السيدة فاتن برغوثي، من بلدة كوبر شمال رام الله، كانت إحدى المشاركات في المسيرة برفقة صديقاتها وابنتها وأقاربها إلى ميدان مانديلا للتضامن مع الأسرى، بينما قدم الشاب غسان صنوبر من قرية يتما، في محافظة نابلس، إلى المسيرة، ليؤكد للأسرى أنه "معهم قلبًا وقالبًا"، ومن أجل "إفشال محاولات الالتفاف على إضرابهم"، كما قالا لـ"العربي الجديد".
أما السيدة لواحظ برغال، من مخيم الأمعري القريب من مدينة رام الله، فكانت تجلس وسط الحشود، وهي تحمل صورة ابنها الأسير صلاح الدين، وشقيقيها سامر وحسين أبو كويك، إذ يخوض ابنها وشقيقها سامر إضرابًا عن الطعام، وبدت في حديثها لـ"العربي الجديد" متفائلة بنجاح الإضراب، قائلة: "كانت الفعاليات في البداية ضعيفة؛ أما الآن ازدادت، ولكنني آمل أن ينتهي الإضراب ويخرج أبناؤنا منصورين".
وفي المقابل، يشدّد الأسير المحرر محمد التاج، في حديث لـ"العربي الجديد"، على ضرورة أن لا تطول فترة الإضراب عن الطعام. ويقول: "جئنا لنحيي مثل هذه الفعاليات من أجل تقصير عمر الإضراب"، لافتًا إلى أنه خاض الإضراب داخل سجون الاحتلال أكثر من مرة، و"الإضراب مسألة صعبة للغاية على الأسير قد يخسر فيها صحته أو حياته".
أما رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية، عيسى قراقع، فيقول لـ"العربي الجديد"، إن "الشعب الفلسطيني يؤكد للعالم أن قضية الأسرى ثابت من الثوابت؛ وهذه المسيرة جاءت صرخة شعبية عارمة من أجل أسرانا، أسرى الحرية، وهم ليسوا إرهابيين كما تقول إسرائيل، بل هي من تمارس الجريمة المنظمة في المنطقة".
ولفت قراقع إلى أن المسيرة نظمت في ميدان نيلسون مانديلا، لأنه "رمز نضالي وأسير استطاع بصموده وإرادته أن يحرر شعبه، ونحن على درب مانديلا نحو الحرية".
وفي كلمة له خلال مهرجان خطابي عقب المسيرة، قال نائب رئيس حركة "فتح"، محمود العالول، إن "هذه المعركة يخوضها الشعب الفلسطيني كله وهي معركة أساسها الأسرى، فأول عوامل النصر صمود أسرانا في السجون، والذين نفتخر بهم جميعًا، والعامل الثاني هو الحراك الجماهيري في كل مكان، علاوة على الحراك السياسي أيضًا، والذي يحشد طاقات الجميع من أجل الضغط على إسرائيل، والذي تقوده القيادة والرئيس أبو مازن، بما فيه ما يجري الآن في أميركا، من أجل حرية أسرانا".
من جانبه، دعا رئيس نادي الأسير الفلسطيني، قدورة فارس، في كلمة له، إسرائيل للجلوس مع الأسرى المضربين وقيادات الإضراب، من أجل الاستجابة الفورية لمطالبهم، كذلك دعا المجتمع الدولي للخروج عن صمته الذي يشجع إسرائيل على مواصلتها سحق كل الاتفاقيات، وأن يمارس المجتمع الدولي مسؤولياته، والضغط على إسرائيل بشكل حقيقي، ودعا الشعب الفلسطيني إلى أن يكون رده بمستوى التحدي، وقال: "انتفاضة الأسرى لا بد أن تقابلها انتفاضة الشعب الفلسطيني بأكمله".
