في تطور ملفتٍ، أعلنت جماعة أنصار الله (الحوثيين) إقرار رؤية لـ"لبناء الدولة" اليمنية حتى عام 2030، تشمل مجموعة من المبادئ والأهداف الطموحة على مختلف المستويات التنموية والسياسية نظرياً، لكنها تحمل في طياتها تناقضاً مع ممارسات الجماعة وطبيعتها الدينية، كما أنها تبحر بعيداً عن الجهود السياسية المفترض أن تقود إلى مرحلة انتقالية يمنية تتوافق حول خطوطها العريضة مختلف الأطراف.
وجاء الإعلان عن "الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة"، بقرار جمهوري، صادر عما يُسمى بـ"المجلس السياسي الأعلى" ورئيسه مهدي المشاط، بوصفه واجهة السلطة في مناطق سيطرة الجماعة، مساء السبت، ونص على اعتماد "وثيقة الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة وآليتها التنفيذية"، كما أكد على "أهمية التزام كافة وحدات الجهاز الإداري للدولة والقطاعين العام والمختلط على المستوى المركزي والمحلي بالعمل وفقاً للرؤية".
وتعد الوثيقة من خلال المضامين المنشورة خليطاً من مفاهيم تبدو أقرب إلى "موجهات دستورية"، وأخرى إلى برنامج حكومي تقول الجماعة إنها ستدير البلاد وفقاً لمضامينه، وأنه جرى اعتمادها بناءً "على مرجعيات شاملة كمنطلقات لصياغة الرؤية أهمها دستور الجمهورية اليمنية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني المتوافق عليها والقوانين والتشريعات الأساسية والخطط والاستراتيجيات القطاعية والبرامج الحكومية السابقة بالإضافة إلى الخطة العالمية للتنمية المستدامة 2016 - 2030".
ووفقاً لما أفادت مصادر سياسية في صنعاء لـ"العربي الجديد"، فقد بدأت الجماعة إعداد ومناقشة الوثيقة منذ شهور في الأطر الحكومية (على مستوى مجلس الوزراء الخاضع للجماعة في الحكومة غير المعترف بها في صنعاء)، ومجلسي النواب والشورى (الخاضعين للجماعة) كما تم عرضها على ممثلي قوى سياسية من المتحالفين مع الجماعة، لمطالبتهم بتقديم ملاحظات بشأنها، وذلك في ديسمبر/ كانون الأول 2018.
ووفقاً لتفاصيل الرؤية التي نشرتها وكالة الأنباء اليمنية بنسختها التي يديرها الحوثيون، فإن الوثيقة تشمل 12 محوراً، وهي "المصالحة الوطنية الشاملة والحل السياسي ومنظومة إدارة الحكم والبناء الاجتماعي ومحور الاقتصاد والتنمية الإدارية والعدالة وسيادة القانون والابتكار والإبداع والمعرفة والبحث العلمي والتعليم والصحة والبيئة والدفاع والأمن والسياسة الخارجية والأمن القومي"، وفي كل محور وردت "مؤشرات تنفيذ لكل هدف بلغت 408 مؤشرات مع أهم المبادرات المترجمة لكل هدف والتي بلغ عددها 498 مبادرة".
وفي الجانب العملي، تتضمن الوثيقة خطة طموحة، على غرار تحسين نوعي للتعليم في اليمن ومحاربة الأمية ورفع نسبة مشاركة المرأة في العمل وتوفير التأمين الصحي للسكان إلى ما يزيد عن 50 في المائة، والوصول بالخدمات إلى ضمن أفضل 80 دولة في نهاية الفترة 2030، وغيرها من الطموحات البيئية والاقتصادية وصولاً إلى "بلوغ اليمن في مؤشر مدركات الفساد إلى المرتبة 100 بين دول العالم"، وتحقيق نمو اقتصادي سنوي لا يقل عن خمسة في المائة.
واعتمد الحوثيون في الرؤية سبعة مبادئ مهمة، أولها "مبادئ الإسلام وتعاليم الشريعة الإسلامية منطلقات الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة"، وثانيها "الهوية الإيمانية بقيمها الأخلاقية والإنسانية للشعب اليمني الأساس الذي يقوم عليه بناء الدولة"، بالإضافة إلى "النظام الجمهوري والالتزام بالدستور والقوانين نهج الدولة اليمنية الحديثة"، مروراً باعتبار "تحقيق العدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية، واحترام الحقوق والحريات من الثوابت الدينية والقيم الوطنية"، والمحافظة على الأسرة اليمنية وتعزيز مكانتها في المجتمع"، وكذلك "التداول السلمي لسلطات الدولة بالانتخابات الحرة والنزيهة التجسيد العملي للنهج الديمقراطي"، وأخيراً اعتبار "الوحدة اليمنية أرضاً وإنساناً مبدأ أساسياً للشعب اليمني".
وكان واضحاً أن العامل الأهم في توقيت اعتماد الرؤية هو ذكرى مقتل رئيس "المجلس السياسي الأعلى" السابق، صالح الصماد، بغارة جوية للتحالف في الـ19 من إبريل/ نيسان الماضي، وهو أول من أعلن عن "مشروع بناء الدولة" قبل مقتله، غير أن الجماعة كانت قد بدأت التمهيد لإعلان الرؤية منذ أسابيع، بمناسبة أشمل، وهي دخول الحرب عامها الخامس على تدخل التحالف الإماراتي السعودي في البلاد أو ما تصفه بـ"العدوان".
وتحمل الرؤية مضامين تناقض ممارسات الجماعة في الواقع، ابتداءً من الحديث عن الحريات وعن "المواطنة المتساوية" مروراً بـ"التداول السلمي للسلطة"، في حين تفرض الجماعة سيطرتها بالحديد والنار، وتعتبر زعيمها عبد الملك الحوثي على سبيل المثال قائد "الثورة"، بموقع الرجل الأول، من دون تحديد موقعه في الرؤية المعلنة.
إلى جانب ذلك، فإن إعلان رؤية "بناء الدولة" من طرف كالحوثيين الذين يفقدون السيطرة على أغلب مساحة البلاد، خطوة تعزز من واقع التقسيم باعتبارها حتى اليوم الأول لا تعني سوى المناطق الخاضعة لسيطرتها، كما أنها من جهة أخرى تعد مؤشراً على ممارسات وخطط بعيدة المدى، يفترض أن يكون القرار فيها لنتائج أي اتفاق سياسي لإنهاء الحرب، يتمحور في طروحاته حول تشكيل حكومة انتقالية توافقية وما إلى ذلك من إجراءات، تصطدم بخطط ورؤى أحادية الجانب.