وسائل الإعلام إطلاقاً خلال أربعة أشهر سابقة.
تغيير هوية الدولة
هوس السيسي بإحكام السيطرة على الجميع امتد إلى القضاء، فإذا كان عام 2017 قد شهد هدمه قاعدة الأقدمية المعمول بها منذ نشأة القضاء المصري وإصداره قانوناً يخوّله اختيار وتعيين رؤساء الهيئات القضائية، الذين هم حالياً من اختياره بالكامل بعد فحص سيرهم الذاتية وإجازتهم رقابياً وأمنياً واستخباراتياً، جاء عام 2018 عاكساً اهتمام السيسي بإحداث تغيير جوهري في تشكيل الهيئات القضائية. فبدأ العبث في طريقة اختيار القضاة الجدد وإدخال عوامل جديدة للترشيح ومناهج جديدة للتدريب تركّز على الأفكار السياسية والعسكرية لا القانونية، وأجبرت الهيئات على تدريب الملتحقين الجدد بها في أكاديمية ناصر العسكرية ثم الأكاديمية الوطنية للشباب.
واختتم السيسي العام بإحياء مجلس جامع للهيئات القضائية تحت اسم "مجلس الهيئات القضائية" قريب الشبه بالمجلس الأعلى للهيئات القضائية الذي كان قائماً في عهدي الرئيسين السابقين أنور السادات وحسني مبارك، وفق دستور 1971، وتم إلغاؤه بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 بناء على مطالبات من القضاة، باعتبار أن المجلس كان يهدف للسيطرة على الهيئات بواسطة وزير العدل الذي كان يرأس اجتماعات المجلس فعلياً، بهدف توحيد آراء القضاء تجاه الملفات المختلفة التي قد تثير أزمات بين الهيئات لتسهيل التعامل ومحاصرة مساحات الخلاف والمعارضة.
وقبل تفريخ جيل جديد من القضاة الذين يدينون له بالولاء، شهد العام الحالي تخريج دفعتين من الأكاديمية الوطنية للشباب والبرنامج الرئاسي لإعداد الشباب للقيادة، وتم الدفع بالخريجين بكثافة استثنائية للعمل في الجهاز الإداري للدولة؛ إذ تم تعيين العشرات في الوزارات المختلفة ودواوين المحافظين، بعد إجراء تحريات أمنية ورقابية كثيفة عليهم وعلى عائلاتهم. وفي الربع الأخير من العام، تم تعيين مجموعة من خريجي الأكاديمية في هيئة الرقابة الإدارية من حاملي المؤهلات العلمية المدنية لأول مرة، من دون الجيش والشرطة، اعتماداً على القانون الجديد للهيئة الذي أجاز لأول مرة تعيين أعضائها من خارج الجيش والشرطة، كما استثنى الهيئة من اتباع الإجراءات المعمول بها للإعلان عن الوظائف في الأجهزة الحكومية المختلفة، بحيث يتم التعيين من دون إعلانات مسبقة أو إجراء مسابقات تحظى ببعض سمات الشفافية.
ولا يستهدف السيسي من تلك التحركات إلا استكمال السيطرة على أجهزة الدولة بالدفع بأجيال جديدة موالية له وحده، وليست محسوبة على أي عهد سابق، وتكون لها أولوية قيادة تلك الأجهزة بعد سنوات معدودة.
الترتيبات السياسية متعثرة
لكن "النجاح" المستمر للسيسي في تغيير مفاصل الدولة، لا يوازيه نجاح مماثل على صعيد المشهد الحزبي؛ فبعد فشل الأجهزة في حشد الجماهير وإقناعها بالمشاركة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، كان السيسي يرغب في أن يشهد العام 2018 ميلاد أو تفعيل ظهير سياسي حركي حقيقي، مكوّن من عدة أحزاب، بدلاً من الاعتماد على الأجهزة وحدها. لكن الأمر واجه عقبات دستورية وسياسية مختلفة، وحذر مستشارون قانونيون للنظام من حدوث "أزمة دستورية" في حالة الإقدام على دمج الأحزاب الموالية للنظام في مظلة واحدة أو عدة ائتلافات، خلال الفصل التشريعي الحالي، وذلك لأن أي إجراء للدمج سيترتب عليه تغيير الصفة الحزبية لمئات من أعضاء الأكثرية النيابية "دعم مصر".
