بقي اسم بهاء رفيق الحريري يُذكر في لبنان من بوابة المسيرة السياسية لأخيه الأصغر، رئيس الحكومة اللبنانية المستقيل من الرياض، سعد الحريري، منذ خلافة والده على رأس "تيار المستقبل" بعد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في 14 فبراير/ شباط 2005. صحيح أن بهاء ظل بعيداً عن الإعلام، بما أنه أُبعد عن الوراثة السياسية للتفرّغ لعالم الأعمال والأموال، إلا أنه ظلّ حاضراً عن بُعد، مطروحاً، ولو نظرياً، بالنسبة للبعض، لاستبدال أخيه في حال فرضت الظروف ذلك. وربما اليوم، يظن بهاء أن هذه الظروف صارت متوفرة، في ظل ما يُحكى عن انتهاء المسيرة السياسية لرئيس الحكومة المستقيل، حتى الآن على الأقل.
عديدة هي أوجه الشبه بين سعد الحريري وشقيقه الأكبر بهاء. اتّبع الرجلان خطوات تكاد تكون متطابقة في مسيرتهما المالية التي انطلقت من عباءة والدهما رفيق الحريري. وإن شكّل اغتيال الحريري الأب عام 2005 مدخلاً لخلافة سعد والده في المسيرة السياسية، وتحوّل بهاء إلى إدارة إمبراطورية أعماله من دون الالتفات إلى الشأن السياسي اللبناني، فإن الأخير تصرّف كما قد يتصرف سعد عندما ارتدت خلافاتهما المالية طابعاً سياسياً. شكّل مشروع العبدلي في العاصمة الأردنية عمّان نموذجاً لشكل الخلافات التي ضربت عائلة الحريري، وامتزجت فيها المصالح المالية بالسياسية. غضب بهاء من أخيه سعد بعد أن رشّح الأخير أحد المديرين المُشرفين على مشروع العبدلي (الذي فشل)، المهندس جمال عيتاني، إلى منصب رئاسة بلدية بيروت بعد أن عيّنه مديراً في شركة "سوليدير" التي تحتكر إدارة الوسط التجاري المعاد إعماره في بيروت.
وفي محطة خلافية أخرى، سمّى بهاء الحريري أحد المُقرّبين منه في منصب "وكيل أعماله" في لبنان، رداً على قرار من "بنك البحر المتوسط" بصرف الرجل من موقعه الإداري الكبير في المصرف. و"بنك البحر المتوسط" مملوك بجزء كبير من أسهمه لآل الحريري، ولسعد حصة كبيرة فيه، بالتالي، فُهمت خطوة صرف الرجل كقرار من سعد تحديداً.
وكما تساقطت التحالفات السياسية والصداقات الشخصية لسعد خلال مسيرته السياسية، تخلّى بهاء عن "وكيل أعماله" بعد خلاف شخصي بينهما، وهو وجه شبه آخر لمنطق العمل الذي يعتمده كل من سعد وبهاء، في عالمي السياسة و"البزنس". ظهر بهاء على هامش استقالة سعد الحريري من رئاسة الحكومة، والتي أعلنها من الرياض وبدت جبرية، وتزامن وصوله إلى العاصمة السعودية بعيد الاستقالة، مع إيفاد "وكيل أعماله" الجديد في لبنان صافي كالو، للقاء عدد من المسؤولين المحليين في بيروت. نقل كالو إلى بهاء أجواء سلبية عن عدم رغبة أي من القوى السياسية في التعاون مع بهاء كبديل لأخيه في رئاسة حكومة جديدة، مع بقاء الأولوية الوحيدة لعودة سعد الحريري إلى بيروت.
اليوم، لا تزال كل الأقاويل عن رغبة السعودية بإحلال بهاء مكان سعد، كزعيم سياسي للطائفة السنية وكرئيس حكومة جديد، تندرج في خانة الشائعات أو التقارير غير المؤكدة. لكن المؤكد أن ما حصل وما قيل ويقال عن دفع السعودية باتجاه استقالة الحريري، أنتجت ردود فعل عكسية ارتدّت أولاً على "خيار بهاء الحريري". في الشارع، صار للحريري ما لم يكن يملكه يوماً من شعبية بفعل شعور مظلومية لدى الشارع السني، وتضامن لبناني عام على اعتبار أن استقالته لم تكن خياراً طوعياً. وفي السياسة، ظهر فيتو واضحاً من غالبية عظمى من القوى السياسية، حتى من داخل تيار المستقبل، ضد استبدال سعد بشقيقه، مع ما يتردد عن أن الشخصية السياسية الوحيدة التي تفضّل خيار بهاء، هو أشرف ريفي نفسه، الأكثر التصاقاً، اليوم، على ما يبدو، بالقرار السعودي ــ الإماراتي إزاء التصعيد كيفما اتفق ضد إيران وحزب الله في لبنان.
قبل الحياة السياسية، امتهن الرجلان (بهاء وسعد) إدارة الأعمال منذ تخرجهما من أكبر الجامعات العالمية. استمر بهاء في ذلك بعد أن استقلّ عن أعمال العائلة التي مثّلتها شركة "سعودي أوجيه" المفلسة اليوم. وتوالى خروج أبناء الحريري من الشركة، بعد سلسلة الانتكاسات المالية التي ضربت شقيقهم سعد بالتزامن مع خيباته السياسية. بقي بهاء في حينها ضيفاً متقطّع الظهور على وسائل الإعلام المُختصة بالشأن الاقتصادي، للحديث عن جدوى استثماراته الموزّعة في مختلف الدول العربية، والتي أكد في أكثر من مناسبة أنها "امتداد لرؤية الوالد الاقتصادية والسياسية، التي جمعته مع كثير من الملوك والحكام العرب". وإن قدّم الرجل تبريرات منطقية لفشل مشروع العبدلي الأردني، فإن مصير الوسط التجاري لبيروت، والذي مثّل رؤية الحريري الأب للعاصمة اللبنانية، لم يكن مختلفاً: مساحة هندسية فاخرة البناء، مهجورة شعبياً، لا تشبه البلد وناسه، تكاد تكون حكراً على أصحاب المليارات لا الملايين حتى، تفتقد أي ترابط عمراني واجتماعي مع محيطها.