إلى ذلك، تلت فدوى البرغوثي، زوجة الأسير مروان البرغوثي، رسالة من زوجها كان قد كتبها قبل الإضراب، جاء فيها: "يا أبناء الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية والأحرار في العالم، إن وصلتكم رسالتي هذه سيكون الإضراب قد طال أمده، وتكون إسرائيل قد قرّرت أن ترد على الإضراب بالتحريض والعزل والقمع، ولن يثنيا ذلك عن الاستمرار بهذا الإضراب المقدس".
وتابعت البرغوثي على لسان زوجها: "الأسرى على ثقة أن شعبهم لن يخذلهم، وسيقابل الوفاء بالوفاء للأسرى الذين تعرضوا للآهات والآلام. من العزل أخاطبهم باسم الأسرى الذين قرروا الاستمرار حتى تحقيق مطالبهم العادلة، نحن عصيون على الكسر والانكسار ومصرون على الانتصار، واختبرنا الاحتلال مرارًا وتكرارًا ولم يفلح بكسرنا، إن رهاننا على دعمكم ومساندتكم لهذا الإضراب وهذه المعركة، التي هي معركة الكل الفلسطيني من أجل الحرية والكرامة، حيث جاءت بعد سياسات الاحتلال المستمرة ضد الأسرى وأهاليهم، ولا شك في أن أسرى فلسطين قادرون على الصمود والثبات والانتصار، فهم يفتخرون بالانتماء لهذا الوطن، وهم مؤمنون بهذا النصر".
ولفت البرغوثي، في رسالته، إلى أن الاعتقال اليومي الذي تنفذه قوات الاحتلال يحاول استنزاف الشعب الفلسطيني وقدرته على النضال، ثم يخضع المعتقلين للتحقيق ويلفق لوائح اتهام في المحاكم العسكرية غير الشرعية والظالمة، والتي تشكل انتهاكًا للقانون الدولي.
وقال القيادي البرغوثي إن "حركات التحرر عبر التاريخ تولي قضية الأسرى أهمية قصوى، وهي قضية مركزية لا يمكن تجاوزها؛ فحرية الأسرى تؤسس لحرية الشعب الفلسطيني"، داعيًا إلى الالتفاف الوطني حول قضيتهم، من القيادة والفصائل والشعب في أماكن وجوده، حتى تحقيق حريتهم.
ودعا البرغوثي الشعب الفلسطيني إلى "ضرورة الوحدة والتلاحم ورفع صوتهم عاليًا لإنهاء الانقسام الأسود، وإنجاز الوحدة الوطنية، وإطلاق أكبر حملة عصيان مدني في وجه الاحتلال".
وفي المسيرة، رفع المشاركون صور الأسير البرغوثي، ورفعوا كذلك صور الأمين العام لـ"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، أحمد سعدات، والعلم الفلسطيني، وأعلام عدد من الفصائل، بينما وقفوا جميعًا ليغنوا النشيد الوطني الفلسطيني، وهم يرفعون العلم الفلسطيني، وصور الأسرى، وقبضاتهم نحو السماء، وتمثال نيلسون مانديلا أمامهم، بينما صدحت حناجرهم بهتافات تمجّد الأسرى وتفديهم.
وتوافد الفلسطينيون من مختلف محافظات الضفة الغربية، تقلهم حافلات خاصة وفرها منظمو المسيرة، وبدا لافتًا حضور قيادات من كافة الفصائل الفلسطينية، وكذلك أعضاء اللجنة المركزية لحركة "فتح" ووزراء في الحكومة الفلسطينية، وسفراء وممثلون لعدد من الدول.
وقبيل بدء المهرجان الخطابي، ردّد المشاركون قسمًا للأسرى، وردّدوا خلف محمود زيادة، والد الأسير مجد زيادة، قائلين: "نقسم بالله العظيم، نقسم بدماء شهداء فلسطين، أن نبقى على العهد لا نحيد ولا نلين، نقسم بالجوع المقاتل بالزنازين، والملح الثائر في الشرايين، ألا نكون للقيد والسجان خاضعين، بل لراية الحرية والكرامة رافعين، قسمًا وعهدًا على أنفسنا أن نقابل الوفاء بالوفاء، وعلى أن يكون النصر لشعبنا يقين، والله على ما نقول شهيد".