تقدم "نظرية المؤامرة"، تبعاً لمصدقيها ولمروجي رواياتها، تفسيراً لتردي الحالة العربية. ومن بين أفضل أمثلة تجلياتها الحديثة، تبرز طريقة التعاطي الدبلوماسي مع قضية جمال خاشقجي. في اليوم الأول لاختفاء خاشقجي، ذكّرتنا تسريبات إعلامية محسوبة على أوساط سياسية سعودية شبه رسمية متحمسة للتخلص من الرجل أو مبررة لتصفيته، بأن كارثة أوهام "البطولات" ليست حكراً على "الذباب الإلكتروني"، بل يساهم بنسجها من يفترض أنهم "عقلاء" القوم، بمن فيهم كتاب ورؤساء تحرير، تحريضاً واتهاماً لـ"المتآمرين"، بمن في ذلك تركيا وقطر. كما فتحت صحيفة "عكاظ"، التابعة لجهات حكومية في الرياض، مثلاً النار على الجميع، بعد استخفاف بالحدث استمر أياماً.
ويبدو الانهيار المرافق لحالة الجنون الإعلامي السعودي في التعاطي مع القضية، واضحاً، في ظل تشجيع لاستهداف إعلامي وسياسي للسيدات بما لا يليق، لا أدباً ولا مروءة، وآخرهم خطيبة خاشقجي التركية، كتذكير متواصل ومؤسف للرعاية الرسمية لاستدعاء عقل باطني، أقل ما يقال عنه أنه مثير للغثيان. "جنون العظمة" يُبرر افتعال الأزمات، من أوتاوا حتى الدوحة. وبتغييب السؤال حول نجاعة الأدوات، على الأقل منذ 2015، إذا لم نعد إلى ما قبل هذا التاريخ، بتمويل الانقلاب في مصر، وتخريب الربيع العربي، شراكة وربما تبعية لأبو ظبي ومستشاريها الأمنيين. وفي سياق تبرير الانفتاح على نظام دمشق يسوقون نظرية "الاحتواء" الفاشلة، مقابل فتح النار على من يفترض أنهم حلفاء، أيضاً في سياق المصالح والواقعية السياسية، دافعين بهم نحو طهران، ليتسع التوتير إلى سلطنة عُمان والكويت، هذا عدا عن قائمة طويلة لدول وشعوب الإقليم، وبالأخص مصر وسورية واليمن.
قد يبدو الهدف محليا خالصا، لترويض النخب "على الصراط المستقيم" للحاكم، واعتبار من يغرد خارج هذه "الاستقامة"، وإن بإبداء رأي، "خائنا متآمرا وعميلا للخارج". لكن، باسترشاد الدبلوماسية نظرية المؤامرة كناظم للعلاقات، مع الأشقاء على الأقل، فهي تتجاوز السياق المحلي، ولا تخلق حلفاء ولا وزناً حقيقيين، بل ارتباكاً مع المزيد من الخسائر، وإيغالا بأخبار زائفة ومضللة، بالأخص في لحظات تفاخر البعض بإنجاز يشبه "انتصارات" تنظيم "داعش" في قتل وحرق الصحافيين. وذلك كله يستدعي سؤالاً جاداً: من يتآمر فعلاً، وإلى أين تمضي الرياض بالعرب؟