يستبق رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، زيارة نظيره التركي، بن علي يلدريم، إلى بغداد، اليوم السبت، بتجهيز عدة ملفات هامة لتكون محور اللقاء بين الجانبين. يشار إلى أنها أول زيارة من نوعها لمسؤول تركي رفيع المستوى إلى بغداد منذ توتر العلاقات بين البلدين، على خلفية إفساح العراق المجال لانتشار مقاتلي حزب العمال الكردستاني داخل أراضيه والتواجد العسكري التركي في بعشيقة، شرق الموصل. ولا يتوقع أن يتم الإعلان عن حل جذري لجميع الملفات العالقة، خصوصاً الشائكة منها، مثل حزب العمال الكردستاني والتواجد العسكري التركي، إلا أن تسريبات حصلت عليها "العربي الجديد" من مصادر داخل مكتب العبادي، أكدت أن "هناك تفاهماً مسبقاً على تشكيل لجنة وزارية بين البلدين لتولي مهمة تنفيذ أي اتفاق سيتم التوصل إليه خلال الزيارة".
وتحتاج بغداد إلى الجانب التركي في ملفات مهمة يمكن لها أن تخفف من الأزمة المالية الخانقة للعراق، مثل مشروع تصدير الغاز العراقي عبر الأراضي التركية، إضافة إلى ملف حصة العراق في مياه نهر الفرات التي ما زالت تراوح عند مستويات أقل من 500 متر مكعب في الثانية، وبشكل مرشح للانخفاض أكثر بعد بدء أنقرة مشروع إنشاء سد جديد على نهر الفرات. ويطالب الأتراك السلطات العراقية بمنع مقاتلي "الكردستاني" من استخدام أراضي العراق كنقطة انطلاق لشن هجمات إرهابية داخل الأراضي التركية. كما أن هناك ملف المخاوف التركية من إحداث تغيير ديموغرافي في مدينة تلعفر العراقية، ذات الغالبية التركمانية، والتي تنفذ فصائل مسلحة موالية لإيران هجمات واسعة عليها منذ نحو شهرين بهدف انتزاعها من قبضة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
وبحسب مسؤول عراقي رفيع المستوى، تحدث إلى "العربي الجديد" عبر الهاتف من بغداد، فإن "الملفات مهمة وحساسة، لكن هناك حسن نية من الأتراك، والعبادي من جانبه يريد أن ينهي الخلافات، لوجود مصالح كبيرة في ذلك، وخصوصاً أنه ورث غالبية تلك الملفات من رئيس الحكومة السابق، نوري المالكي، ولم يكن له يد فيها، كاحتضانه مقاتلي حزب العمال الكردستاني"، مضيفاً أن "زيارة بن علي يلدريم عبارة عن مبادرة تركية، والعبادي حريص على استغلالها رغم وجود ضغوط من الجناح اليميني، الذي يتزعمه المالكي داخل التحالف الوطني الحاكم، على العبادي باتجاه عدم حل المشاكل مع الأتراك". ولفت إلى أن "تلك الضغوط هي التي أفشلت في السابق التقارب مع الدول العربية والخليجية خصوصاً".
وتعد تركيا واحدة من دول العالم التي تحتوي على أكبر جالية عراقية، تقدر بنحو مليون شخص، تقدم لهم أنقرة مساعدات إنسانية مختلفة، وتمنحهم صفة لجوء إنساني. ويتركزون في إسطنبول وغازي عنتاب وأنقرة. وكشف المسؤول العراقي أن "أبرز الملفات ستكون التواجد التركي في العراق وتواجد مسلحي حزب العمال الكردستاني في سنجار وكركوك وديالى، ووجود مقرات ومعسكرات يمارسون فيها أنشطة مختلفة تهدد الأمن التركي، إضافة إلى ملف تنظيم داعش والتركمان العراقيين، وملف اقتصادي هناك تفاهم مبدئي مسبق عليه"، مبيناً أن "العبادي قد يعرض على الأتراك مقايضة، تتضمن طرد حزب العمال الكردستاني مقابل إخراج القوات التركية من شمال العراق، أو وضع جدول زمني لخروج تدريجي لتلك القوات". ولفت إلى أن يلدريم سيتوجه إلى أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق للقاء رئيس الإقليم، مسعود البرزاني، بعد انتهاء زيارته إلى بغداد، المقررة لمدة يوم واحد فقط، مرجحاً أن تثمر الزيارة نتائج إيجابية تمثل بداية لطي صفحة الخلافات بين البلدين. وأكد يلدريم، خلال تجمع لحزبه "العدالة والتنمية" أخيراً، أن بلاده تسعى إلى إطلاق مرحلة جديدة من توطيد العلاقات مع العراق، مبيناً أن الأمن لن يتحقق ما لم تكن هناك سلطتان قويتان في العراق وسورية. وأشار إلى أنه سيزور العراق ليؤكد على تضامن بلاده مع بغداد في حربها على الإرهاب.
ويقول الباحث في العلاقات التركية العراقية، الدكتور محمد الراوي، لـ"العربي الجديد"، إن "اتصالات بين الجانبين العراقي والتركي مهدت لأهم ما سيتم طرحه في اللقاء"، مبيناً أن "ملف العمال الكردستاني والتواجد العسكري للجيش التركي في منطقة بعشيقة، شرق الموصل، ثم تنظيم داعش لها الأولية، وتأتي بعد ذلك ملفات هامة أخرى، مثل قضية تلعفر والتركمان، ثم الملف التجاري بين البلدين، مثل مشروع نقل الغاز العراقي إلى الأسواق الأوروبية عبر ميناء جيهان التركي، وفتح معبر حدودي جديد بين البلدين يضاف إلى معبر إبراهيم الخليل، ثم مسألة تأشيرات الدخول التي أقدمت أنقرة أخيراً على تشديدها تجاه العراقيين". وأشار إلى أنه "من المحتمل أن يقوم رئيس الوزراء بطرد حزب العمال الكردستاني من سنجار ومدن شمالية عراقية أخرى، لكنه سيعود، في النهاية، إلى جبال قنديل الحدودية مع تركيا وإيران". وأعلن أن "احتمال دعم الأتراك لبغداد عسكرياً في الحرب الدائرة ضد تنظيم داعش وارد جداً".
من جهتها، عدّت النائبة عن تحالف القوى العراقية، انتصار الجبوري، "تركيا دولة جارة للعراق وهناك مصالح مشتركة وملفات مشتركة بين البلدين"، معتبرة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "زيارة رئيس الحكومة التركية إلى بغداد ستكون هامة جداً لبحث هذه الملفات". وأوضحت أنّ "من أهم الملفات التي سيتم بحثها خلال الزيارة، ملف الحرب على الإرهاب، كون داعش عدو مشترك، وتركيا تواجه تفجيرات وأعمال عنف، ويهمها القضاء على التنظيم، وأن يكون هناك تنسيق مع العراق للقضاء عليه"، مضيفة "كما سيتم بحث موضوع القوات التركية المتواجدة في العراق والتوصل إلى اتفاق بشأنها". وأشارت إلى أنّ "الزيارة ستبحث أيضاً الملفات الاقتصادية والمياه وغيرها من الملفات الهامة".