واعتبر معظم السياسيين والزعماء "الجهاديين" تشكيل الحكومة للمجلس الاستشاري الجديد خطوة مهمة من أجل المصالحة، كونه يضم وجوهاً معروفة في الساحات السياسية و"الجهادية" والقبلية، وذلك بعد أن كان أعرب الكثير منهم عن استيائهم الشديد من تشكيل الحكومة فريق التفاوض المباشر مع "طالبان" من وجوه غير معروفة، جلهم من المسؤولين في الحكومة، أو من الوجوه غير المعروفة من السياسيين والقبليين. وأتى هذا الترحيب في ظلّ تسريبات صحافية، تؤكّد أنّ "طالبان" أيضاً شكّلت فريقاً للتفاوض مع الحكومة.
لكنّ بعض المعارضين للرئيس أشرف غني اعتبروا ذلك بداية للحملة الانتخابية للأخير، ومحاولة منه لاستقطاب أصوات المواطنين قبيل الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها بعد نحو أربعة أشهر، في حال لم يتم تأجيلها. وأكد غني قبل أيام أنّ المصالحة مع "طالبان" أمر محتوم وأن تطبيق وتنفيذ أي اتفاق مع الحركة قد يحتاج إلى خمسة أعوام. وفي الوقت نفسه، أعلن بشكل غير رسمي ومن خلال المتحدثين باسمه، أنّه مرشّح للرئاسة في الفترة المقبلة "لأجل استكمال ما تبقى من مشاريعه الريادية لمستقبل البلاد، ومنها المصالحة".
وفضلاً عن أنّ ذلك أغضب بعض المعارضين للرئيس، فقد أثار أيضاً استياء بعض المرشحين للرئاسة، وتحديداً مستشار الأمن القومي السابق، حنيف أتمر، والذي يتوقّع أن يكون أحد أبرز المنافسين لغني في الانتخابات المقبلة. وأكد أتمر في بيان أصدره مكتبه الإعلامي أخيراً، تعليقاً على تشكيل المجلس الاستشاري، أنّ "غني يستخدم مشروع المصالحة الوطني لدعم حملته الانتخابية، ولأجل كسب أصوات المواطنين، وعليه وعلى الحكومة أن يجعلا المشاريع الوطنية بعيدة عن الحصول على مكاسب سياسية". وأَضاف البيان أنّ "المصالحة مشروع وطني وعلى جميع الأطياف الأفغانية أن تساهم فيه بغضّ النظر عن انتماءاتها، وأن لا تكون في صالح جهة معينة، تستخدمها للحصول على مكاسب شخصية".
لكنّ السلطات الأفغانية رفضت اتهامات أتمر، وقال المتحدث باسم الرئاسة، حسين شاه مرتضوي، إنّ "الحكومة قامت بعد مشاورات مكثّفة مع شرائح مختلفة في البلاد، بتشكيل المجلس الاستشاري المكبّر، والذي يهدف إلى تقديم الاقتراحات والاستشارات للفريق المخوّل بالتفاوض مع حركة طالبان"، موضحاً أنّ "المجلس سيستمر في عمله إلى أن يصل لحلّ نهائي للمعضلة الأفغانية".
كما ذكر مرتضوي أنّ من ضمن مسؤوليات المجلس وضع آلية مناسبة، أو العمل مع فريق التفاوض، لوضع آلية التفاوض مع "طالبان"، إضافة إلى التباحث بشأن أبعاد المشاورات مع أطياف الشعب المختلفة، لا سيما علماء الدين والقبائل، ومن ضمن ذلك اللجان الشعبية المختلفة التي تعتزم الحكومة تشكيلها في الفترة القريبة المقبلة.
ويترأس المجلس الاستشاري رئيس الجمهورية أشرف غني، وهو يضم أيضاً نائبيه، عبد الرشيد دوستم، وسرور دانش، ومستشار الأمن القومي حمد الله محب، والرئيس التنفيذي لأفغانستان عبد الله عبد الله. ويضم المجلس أيضاً كلاً من رئيس الاستخبارات، معصوم ستانيكزاي، ورئيس المحكمة العليا القاضي سيد يوسف حليم، والمدعي العام محمد فريد حميدي، ورئيس البرلمان عبد الرؤوف إبراهيمي، ورئيس مجلس الشيوخ عبد الهادي مسلم يار، ورئيس اتحاد علماء أفغانستان المولوي قيام الدين كشاف، وكذلك رئيس المجلس الأعلى للمصالحة كريم خليلي.
