لم يحدث من قبل، خلال كل تظاهرات السترات الصفراء، أن عرفت باريس تنظيم مَوكب واحد، يتبع مسارًا معروفًا من قبل، وهو ما يفسّر أن الرقم الذي قُدّم عن عدد المتظاهرين يعكس الحقيقة، ويقترب من رقم 14 ألف متظاهر، وهو رقم أعلى بكثير من أرقام الأسابيع القليلة الماضية. وتأتي هذه الجولة الثانية عشرة، لتؤكد إصرار حركة السترات الصفراء على مطالبها، وكذلك، وهو موضوع هذه الجولة الرئيس، إظهار الوفاء والتضامن مع جرحاها وعائلاتهم.
وحضر على رأس تظاهرة باريس جيروم رودريغيز، أحد وجوه السترات الصفراء، الذي أصيب في يوم السبت الماضي في عينه اليمنى، بعد أن تلقى مقذوفًا من قوات الشرطة، وأصبح من رموز الحراك ومن رموز ضحايا العنف البوليسي، وكان إلى جانبه متظاهرون غطوا إحدى أعينهم بجبيرة، حتى يلفتوا انتباه الفرنسيين والرأي العام إلى المآسي التي تتسبب فيها بعض أسلحة الشرطة المرخص بها، وكذلك كان عليه الحال في تظاهرات المدن الفرنسية الأخرى.
وتناول جيروم رودريغيز الكلمة داعيًا المتظاهرين إلى أن يصدحوا بأصواتهم، في هدوء ومسؤولية. وقد غردت النائبة المساندة لقضايا البيئة، في مجلس الشيوخ، موجِّهَةً التحية للسترات الصفراء ولجيروم رودريغيز.
وانطلقت تظاهرة باريس من ساحة فيليكس - إيبُوي، في اتجاه ساحة الجمهورية، وعرفت، كما في تظاهرات سابقة، مشاركة عشرات من المتظاهرين المقنَّعين، الذين دخلوا في اصطدامات، استمرت أكثر من ثلاث ساعات، مع قوات الأمن، التي حضرت بقوة في العاصمة وفي مناطق أخرى من فرنسا، ومن ضمنها ست مصفحات في باريس واثنتان في تولوز. وظلت الشرطة هذا الأسبوع أقل هجومية مما أظهرته في الأسبوع الماضي، خاصة بعد إصابة جيروم رودريغيز، التي شكلت حدثًا إعلاميًا ونفسيًا كانت الحكومة في غنى عنه.
وأوقفت الشرطة أكثر من عشرين شخصًا في باريس، بعد هذه المواجهات، وأصيب متظاهر بـ"قاذف رصاصة الدفاع"، الذي يطالب المتظاهرون وبعض الأطباء بوقف استخدامه، بعد أن تسبب في فقأ عيون كثير من المتظاهرين.
كذلك اعتقلت قوات الأمن أكثر من عشرين آخرين في فالونسيا، التي شهدت تظاهرة كبرى، إذ تظاهر أكثر من 5400 شخص.
وتدفق الآلاف في ستراسبورغ، واستخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع، وكان الحضور الأمني قويًا، ومن ضمنه طائرة هليكوبتر تراقب الحشود.
وعرفت مدن ليون وروان ومونبوليه تظاهرات وكذلك في كان، كما شهدت بوردو أكثر من 4000 شخص، وعرفت تولوز خروج مظاهرتين كبيرتين، ومارسيليا تظاهر 2000 شخص، وشهدت مدينة رين تظاهرة كبيرة، عبرت عن تضامنها مع متظاهرين غير شرعيين يطالبون بتسوية أوضاعهم القانونية، ومع صينيين يحتفلون بسنتهم الجديدة.
وفي نانت تظاهر نحو 1500 شخص، وعرفت التظاهرة مواجهات عنيفة مع الشرطة، جرح على إثرها شرطيان، ومصور مستقل.
أمّا مدينة ليل، في شمال فرنسا، فقد عرفت خروج مئات من المتظاهرين، الذين طالبوا باستقالة وزير الداخلية.
وبخصوص وزير الداخلية، كريستوف كاستانير، الذي تميّز في الأسابيع الأخيرة بإبداء دفاع لا يلين عن رجاله، والذي طالبت شعارات المتظاهرين باستقالته، فقد خصّه جان لوك ميلانشون، زعيم "فرنسا غير الخاضعة"، بالتفاتة قاسية": "1800 جريح من المتظاهرين وألف جريح بين قوى الأمن، وهذا الرجل، السيد كاستانير، ليس لديه ما يقوله، ولو أدنى كلمة تأسف".
كذلك أدان الصحافي والكاتب دافيد دوفرين، الذي كان سبّاقًا إلى التحذير من العنف البوليسي، استخدام الشرطة لسلاح "قاذف رصاصة الدفاع"، ورأى أنه "من الخطير أن يحدث هذا العنف البوليسي في إطار حراك اجتماعي. لقد تدارَسَ مجلس الدولة قضية هذا السلاح ولكنه لم يلعب دورَه كرقيب".
وشرح أن "استخدام هذا السلاح من أجل الحفاظ على الأمن غير مشهود في أوروبا". وأضاف بأن "دولة القانون التي يحاولون تسويقَهَا لنا هي دولة قمعية". وختم: "أتلقى شهادات مثيرة للاشمئزاز حتى من رجال الأمن".
وبعد كل تظاهرة يُحصي متظاهرو السترات الصفراء جرحاهم، لكن إذا كان من السابق لأوانه معرفة كل ما جرى، بسبب غياب وسائل الإعلام عن كثير من التظاهرات، فإنه لحد الآن أصيب متظاهر في ساحة الجمهورية، بباريس، في وجهه بطلق من هذا السلاح المثير للجدل، كما أن القيادي لويس بُويَار، رئيس "الاتحاد الوطني التلاميذي"، أصيب، مساء اليوم، في رجله بهذا السلاح، ويتحدث، من المستشفى، عن آلام كبيرة يشعر بها، وهو ما دفع جاك لوك ميلانشون إلى التغريد: "رئيس الاتحاد الوطني التلاميذي أصيب بواسطة سلاح فلاش بول. كاستانير الوحش".