وبحسب ما كان متفقاً عليه، سيمثل أعضاء الأكثرية النيابية قسماً كبيراً من قيادات المظلة الحزبية الموحّدة على المستويين الأعلى والوسيط، وهناك العشرات من نواب الأكثرية يتمتعون بعضويتها وهم مستقلون أمام القانون، وليسوا منتمين لأي حزب، وبالتالي فإن انضمام العناصر المستقلة المهمة للنظام إلى الحزب الموحّد أو أي من الائتلافات الحزبية المزمع تشكيلها، سيؤدي إلى تغيير صفتهم التي دخلوا بها البرلمان، مما يؤدي قانوناً إلى سقوط عضويتهم مباشرة.
ولحين إزالة هذه العقبات القانونية، فتح النظام المجال لتنافس الأحزاب الموالية له على قيادة الظهير السياسي المرتقب تشكيله، وذلك من خلال اختبارها في عدة أنشطة، من إطلاق مبادرات لجس نبض المواطنين لمسألة التعديل الدستوري، إلى التعاون مع الحكومة في الأنشطة الخدمية والاجتماعية. وقبل أن ينتهي العام، حصل حزب "مستقبل وطن" المدعوم من المخابرات العامة، على أفضلية ملحوظة لقيادة الظهير السياسي بسبب نجاح قياداته في ضم عدد كبير من رجال الأعمال في الأقاليم وضواحي العاصمة لعضويته، والعديد منهم كانوا أعضاء في "الحزب الوطني" الحاكم في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، لكن تم استبعاد الشخصيات التي كانت تجاهر بتأييد الفريق أحمد شفيق أو تعاونت معه خلال السنوات الماضية.
كما انتهى العام قبل حسم كل مواضيع التعديل الدستوري المرتقب أو موعده. فإلى جانب مد فترات الرئاسة، هناك أفكار بشأن عودة مجلس الشورى كغرفة ثانية للبرلمان، وإلغاء القيد على سلطة رئيس الجمهورية ومجلس النواب في عرض مادة معينة من الدستور للاستفتاء بغية التعديل أكثر من مرة متتالية حتى إذا رفض الشعب تعديلها في المرة الأولى، وتعديل المادة 226 التي تحظر تعديل الدستور إلا بمزيد من الضمانات بشأن الحقوق والحريات ومدد الرئاسة، وإباحة تعطيل صدور الصحف ووسائل الإعلام بقرارات إدارية، على أن يُنظّم القانون لاحقاً كيفية الطعن فيها، وإباحة حل المجالس المحلية المنتخبة بقرار من رئيس الجمهورية بعد استيفاء إجراءات حكومية معينة، وتنظيم منح مساعدات مالية من الحكومة للأحزاب، وتغيير قواعد إشهارها لتتطلب مزيداً من الأعداد في العضوية.
وهناك مقترحات بتأجيل الاستفتاء عاماً أو اثنين أو إجرائه بالتزامن مع انتخابات البرلمان، منها بسبب عدم وجود مخصصات مالية تكفي لإجراء استفتاء دستوري واسع قبل انتخابات مجلس النواب 2020 التي من المتوقع أن تكون الأكثر تكلفة في تاريخ مصر. كما أن هناك مقترحات بتأجيل الاستفتاء لما قبل انتهاء الفترة الرئاسية مباشرة، على أمل أن يؤمّن ذلك للسيسي الحصول على دعم شعبي قياسي، وربما يمكنه التمهيد الإعلامي من تغيير الخطة وإزالة قيد عدم تولي المنصب لأكثر من فترتين، فتزيد مدة الفترة الواحدة، ويتمكن أيضاً من تحرير نفسه من القيد الذي لم يكن مفروضاً على مبارك، الذي استفاد من التعديل الدستوري الذي أدخله سلفه أنور السادات عام 1980 ليتمكن من البقاء في الحكم حتى الإطاحة به.
