تهديدات إسرائيلية ضد غزة: حرب نفسية وضغط لتفادي هجوم للمقاومة

09 أكتوبر 2018
يستهدف الاحتلال كل من يقترب من السياج(عبدالحكيم أبو رياش)
+ الخط -

تتزامن التهديدات التي أطلقها رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ضد قطاع غزة، مع تزايد مؤشرات التصعيد والحرب والضغط، في ظل انغلاق كل أفق أمام حل الأزمات الإنسانية والمعيشية التي يعيشها مليونا فلسطيني في القطاع الساحلي المحاصر منذ 12 سنة.

ودخلت السلطة الفلسطينية، هذه المرة، كعامل تفجير ومسرع للحرب، وفق الرواية الإسرائيلية، التي نقلتها القناة الثانية، والتي تشير إلى أنّ نتنياهو حذّر من شن حملة عسكرية على القطاع، إذا لم تتحسن الأوضاع الإنسانية هناك بسبب الضغوط التي يمارسها الرئيس الفلسطيني، محمود عباس. ورغم تلويح نتنياهو بالحرب، فإنّ الواقع الحالي يشير إلى أنّ جزءاً من خطابه التهديدي يعود إلى قضايا داخلية في دولة الاحتلال، بينها إمكانية الذهاب إلى انتخابات نيابية مبكرة، تظهر استطلاعات الرأي أن حزب "الليكود" قد يتقدم فيها بشكل كبير على الأحزاب المنافسة، وكذلك رغبة منه في تصعيد الحرب النفسية، والضغط على مختلف الأطراف لإبعاد شبح الحرب المقبلة في ظل الاهتمام الإسرائيلي بجبهات أكثر أهمية من القطاع. وذكرت صحيفة "يسرائيل هيوم" أن الأحزاب الإسرائيلية دخلت حالة الاستعداد لانتخابات برلمانية مبكرة، رغم أن نتنياهو، لم يحسم موقفه بعد من قضية تبكير انتخابات الكنيست. ونقلت صحيفة "معاريف"، عن مسؤول في الائتلاف الحكومي قوله إن نتنياهو يريد أن يأتي مبرر تبكير الانتخابات من طرف الأحزاب الدينية عبر إعلانها رفض قانون التجنيد، الأسبوع المقبل. وإذا ذهب نتنياهو إلى انتخابات مبكرة، فإن "الليكود"، وبحسب استطلاع رأي أجرته القناة الثانية الإسرائيلية، سيكون في المقدمة وبفارق كبير عن باقي الأحزاب. وأظهر الاستطلاع إمكانية حصول "الليكود" على 32 مقعداً في الكنيست من 120 مقعداً، متقدماً مقعدين مقارنة بآخر استطلاع في يوليو/تموز الماضي. وسيحصل حزب "هناك مستقبل" على 18 مقعداً، و"المعسكر الصهيوني" على 12 مقعداً، ليتساوى مع القائمة المشتركة. وسيحصل "البيت اليهودي" على 10 مقاعد، و"يهدوت هتوراه" و"كولانو" على 7 مقاعد لكل منهما. وستتجاوز عضو الكنيست المنشقة عن حزب "إسرائيل بيتنا" أورلي ليفي أباكسيس، حزبها السابق لتحصل على 6 مقاعد، مقابل 5 لـ"إسرائيل بيتنا". وسيحصل "شاس" و"ميرتس" على 6 مقاعد لكل منهما.

لكن نتنياهو يخشى، في غمرة هذا الوضع المأساوي في القطاع، أن تبادر المقاومة الفلسطينية بالذهاب نحو عملية عسكرية "نوعية" تفقد جيشه عنصر المبادرة، كما كانت في الحروب الثلاث الماضية التي شُنت على القطاع، وهو ما يعني تمكنها من امتصاص أي ضربات تأتي بعد ذلك بأقل الخسائر في صفوفها وفي تجهيزاتها العسكرية. وعلى الأرض، يتغير التعامل الإسرائيلي مع المسيرات الحدودية بشكل لافت، في ظل استهداف كل من يقترب من السياج الحدودي، حتى لو لم يكن يشكل تهديداً حقيقياً على حياة الجنود الإسرائيليين. ومع ذلك التصعيد على الحدود، تشهد أجواء قطاع غزة منذ أيام حشداً لطائرات الاستطلاع الإسرائيلية، التي يبدو من عملها المكثف أنها تسعى لإضافة المزيد من الأهداف إلى بنك العمليات في أي حرب مقبلة، أو على الأقل زيادة الضغط النفسي على الفلسطينيين.