كما يضم المجلس شخصيات بارزة منها: الرئيس السابق حامد كرزاي، والرئيس الأسبق والقائد الجهادي صبغت الله مجددي، وزعيم "الحزب الإسلامي" قلب الدين حكمتيار، وزعيم حزب "الدعوة" عبد الرب رسول سياف، ورئيس "الجبهة الوطنية" حامد كيلاني، ورئيس "الجمعية الإسلامية" وزير الخارجية الحالي صلاح الدين رباني، والأمين العام للجمعية محمد عطاء نور، وقائدين آخرين في الجمعية هما: يونس قانوني، ومحمد إسماعيل. ذلك علاوة على بعض السياسيين والجهاديين السابقين والذين لا يعدون من قيادات الصف الأول.
كما عيّن غني أحد أبرز معارضيه، وهو وزير الداخلية في حكومة حامد كرزاي، عمر داوود زاي، في منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للمصالحة، ومستشاراً له في شؤون المصالحة. وزاي معروف بمعارضته الشديدة لغني وهو أيضاً مرشّح للانتخابات الرئاسية المقبلة.
وبالنظر إلى ما يقوله أتمر والوضع العام، استطاع الرئيس فعلاً أن يخرق الصف المعارض له، ويخلق فجوة بين معارضيه الذين كانوا يسعون لتشكيل جبهة موحدة ضده في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وذلك بضمّ رموز المعارضة إلى المجلس الاستشاري أو إلى المكتب السياسي للمصالحة المسمى بالأمانة العامة. كما أنّ غني يسعى، وفق تسريبات إعلامية، إلى ضمّ قياديين آخرين في المعارضة إلى الحكومة أو إلى معسكره، وذلك تمهيداً لخوض الانتخابات أو لمحاولة تمديد فترة الحكومة الحالية، في حال تأجيل الانتخابات بذرائع عدة. ويجري الحديث في الأروقة السياسية عن احتمال تأجيل الانتخابات من أجل المصالحة، لأنّ الانشغال بالانتخابات قد يؤدي إلى تهميش هذا الملف، وفق ما يقول داعمو هذا الرأي.
وبموازاة المصالحة، هناك قضية ثانية أيضاً يقول المعارضون للرئيس إنّ الرئيس الأفغاني يستخدمها لأجل البقاء في الحكم أو الحصول على ولاية ثانية في الانتخابات المقبلة، وتتمثّل بحملة القضاء على المسلحين الخارجين على القانون، ومعظم هؤلاء من قادة "الجهاد" أو المنتمين إلى الأحزاب المتطرفة كـ"الحزب الإسلامي" و"الجمعية الإسلامية". والقضاء على المسلحين الخارجين على القانون هو مطلب شعبي في أفغانستان، وقد لاقى قبولاً واسعاً في أوساط المواطنين، غير أنه أثار في المقابل استياء بعض السياسيين والجهاديين، معتبرين ذلك أيضاً سعياً للمكاسب السياسية وأنه أتى في إطار الحملة الانتخابية الخاصة بالرئيس. وخاطب زعيم "الحزب الإسلامي"، قلب الدين حكمتيار، المصلين خلال صلاة الجمعة، أخيراً قائلاً إنّ القضاء على بعض القادة الخارجين على القانون "ليس إلا سعياً للحصول على المكاسب السياسية، ونحن نطلب من الحكومة ألا تستغلّ الأوضاع السائدة في البلاد لكسب المصالح والبقاء في الحكم". ولم يذكر حكمتيار بشكل مباشر المسلحين الخارجين على القانون، والذين يشكّلون تهديداً للوضع الأمني في البلاد، لأنه يعرف مدى حساسية الشعب تجاه هذه القضية. لكنه استغلّ الأمر لينتقد الرئيس الأفغاني، بعد أن كان يشدّد هو نفسه على أنّ غني هو السبب في عقد اتفاقية بين حزبه والحكومة، والتي جاء بنتيجتها حكمتيار إلى كابول، بعد أن كان حزبه من بين الأحزاب المسلحة التي تقاتل ضدّ الحكومة الأفغانية والقوات الأميركية إلى جانب حركة "طالبان".