ملفات خارجية عالقة
أما على الصعيد الخارجي، فقد حمل العام 2018 خيبات أكثر؛ فأبرز الملفات التي طالما أقلقت السيسي، لم تُحل حتى الآن، وعلى رأسها قضية مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني. وتبدو علاقة مصر بإيطاليا على المحك بشأن هذه القضية، بعد انقضاء عام آخر من دون تقدّم، وتصاعد الضغوط الإيطالية إلى حد إعلان قائمة منفردة بالمشتبه فيهم من الضباط المصريين والتلويح بضم شخصيات أكبر وإعلان نتائج تحقيقات من جانب واحد، في مواجهة تعنّت مصري وعدم شفافية استفزا البرلمان الأوروبي الذي أصدر الشهر الماضي توصية بوقف المساعدات لمصر، ووجدتها دوائر ديمقراطية عدة في الأوساط الأوروبية فرصة لممارسة الضغوط على حكومات مختلفة لمراجعة تعاونها مع نظام السيسي.
وظهر هذا التغير الأوروبي البطيء في استقبال النمسا للسيسي نهاية العام؛ إذ أبرزت الصحف النمساوية والألمانية الانتقادات الإنسانية والحقوقية المتصاعدة للسيسي وتردي الأوضاع الاقتصادية في مصر، وطالبت بعض الأحزاب بالتصدي لاستقباله، الأمر الذي رسخ حقيقة أن تعامل الأوروبيين مع السيسي مستمر بمنطق الضرورة والمصلحة؛ فهو ما زال يروّج لكونه صاحب الفضل في وقف موجات الهجرة غير الشرعية بعد الجهود التي بذلها الجيش في العامين الأخيرين لمحاصرة نقاط الانطلاق شمالي دلتا النيل، وهو يحاول حالياً استغلال هذا الأمر للحصول على مزيد من المساعدات المالية والاستثمارات الأوروبية، فضلاً عن استمراره في منح عقود الشراكة لرؤوس الأموال الأوروبية الضخمة، وشراء الأسلحة من دول كفرنسا وألمانيا.
وربما كان هذا العام الأصعب على الخارجية المصرية منذ 2013 في الرد على الانتقادات الغربية والأممية، والتي كان أقساها بيان مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ميشيل باشليه لإدانة أحكام الإعدام والسجن للمعتصمين السلميين الـ743 المدانين في قضية "اعتصام رابعة" والتي صدرت من محكمة جنايات القاهرة في سبتمبر/أيلول الماضي. وشككت باشليه في مصداقية القضاء المصري واستقلاليته، فيما وصفت منظمة العفو الدولية الأحكام بأنها "مخزية". وأصدرت الخارجية المصرية بياناً شديد اللهجة اتهمت فيه المفوضية الأممية بـ"الانحياز لجماعة الإخوان الإرهابية، والتسطيح، وترديد الأكاذيب عن القضاء المصري وزعزعة الثقة الدولية فيه".
وتلقت الخارجية طوال العام انتقادات واستفسارات من السفارات الأوروبية وبعض أعضاء البرلمان الأوروبي ومفوضية الاتحاد الأوروبي في القاهرة بسبب تعدد أحكام الإعدام الصادرة من القضاء، والإدراج في قوائم الإرهاب، ومصادرة أملاك أعضاء جماعة "الإخوان المسلمين"، واستمرار التحقيق مع نشطاء حقوقيين يعارضون السلطة.
لكن هذه الاستفسارات والاتهامات لا يمكن وصفها بأنها ترقى إلى درجة "الضغوط"؛ فالضغوط الحقيقية دائماً تأتي من الولايات المتحدة، وبناء على مناقشات دارت في نيويورك خلال زيارة السيسي للأمم المتحدة، بحسب مصادر دبلوماسية، استطاع الرئيس الأميركي دونالد ترامب إغلاق ملف المتهمين الأجانب في قضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني والذي كان عالقاً منذ عام 2011، ليصدر حكم قبل أيام ببراءة جميع المتهمين الأميركيين والغربيين والمصريين في ذلك الشق من القضية. وتبعاً للضغوط الأميركية أيضاً، تعهّد السيسي بتعديل قانون الجمعيات الأهلية غير الديمقراطي وبدأ لأول مرة خطوات تنفيذية لذلك في نهاية العام.
