"الحمد لله أنا بخير، وقلبي معكم يا من تمسكون على الجمر، في هذا الزمن الرديء زمن الفساد، و"المافيوزات"، واصلوا ولا تستوحشوا طريق الحق لقلّة سالكيه".
كانت هذه الكلمات التي دونتها الأمينة العامة للحزب الجمهوري والنائبة السابقة، مية الجريبي، من مواليد 1960، على صفحتها في "فيسبوك"، وهي تمر بفترة نقاهة إثر مرض ألّم بها منذ أشهر، وأبعدها عن الحياة السياسية.
ومية الجريبي، هي سياسية تونسية، أسست بالاشتراك مع أحمد نجيب الشابي حزب التجمع الاشتراكي التقدمي عام 1983، والذي أعيدت تسميته لاحقاً بالحزب الديمقراطي التقدمي، كما تعد أول امرأة تونسية تتولى هذه المسؤولية في حزب سياسي تونسي خلفاً للشابي، وقادت الحزب في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي التونسي عام 2011، للحصول على 16 مقعداً.
وأثرت تصريحات الجريبي ومواقفها في عديد التونسيين والسياسيين، ومثلما كانت كلماتها حافزا للكثير منهم، فقد لاقت تدوينتها التي نشرتها وهي على فراش المرض صدى واسعا خاصة عبر صفحات التواصل الاجتماعي، وطالب كثيرون بتكريم ميّة، بمناسبة العيد الوطني للمرأة، والذي يصادف اليوم السبت، متمنين لها الشفاء العاجل، ومعبرين عن تضامنهم الواسع لها.
كما تفاعل التونسيون مع مية، فقد عبر لها زملاؤها في الجمهوري وحتى أصدقاؤها من النواب عن تضامنهم أيضا.
وقالت النائبة عن حركة النهضة، يمينة الزغلامي، لـ"العربي الجديد" إنها "كانت تسمع عن مية، قبل الثورة بحكم مواقفها ضد النظام السابق، ولكنها تعرّفت عليها جيداً، في السنة الماضية في مجلس نواب الشعب"، مبينة أن ما يميز ميّة هو منسوب الوطنية العالي لديها.
وأضافت أن "ميّة كانت تنتقد حركة النهضة، وبأنهما لا يلتقيان من حيث التوجهات السياسية، ولكنهما يلتقيان حول القضايا الكبرى التي تهم الوطن"، وبينت أنهما عملتا معا في لجان مجلس نواب الشعب وناقشتا عديداً من القضايا المهمة كتلك التي تخص المرأة والدستور، وبأن ميّة صديقة الجميع، ومحبوبة من قبل جميع الأحزاب.
واعتبرت النائبة عن حركة النهضة "أنّه بحكم فارق السن بينها وبين الجريبي، والتي تكبرها بعديد السنوات، إلا أنها تعلمت منها الكثير، وكانت تنصت إلى أغلب مداخلاتها بانتباه".
وأوضحت أنه "منذ مرض ميّة واختفائها عن الساحة السياسية هناك فراغ وغياب واضح للمرأة السياسية، وهذا الأمر لا ينكره التونسيون والسياسيون على حد السواء"، مؤكدة أنه لا توجد إلى غاية اليوم أي سياسية ملأت هذا الفراغ.
وتابعت "التاريخ سيدوّن وبأحرف من ذهب النضالات التي خاضتها الجريبي"، معتبرة أن لا تكريم الأحزاب، ولا رئاسة الجمهورية، ولا السياسيين سيكون مهما أمام ما سيذكره التاريخ ذات يوم، عن هذه المرأة.
بدوره، أكد النائب والقيادي في الحزب الجمهوري، وأحد أصدقاء مية، إياد الدهماني، أن "الجريبي مناضلة سياسية وهبت حياتها لتونس، وكرست حياتها للدفاع عن الديمقراطية، وعن مصالح الشعب التونسي"، مبينا أن هذا الأمر يقر به خصومها ومنافسوها قبل أصدقائها، وأنصارها.
وقال الدهماني، لـ"العربي الجديد": "الجريبي امرأة من طراز خاص تفكر في غيرها قبل التفكير في نفسها، وكانت في طليعة من وقفوا في وجه الاستبداد والظلم، دون أن تخشى في الحق لومة لائم، وكانت دوما في الصفوف الأولى للدفاع عن الحقوق والحريات، وخاصة عند صياغة الدستور".
وأشار إلى أن مختلف العائلات الفكرية، والسياسية، تقر بالمكانة المعنوية والمهمة لميّة بعيدا عن أي اعتبارات سياسية.
في السياق ذاته، اعتبرت النائبة عن حزب آفاق تونس، ريم محجوب، أن "الخصال التي تتمتع بها أمينة الحزب الجمهوري نادرة جدا، مبينة أن الجريبي ضحت بحياتها من أجل السياسة، وبأن كلفة النضال لم تكن سهلة.
وقالت محجوب لـ"العربي الجديد": "مية ناضلت من أجل الحرية، والديمقراطية، معتبرة أنها متأكدة أن صديقتها، تناضل الآن ضد المرض لأن المرأة التي تحدت النظام السابق ولم تخش أي شخص للبوح بمواقفها، لا يمكنها أن تستسلم بسهولة للمرض".
وأفادت النائبة عن آفاق تونس بأن الانتخابات السابقة لم تسعف الأمينة العامة للحزب الجمهوري، ولا حزبها ولكن تاريخها سيتكلم عنها، وخاصة إنسانيتها وطيبتها، مشيرة إلى أن الجريبي تبدو حادة المواقف وصعبة المراس لكنها طيبة، ومرهفة الأحاسيس.
وتوجه المدون التونسي، رمزي العطوي، برسالة إلى ميّة عبر صفحته في "فيسبوك"، وكتب "أهملت نفسك سيدتي من أجل هذا الوطن".