وفي السياق، قال مصدر مقرّب من المستشار الأمني السابق والمرشّح للرئاسة، حنيف أتمر، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ هناك مفاوضات بين "الحزب الإسلامي" وأتمر، لتشكيل معسكر قوي ضدّ الرئيس الأفغاني في الانتخابات الرئاسية المقبلة والوصول بالتالي إلى الحكم، مضيفاً أنّ حزب "وحدت إسلامي"، أكبر الأحزاب الشيعية في أفغانستان بزعامة حاجي محمد محقق، يرافقهما في ذلك.
وضمن الحملة الأمنية المؤجلة ضدّ القادة المسلحين، اعتقلت السلطات الأفغانية هذا الشهر ثلاثة قيادات بارزة، هم القيادي علي بور، المتهم بتجنيد الشباب الأفغان للقتال في سورية والعراق، والمنتمي إلى حزب "وحدت". وقد شهدت كابول لأيام عدة تظاهرات مكثّفة احتجاجاً على اعتقاله، وأدّت إلى إصابة العشرات، لكنها انتهت بفرض الحكومة الإقامة الجبرية على بور، إلى أن تبتّ المحكمة بشأنه، بدلاً من الإبقاء عليه في السجن. كذلك اعتقلت السلطات قياديا آخر يدعى صميم شنسب، بعد أن دارت مواجهات عنيفة بين أنصاره والقوات الأفغانية الخاصة لأكثر من 30 ساعة، ما أدى إلى مقتل جندي وإصابة ستة آخرين. وتمكنت القوات الأفغانية بعد ذلك من اعتقال الرجل ومصادرة ذخيرة وأسلحة من منزله. كما اعتقلت القوات الأفغانية القائد الجهادي، الملا طوطي، في مديرية باغرامي في كابول، الأسبوع الماضي، وهو متهم باختطاف مواطنين للإفراج عنهم مقابل فدية مالية وكذلك الاستيلاء على الأراضي.
وفي هذا الإطار، قال مستشار الأمن القومي، حمد الله محب، في خطاب له أمام مسؤولين محليين في المديريات أخيراً، إنّ "الحكومة مصممة على القضاء على الخارجين على القانون بغض النظر عن العرقيات والأحزاب التي ينتمون لها، ذلك لأنهم عقبة في وجه تنفيذ القانون"، مشدداً على أنّ "الحملة ضدهم جاءت في إطار ترسيخ النظام والسعي لتطبيق القانون، وليس لأجل جني مكاسب سياسية". ونوّه محب إلى أنّ "الشعب يرحب بالأمر وسنواصل تنفيذه".
وبعيداً عن الانتقادات الموجّهة للحكومة في القضيتين، لا شكّ أنّ الأخيرة، وتحديداً الرئيس، يسعى للبقاء في الحكم، سواء عبر إجراء الانتخابات أو عبر تأجيلها، وقد لمّح إلى ذلك أكثر من مرة. كما لا شكّ أنّ قضية المصالحة والقضاء على المسلحين الخارجين على القانون يمنحان غني شعبية كبيرة، لأنّ القضيتين مطلب شعبي، ومن القضايا الأساسية والملحة بالنسبة للمواطنين الأفغان. هذا علاوة على تدشين مشاريع اقتصادية عملاقة، على سبيل تدشين طريق لاجورد، الأسبوع الماضي، والذي يربط أفغانستان عبر تركمانستان وأذربيجان بتركيا ومن خلالها بأوروبا، وفعلاً بدأت تتحرّك الحافلات على الطريق. ولاقى الأمر استحساناً وترحيباً واسعين من قبل المواطنين، وهو ما يساعد الرئيس إلى حدّ كبير في نمو شعبيته. وأمام كل ذلك، يبدو القلق سيّد الموقف وربما مبرراً بالنسبة لبعض السياسيين حول إمكانية بقاء غني في السلطة، وأنّ ما يحصل من تطورات سياسية هو محاولات من أجل ذلك.