أما الملف الآخر الذي لم يستطع السيسي حلحلته هذا العام، فهو المتعلق باستئناف رحلات الطيران الروسي إلى مطاري شرم الشيخ والغردقة، على الرغم من أن موسكو استأنفت رحلاتها من موسكو إلى القاهرة والعكس في إبريل/نيسان الماضي، بناء على بروتوكول استئناف الرحلات وتأمين المطارات الذي وقّعه البلدان، وعلى الرغم من الوعود التي تلقاها السيسي من نظيره الروسي فلاديمير بوتين في زيارته الأخيرة لروسيا.
وتعتمد السياحة في مدن البحر الأحمر بنسبة 92 في المائة على الطيران المباشر، لا الطيران الداخلي الآتي من القاهرة، فضلاً عن أن إجبار السيّاح الروس على استخدام الطيران الداخلي من القاهرة إلى أي مدينة أخرى للوصول إلى محل إقامتهم، يؤثر سلباً بنسبة تصل إلى 90 في المائة على إقبال الروس على الحجوزات الفندقية. علماً بأن السيّاح الروس ما زالوا يمثلون نحو 40% في المائة من إشغال الفنادق في مدن البحر الأحمر، مما يعني أن استمرار الوضع الحالي يحرم مصر من فرص كبيرة في زيادة عوائدها السياحية.
وكانت مصادر دبلوماسية مصرية قد ذكرت لـ"العربي الجديد" في مايو/أيار الماضي، أن من بين المشاكل التي شابت التنسيق بين القاهرة وموسكو، تعثّر التعاون المعلوماتي بين سلطتي الملاحة الجوية في البلدين حول واقعة سقوط الطائرة الروسية عام 2015؛ فما زالت روسيا تطالب باعتراف مصر بالتقصير الأمني وتقديم مسؤولين مباشرين عن هذا التقصير، وما زالت لديها شكوك في شأن تورط مسؤول مصري واحد على الأقل في تسهيل عملية زراعة العبوة الناسفة على متن الطائرة الروسية. وفي كلتا الحالتين، سواء كانت المسؤولية تقصيرية أو جنائية، فتأكيد ذلك بتحقيقات قضائية مشتركة سيرتّب على مصر دفع تعويضات ضخمة للضحايا الروس.
والملف الثالث الذي لم ينجح السيسي في إحراز تقدّم به هو قضية سد النهضة الإثيوبي؛ فعلى الرغم من التقارب الرسمي بين القاهرة وأديس أبابا بعد تولي رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد منصبه وزيارته لمصر في يونيو/حزيران الماضي، إلا أن الحلول الجذرية لهذه القضية ما زالت مؤجلة. ولم يشهد العام 2018 إلا خطوة تقدّم واحدة شكلية، هي الاتفاق على عقد الاجتماعات التساعية بين مصر والسودان وإثيوبيا على مستوى وزراء الخارجية والري والمخابرات، وتشكيل ما يسمى بـ"المجموعة الوطنية المستقلة للدراسات العلمية" على أن تشكل المجموعة من 15 عضواً، بواقع 5 ممثلين لكل دولة، وتختص المجموعة بتقديم توصيات علمية لتقريب وجهات النظر بين الدول الثلاث حول عملية ملء الخزان، واستغلال الموارد المائية المشتركة في تنمية الدول الثلاث وفق معايير عادلة، والتأكد من عدم انعكاس عملية ملء الخزان بالضرر على أي طرف.
ومنذ الصيف، لم تعقد اجتماعات تساعية، لكن بيان حكومة مصطفى مدبولي المقدّم للبرلمان في يوليو/تموز الماضي تضمن بنداً ينص على تفعيل العمل بالاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل، وهي الاتفاقية التي رفضت مصر التوقيع عليها سابقاً لأنها تتناقض مع حصة مصر التاريخية من المياه والبالغة 55.5 مليار متر مكعب سنوياً وفق اتفاقيتي 1929 و1959.
وعلى الرغم من عدم اتخاذ خطوات تنفيذية بهذا الشأن حتى الآن، إلا أن تحركات الحكومة تؤكد أن تنازلها عن حصة مصر التاريخية بات أمراً محتوماً؛ فالمفاوضات حالياً بين القاهرة وأديس أبابا تدور حول أفضل الحلول لإلحاق "أقل الأضرار" بمصر، وليس منع وقوع الضرر، كما أن السيسي يبدو قريباً من إعادة تفعيل عضوية مصر في مبادرة حوض النيل التي جمد مبارك عضويتها فيها عام 2010.