ويشير الخبير الفلسطيني في الشأن الإسرائيلي، عامر خليل، إلى أنّ التهديدات الأخيرة حيال غزة لها علاقة بالرؤية الإسرائيلية الأمنية التي يتم بحثها داخل هذه الأوساط، وما تراه من أنّ الوضع الاجتماعي والاقتصادي والحياتي المتدهور يمكن أن يفجر حرباً جديدة. وستكون الحرب مضرة بالنسبة لإسرائيل في الوقت الذي تريد فيه التركيز على إيران وبرنامجها النووي ووجودها في سورية، وفق حديث خليل لـ"العربي الجديد". ويوضح أنّ الاحتلال يرسل إشارات عن استعداده للتعامل مع أي انفجار للوضع، وكذلك يضغط على الأطراف المختلفة لمنع هذا التدهور والانفجار. ويلفت إلى أنّ عوامل انفجار الأوضاع في غزة متوافرة، موضحاً أنه إذا لم تتحسن الأوضاع ويجد الفلسطينيون انفراجة حقيقية في الوضع الحياتي، وإذا أقدمت السلطة على فرض عقوبات جديدة وقاسية هذه المرة، فإن الأوضاع ستتعقد أكثر وستصل مرحلة الانفجار. وإذا بقيت غزة على ما هي عليه الآن، وتدهورت الأوضاع بشكل أخطر، وأصبحت الحياة شبه مستحيلة، فخيار أنّ تبادر المقاومة للحرب مطروح، وقد تقدم المقاومة على عمل نوعي يكون بداية الحرب، وفق خليل.




ويتفق الكاتب والمحلل السياسي، طلال عوكل، مع خليل، في أنّ الاحتلال يخشى أن تختار المقاومة في غزة الذهاب للحرب من أجل محاولة كسر الحصار المفروض على القطاع، مقدراً أنّ الإسرائيليين لا يريدون الحرب رغم التصريحات والتهديدات التي تصدر عن قيادتهم. ويضيف عوكل، لـ"العربي الجديد"، أنه في حالة بقيت الأمور مستعصية كما هو الوضع حالياً فإنه يمكن الذهاب نحو تصعيد محسوب، إلا أن ذلك يبدو غير وارد حالياً، حتى مع الإشارة لحالة التحشيد الإسرائيلي الجزئية على الحدود والتي في غالبها مرتبطة بمسيرات العودة. والتحشيد الإسرائيلي الأخير على الحدود جاء نتيجة الخشية من تسلل أعداد كبيرة من الشباب إلى داخل الأراضي المحتلة في العام 1948، أو تفكير المقاومة الفلسطينية، في ظل الوضع الراهن، بتنفيذ عمليات وخطف جنود خلال الفترة الحالية، وفق عوكل.

بدوره، يشير المحلل السياسي، تيسير محيسن، إلى أنّ التهديدات للقطاع لم تتوقف، إذ إنها حاضرة في كل الفترات، وهي ترتفع حسب سخونة الأوضاع الميدانية نتيجة للتفعيل الإضافي لمسيرات العودة ونتيجة للعملية التي نفذت في الضفة الغربية، وهذا نهج طبيعي من قبل الاحتلال، كنوع من رد الفعل وامتصاص لغضب الشارع الإسرائيلي تجاه السخونة في حالة الاشتباك الحاصلة. ويوضح محيسن، لـ"العربي الجديد"، أنه في كل العلاقة البينية بين الاحتلال وقطاع غزة لا زال موقف الاحتلال متذبذباً ومتردداً من ناحية حسم نهائي لطبيعة وشكل التوجه، فهناك أصوات تريد التعامل مع غزة على طريقة تقديم متطلبات إنهاء وتخفيف حدة الحصار وتقديم مجموعة من التسهيلات في مقابل الحصول على هدوء على جبهة غزة، وهناك من يرى ضرورة التعامل بنظرية لا يصلح للقوة إلا المزيد منها، وهي نظرية وزير الأمن، أفيغدور ليبرمان ومن حوله، إذ إنهم يريدون تنفيذ عمليات محدودة حتى الحصول على النتيجة. وفي تقدير محيسن أنّ الحالة الأقرب للبقاء خلال الفترة الحالية هي "اللاسلم واللاحرب"، خصوصاً أن المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها حركة "حماس"، لم تنفض يدها من الحراك الشعبي والخيارات الأخرى التي ترى أنها يمكن أن تحقق أهدافها، سواء بالتخفيف من الحصار أو إنهائه. ويشير إلى أنه لم يسدل الستار نهائياً على مسار المصالحة، وهناك محاولات مستمرة من أجل تحقيقها، ومسار التهدئة كذلك لم يغلق بالكامل.